بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
موضوع الخطبة: فضائل الصحابة. الخطيب الظريفي
18 محرم الحرام 1432 هـ 24 / 12 / 2010 م
الحمد لله الذي خلق الإنسان فهداه النجدين، فأكرم بالإسلام من شاء من الثقلين، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل صحابة رسول الله أفضل الثقلين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من مشت قدماه على أرض الحرمين، وأحب الخلق إلى الله دون مين، صلى الله وسلم عليه وعى آله وأصحابه الذين كانوا في الشريعة وسطا بين بين، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تخالف في الأجواء أنوار القمرين.
أما بعد فيقول الله تعالى:﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا..... ﴾.
أيها الإخوة المؤمنون! قد وقفنا في الجمعة الماضية عند قوله تعالى:﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. وتعرفنا على حقيقة الذين كفروا في كل عصر وجيل.
وكان بودي أن أقف في خطبة اليوم عند قوله تعالى:﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ. لأن سياق الآية يقتضي ذلك، ولأن المراد بثاني اثنين في الهجرة هو أبو بكر الصديق t، الذي شرفه الله تعالى بثاني اثنين في الإسلام، وبثاني اثنين في الخلافة، وبثاني اثنين في القبر، كما كان ثاني اثنين في الغار وثاني اثنين في الهجرة.
اسمحولي قبل أن نتعرف على هذه الشخصية العظيمة، أن نقف في هذه الخطبة وقفة عند أصحاب رسول الله r لنعرِّف بقدرهم وبمكانتهم وبفضلهم على الإسلام والمسلمين،. لأن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين،
ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم؛ إذ الدفاع عنهم دفاع عن رسول الله، فهم بطانته وخاصته، ودفاعا أيضا عن الإسلام، فهم حملته ونقلته.
قال الطحاوي رحمه الله: "ونحبّ أصحاب رسول الله، ولا نفرّط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
وأهل المغرب والحمد لله قديما وحديثا يحبون آل بيت رسول الله r وأمهات المؤمنين ويجلون ويعظمون أصحاب رسول الله r. إلا أن في هذه الآونة الأخيرة ظهر بين صفوفنا من يدعي الإسلام وينال من عرض صحابة رسول الله r بالطعن والسب والشتم، ويشوه صورتهم في أعين الناس.
ولهذا قررت أن أخصص خطبة اليوم للحديث عن مكانة أصحاب رسول الله.
- إخوة الإيمان- الحديث عن فضائل صحابة رسول الله حديث تطول فصوله، ولكن حسبنا من ذلك أنهم الذين أعز الله بهم دينه ونشر بهم شرعه، بل لو لم يكن من فضلهم إلا محبة رسول الله لهم ورضاه عنهم لكان ذلك كافيًا. فالصحابة أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلّفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، كما قاله ابن مسعودt. وهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه، فحبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة.
وقد ورد في فضلهم آيات وأحاديث كثيرة.

يقول الله تعالى:﴿وَالسَّاب ِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
وقال تعالى:﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾.
و قال تعالى: :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وقال تعالى:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وقال تعالى:﴿لِلْفُقَر َاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.
وقال تعالى:﴿وَالَّذِي نَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وقال جل شأنه في حق المهاجرين:﴿فَالّ َذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّه ُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾.
ويقول تعالى شاهداً لهم بالإيمان الحق:﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
وقد ذكر الله تعالى الصحابة y في مواضع كثيرة من القرآن الكريم قارناً ذكرهم بذكر رسول الله r وفي هذا تشريف لهم أيما تشريف، وقد بلغت هذه الآيات من الكثرة ما يطول بنا ذكرها.
وقد جاءت السنة النبوية الشريفة أيضا تبين فضلهم وتحذر من إيذايتهم. ومما جاء في فضلهم رضوان الله عليهم: حديث ابن مسعود t عند البخاري ومسلم أن النبي r قال:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».
"وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه، وواسوه بأموالهم وأنفسهم، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام".
وقد جاء الوعيد الشديد فيمن آذى أصحاب النبي r بالسب والشتم وغيرهما.
روى البخاري ومسلم واللفظ له. عن أبي هريرة t: قال: قال رسول الله r«لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه».
وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته r وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال الله تعالى:﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾. سورة الحديد.
وروى الإمام أحمد والترمذي والبيهقي في الشعب، عن عبد الله بن مغفل المزني t قال: قال رسول الله r:«الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه».
قال المناوي رحمه الله: «الله الله في أصحابي» أي: اتقوا الله فيهم، ولا تلمزوهم بسوء، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم،…. ا.هـ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله:«مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». رواه الطبراني في الكبير وله شواهد و حسنة الألباني رحمه الله في الصحيحة.
وبعد هذه الآيات المباركات، والأحاديث النبوية الشريفة، لا أظن مسلماً يعتز بإسلامه وإيمانه يستطيع أن يطلق للعنان لينال من تلك المقامات الرفيعة، التي اختارها الله تعالى لتكون الشاهد على كتابه، إذ بهم أوصل الله دينه إلينا، فهم معية رسول الله r في السراء والضراء، يسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده، باذلين أنفسهم وأموالهم غير مكترثين بذلك.
وارض اللهم عن أصحاب نبيك أجمعين، واحشرنا وإياهم في زمرة سيد المرسلين، واجمعنا بهم في دار كرامتك يا كريم آمين.
أقول....


الخطبة الثانية
لقد عرف السلف الصالح فضلَ الصحابة الكرام، وبيَّنوا ذلك، وردوا على كل من أراد انتقاصهم رضي الله عنهم، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة، خير من عمل أحدكم عُمره" رواه أحمد وابن ماجه وصححه البوصيري في الزوائد.
وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي رحمه الله فقال: يا أبا زرعة، أنا أبغِض معاوية، قال: لِمَ؟ قال: لأنه قاتَل عليّا، فقال أبو زرعة: إنّ ربَّ معاوية ربٌّ رحيم، وخصم معاوية خصمٌ كريم، فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين. رواه ابن عساكر.
وقال أيضا رحمه الله:" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله r فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآنَ حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحابُ رسول الله r وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة" ا.هـ
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه في إ سلامه".
وقال بشر بن الحارث رحمه الله:" مَن شتم أصحاب رسول الله r فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين"
قال القاضي عياض في كتابه (الشفاء في حقوق المصطفى):"قال الإمام مالك: من شتم أحدًا من أصحاب النبي r: أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قُتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكِّل نكالاً شديدًا".
والمؤمن الحق لا يقول إلا كما قال الله تعالى:﴿وَالَّذِي نَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
هذا..