أحسن الله عزاءنا وعزاءكم جميعًا ،
وغفر الله لأخينا محمد ولجميع أموات المسلمين ، وأعظم الأجر للأحياء المصابين،
وأرجو أن تغفروا لي غيابي عن الموضوع رغم دخولي المتكرر، فوالله ما دخلته مذ رفعته على صفحات المجلس إلا فاضت عيني وخنقتني العبرة ، فكم كان بيننا من إخوة وحسن عشرة ، على الرغم من أن الفترة التي التقينا فيها معًا كانت فترة يلتهمها العمل ، لكن لعله الاشتراك في الغاية قد جمع بين قلبينا ، الحب للسنة والرغبة في التفرغ لطلب العلم ، ولعله أيضًا صدق النصيحة فقد كان لي ناصحًا أمينًا - وأنا علم الله - أني ما أدخرت عنه نصحًا ولم أبخل عليه يومًا برأي أو مشورة.
سبحان الله ، نطمع ونأمل ، وما قدره الله كائن ، وقضاؤه نافذ ، وإذا جاء الأجل لا يقدمه شيء ولا يؤخره شيء.
وإني والله لم أحزن عليه - إنما حزنت لفراقه - فإنه كان رجلا أحسبه صالحًا مسلمًا مصليًا من طلبة علم الحديث الشريف ، لم يشغل نفسه يومًا بعلوم الكلام والجدل ، يقضي معظم وقته في صلاته وفي عمله ومذاكرة العلم وفي حاجة أهله، وهو مع هذا أقبل على رب كريم ، رحيم ، أرحم بالمسلم من الوالدة بولدها ، فأي بأس عليه ، ورحمة الله واسعة ، أسأل الله أن يجعل له منها النصيب الأوفى.
وقد قيل لأعرابي : إنك تموت. قال : وإلى أين يُذهبُ بي ؟ قالوا: إلى الله تعالى. قال: ما أكره أن يُذْهبَ بي إلى من لا أرى الخير إلا منه.
وإنها لرحلة لا أرنا نتأخر عنه بعدها طويلا فمهما تطول الأعمار والأيام في هذه الدنيا فإنها قصيرة ، واسألوا أبناء الخمسين والستين والسبعين، كيف مرت ؟ وما بقي - إن كان قد بقي شيء - يمر سريعًا سريعًا، والسعيد من وعظ !
ولا أجد إلا ما أنشده البخاري رحمه الله عندما سمع بموت شيخه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي صاحب السنن:
إن تبق تفجع بالأحبةِ كلِّهم *** وذهابُ نفسك لا أبا لك أفجعُ
إنا لله وإنا إليه راجعون
ووأرجو أن يستمر الدعاء لأخينا في أي وقت ، لعله يكون في ذلك نفعًا للميت ، وتسلية للأحياء.