السلام عليكم
سأكتب هنا بعض التداعيات..
لماذا هو يطلب العلم ؟
هذا ليس مُجرد سؤال, ولكن دعوة للتأمل والتفكر.
هو يرضى بالقليل وبالكفاف ولكن هي لن ترضى! ربما.. وربما هو لا يرضى أصلاً بالكفاف أو لا يعرف معناه !
هو لن يستطيع أن يلبي متطلباتها و"ضروريات الحياة" ! وارد جداً.., ولكن من الذي يحدد تلك الضروريات !
هو متدين يريد شيئاً وهي متدينة أيضاً ولكن.. تريد شيئاً آخر.
هو يفهم خدمة الدين بطريقة وتفهمها هي بأخرى.
هو لديه رؤية وآمال وطموحات وهي لديها أخرى !
هو.. يجد نفسه مضطراً للزواج ليعفّ نفسه, ويكمل نصف دينه, ويكمل مسيرة طلب العلم, وهو.. على الأغلب لا يعلم حقيقةً لماذا يطلب العلم.. وأشك أنّ عنده الرؤية الصحيحة للزواج !
هل طلبُ العلم غاية أم وسيلة ؟
نعم لا بد من الزواج, ومن استطاع الباءة فليتزوج.. لا بد أن يتزوج.
ولكن أغلب شبابنا باتوا لا يستطيعون القيام بمتطلبات الزواج التي يعتبرونها متطلبات ( بحسب العرف الجاهلي لا بحسب السنة النبوية ), فالزواج أصبح عبارة عن مجموعة من الأعباء المادية والنفسية والاجتماعية, والأهم.. أغلب شبابنا من طلاب العلم يعانون من حالة فصام !
يطلبون العلم.. ويزعمون أنهم على خطى رسول الله عليه الصلاة والسلام سائرون
ويدّعون أنّ هدفهم من طلب العلم هو نصرة دين الله تعالى ومنهاج النبوة, ولكنهم أول من يخذل هذا الدين والمنهاج عندما يتزوجون بطريقة ساذجة ابتداء, لا تتناسب مع حجم الرسالة التي يحملون ونوعيتها .
هذا الدين يتطلب -الآن وحالاً- رجالا ونساء صادقيـن -من ذوي الهمم- يحملون رايتـه, ورايته ثقيلة جداً.. جداً!
طالب العلم عليه أن يعلم الغاية من طلبه للعلم, ولو علم, لفهم أن عليه أن يبحث عن زوجه التي تعينه على أداء تكليفه, وترضى بالكفاف, كما رضي رسول الله عليه الصلاة والسلام وأزواجه وصحابته وأزواجهم رضوان الله عليهم جميعاً.. كما رضوا جميعاً بالكفاف, عندما أسسوا منهاجاً ومنظومة.. ومَدينـة.
يتزوج جعفر بن أبي طالب أسماء بنت عميس, ثم يستشهد, فيتزوجها أبو بكر الصديق, ثم بعد موته يتزوجها علي بن أبي طالب! رضوان الله عليهم جميعاً! وعليّ بن أبي طالب يحمل في قلبه المحبة لأبي بكر وجعفر (وهذا لا يمنع من الغيرة الطبيعية) عجيب..!
هذا حقيقةً مُنكر في "شريعتنا المجتمعية الجاهلية" وفيما تطبّعت عليه أنفسنا!
ما علاقة ما أقول بموضوع الطرح؟!
حسناً, هؤلاء أناس ( بشر مثلنا ) تفرّغوا للرسالة.. للمنهاج.. لإنشاء "المدينة الفاضلة".. ونصرة الحق ودين الحق! بالتالي, أصبحت حاجاتهم البشرية وشهواتهم الطبيعية تـُقضى ضمن إطار منظومة الجماعة التي يحلمون ويسعون لإقامة مجتمعها.. لا الإطار الجاهلي الذي تمردوا عليه وهجروه ! أما نحن فما زلنا ندور في رحى منظومة الجاهلية, نطوف حول مفاهيمها ( أوثانها وأصنامها ) ! لا نقدر على الانفكاك ! ولا نعي -بعد- مفهوم الهجرة الواجبة لنصرة هذا الدين, الهجرة التي لن يكون لنا أي قائمة بدونها, والهجرة مستويات..لا بد من تخطيها جميعاً !
فهجرة الصحابة رضي الله عنهم بدأت في مكة قبل قبل هجرة الحبشة !
.. تحكمنا ضروريات الحياة المادية ومتطلباتها, تحكمنا نظرة المجتمع -الجاهلي طبعاً- الذي تطبّعت على معاييـره أنفسنـا, تحكمنا شهوتنا المفرطة التي تجعل مقاييسنا لا تختلف عن مقاييس العوام الذين لا يعرفون لماذا خلقهم الله تعالى, بل ولعلنا نزيد عليهم, بحيث نستخدم علمنا للتحايـل! سواء عندما نريد أن نأكل أو نشرب أو نتجادل أو نتـزوج ( أو نعدِّد ) أو وألف أو..!
تأملوا مثال "أسماء وأزواجهــا" رضوان الله عليهم مرة أخرى لتعوا قصدي تماماً. وأصغر طالب علم فيكم يعلم قصتها مع أبنائها الذين اختلفوا أيُّ الأبوين خير ( جعفر أم أبي بكر ) بحضور عليّ, وأسمـاء تشيد بهما.
أيظن أحدكم أنّه أكثر رجولة من عليّ, رضوان الله عليه! لا والله لا يكون, وحاشاه.
أيخطر ببال أحدكم أنّ أسماء "منحرفة" أو غير وفية لزوجها الأول.. أو الثاني, أبداً والله, وحاشاها.
هؤلاء.. أناس, لم ينكروا شهواتهم ولم يكونوا عبيداً لها.
ولكن أدركوا -على سبيل المثال- بأنّ المهم هو تحقق عفّـة الجماعة الإسلامية, رجالاً ونساءً, فعفّة الفرد تدخل ضمن عفة الجماعة, ولا تطغى عليها -هذا هو الأصل المفقود في عالم الفردية والفصام الغارقون فيه نحن-, الجميع مدرك لضرورة تحقيق عفة الجماعة الإسلامية, والجميــع مُكتفٍ وراضٍ.. قاضٍ لحاجته على الصعيد الفردي.. ومُستمر بالسعي باتزان جسدي وعاطفي وفكري وروحي.. وهذا لكي لا تعطلهم شهواتهم عن السـعي والنـصرة والبنـاء والجهاد.. وصولاً للفتـح !
فكان الزواج سهلاً, والاختيار سهلاً.. لأنّهم أصلاً هاجروا لأجل المنهاج والمنظومة, ولأنهم نصروا المنهاج والمنظومة ! بالتالي, فالاختيار سهل بين أنـاس هم جميعاً على قلب واحد, ولديهم رؤية واحدة, ومسعاهم واحد.. أمـّا الآن.. في ظل غياب الرؤية والمنهاج والمنظومة, والمديـنة.. في ظل غياب الجماعة الحقيقية.. أما الآن في ظل هذا الغياب والفقد.. تحتـاج -يا طالب العلم- أن تبحث بصدق وإخلاص عن مُهاجِـرة, وتتأكد أنها بكل كيانها مُهاجـرة.. وكذلك أنت يا طالبـة العلم, إبحثي عن المُهاجـر وتأكدي أنه بكل كيانه مهاجـِر! وعندئذ سيكون الكفاف هو مطلب كل منكما, ولن تتعطل مسيرة العلم ولا مسيرة الدعوة ولا مسيرة البناء ولا مسيرة الجهاد ! فهذه هي سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام, لا سنة أمويين ولا عباسيين ولا عثمانيين! بل سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام, ولن تقوم لنـا قائمة يا طلاب العلم إلا بسنة مُحمد.. صلى الله عليه وسلم.
المشكلة هي في طالب العلم, طالب العلم الذي عندما يريد أن يبدأ تطبيق أول مشروع علمي دعوي ( تأسيس كيان أسري ) يفشل فشلاً ذريعاً.. يفشل ابتداء في الاختيـار, فيتزوج كما يتزوج العامّي ! ثم.. يتفاجأ طبعاً من النتائج, ويبدأ يشكو من زوجته أو يكتم خيبة أمله.. ويبدأ يشكو بأنّ نمط معيشته يشبه كثيراً نمط معيشة العوام ( ولعله لا يعي ولكن يشعر بوجود خلل أو ربما هو أضعف من أن يستغني عن هذا النمط المعيشي ), بل ويشبه نمط معيشة المنحرفين والكفار.. نمط حياة جاهلي في الكثير من الحيثيات التي يُـقال أنها ضروريـات.. وتضيع طموحاته وأحلامه, ويـتساءل.. أنّى هذا !
لا يبحث ابتداء عن أم صلاح الدين لتكون زوجه وأم ولده ( لأنه أصلاً ليس صلاح الدين وليس طالباً للفتح ولكن مجرد طالب علم للعلم -نحرير- ), ولا طالبة العلم تبحث عن أبيه ليكون زوجها وأبو ولدها ( لأنها ليست صلاح الدين ) ! أما الصحابة الكرام, فكانوا خيــار الناس, كانوا جميـعاً -رجالاً ونساءاً- صلاحاً لهذا الدين, وكانوا آباءاً وأمهاتا له.. كانوا جميعاً محمديين, مؤمنين مسلمين ! فكان الاختيار سهلاً.. والأمور بسيطة, وليست معقدة.. أمـا الآن, وإلى أن.. إلى أن نؤسس مدينتنـا.. فاحرصوا كل الحرص على فحص ما تطبعت عليه أنفسكم, بمراجعة مفاهيمكم, وعرضها على سُنـة رسول الله عليه الصلاة والسلام, لا سُنـة العلماء ( عودوا للنبع الأصيل ), وانظروا -يا طلاب الفتـح- في أي أرض تلقون بذوركم, يرحمكم الله, ويوفقكم ويرضيكم إن ابتغيتم رضوانه. ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ).
ندعو إلى سنة رسول الله, ولدينا من العلم ما يلفت الأنظار.. ولكنّـا حقيقةً نأبى إلا أن نعيش ضمن منظومة رسل الأعور الدجال, لا نقوى على الهجرة بعد, فسحرها عظيـم وجمالها فتّـان ! فننتقي ما يلائمنا من سنة هذا النبي المختار عليه الصلاة والسلام , ونجد مخارج شرعية لما نردّه ! شفانا المولى عز وجل من حالة الفصام, وأخرجنا من ظلمات تيه أنفسنـا, والله المستعان.