بسم الله الرحمن الرحيم
ما أجمل أن يقف المرء مع شخصية فريدة أسهمت في نهضة الأمة ورفعتها...
شخصية لها باع في العلم والتضحية...
إنه وبحق مدرسة في العلم والعمل...
قد أسهم في البناء المعرفي للأمة الإسلامية وما زال...
أثنى العلماء على مؤلفاته التي أتهمت وأنجدت واستفاد منها الشباب المسلم وتربى عليها في شتى أصقاع المعمورة...
فلله درُّك أبا محمد ورضي الله عنك ورفع درجتك وجمعنا بك في مستقر رحمته...

وإليك ما قاله الأئمة عن هذا الجبل الأشم....
قال الإمام العز بن عبدالسلام
لم تطب نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة المغني
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق
قال الإمام الذهبي
الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام ، كان من بحور العلم وأذكياء العالم

وإليك ترجمة سريعة له-رحمه الله-
اسمه ونسبه :
هو أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجمَّاعيلي شيخ المذهب الإمام بحر علوم الشريعة المطهرة ـ رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة آمين ـ .
مولده ونشأته :
ولد ـ رحمه الله ـ بجمَّاعيل من عمل نابلس في فلسطين سنة 541 هـ ، وقدم دمشق مع أهله .
وصفه :
قال الضياء ـ رحمه الله ـ : كان تام الخلقه أبيض مشرق الوجه أدعج كأن النور يخرج من وجهه لحسنه وأسع الجبين طويل اللحية قائم الأنف مقرون الحاجبين صغير الرأس لطيف اليدين والقدمين نحيف الجسم ممتعا بحواسه .
طلبه للعلم :
حفظ القرآن دون سن البلوغ وحفظ مختصر الخرقي ، وكتبَ الخط المليح ، وقرأ على مشايخ دمشق ، ثم سافر إلى بغداد هو وابن خالته الحافظ عبدالغني المقدسي ـ رحمه الله ـ سنة إحدى وستين ، وأقاما بها أربع سنوات يدرس على شيوخها.
شيوخه :
بلغ شيوخه ـ رحمه الله ـ 32 شيخ منهم :
1. أحمد بن محمد بن قدامة والده بدمشق
2. الشيخ عبدالقادر بن عبدالله الجيلى
3. الإمام أبو الفرج عبدارحمن بن علي ابن الجوزي ببغداد .
4. الشيخ أبو الفتح نصر بن فتيان بن مطر ابن المَنِّيّ ببغداد .
5. الشيخ أبو المكارم بن هلال بدمشق .
6. الشيخ أبو الفضل عبدالله بن أحمد الطوسي بالموصل .
7. الشيخ المبارك بن الطباخ [2] بمكة ـ حرسها الله ـ .
8. خديجة بنت أحمد بن الحسن النهروانية ببغداد .
نبذه عن حياته :
لما رجع الإمام الموفق من بغداد إلى دمشق تصدر في جامع دمشق مدة طويلة ، وبعد موت أخيه أبي عمر صار هو الذي يؤم المصلين بالجامع المظفري ويخطب يوم الجمعة إذا حضر ،قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : كان يتنفل بين العشاءين بالقرب من محرابه ، فإذا صلى العشاء انصرف إلى منزله بدرب الدّولَعِيّ بالرصيف ، وأخذ معه الفقراء من تيسر ، يأكلون معه من طعامه وكان منزله الأصلي بقاسيون ، كان لا يناظر أحدا إلا وهو يبتسم ، حتى قال بعض الناس : هذا الشيخ يقتل خصمه بتبسمه ، وقيل إنه ناظر ابن فضلان الشافعي ـ الذي كان يضرب به المثل في المناظرة ـ فقطعه .
وقال الضياء : كان حسن الأخلاق لا يكاد يراه أحد إلا مبتسما يحكي الحكايات ويمزح زسمعت البهاء يقول : كان الشيخ يمازحنا وينبسط ، وكان لا ينافس أهل الدنيا ، ولا يكاد يشكو ، وربما كان أكثر حاجة من غيره ، وكان يؤثر .
وسمعت البهاء يصفه بالشجاعة ، وقال : كان يتقدم للعدو وجرح في كفه وكان يرامي العدو .
وجاءه مرة الملك العزيز ابن العادل يزوره فصادفه يصلي فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من صلاته ثم اجتمع به ، ولم يجوز في صلاته .
وقال ابن رجب ـ رحمه الله ـ : لم يكن يرى الخوض مع المتكلمين في دقائق الكلام وكان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره ، ولا يرى إطلاق مالم يؤثر من العبارات .. .
وله ـ رضي الله عنه ـ اخبار كثيرة ومآثر مشهورة...

نماذج من شعره :

أبعد بياض الشعر أعمر مسكناً & سوى القبر إني إن فعلت لأحمق


يخبرني شيبي بأني ميت & وشيكا وينعاني إلي فيصدق


تخرق عمري كل يوم وليلة & فهل مستطيع رتق ما يتخرق


كأني بجسمي فوق نعشي ممددا & فمن ساكت ومعول يتحرق


إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا & وأدمعهم تنهل : هذا الموفق

وغيبت في صدعٍ من الأرض ضيق & وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق
ويحثو علي الترب أوثق صاحب & ويسلمني للقبر من هو مشفق
فيا رب كن لي مؤنسًا يوم وحشتي & فإني لما أنزلته لمصدق
وما ضرني إني إلى الله صائر & ومن هو من أهلي أبر وأرفق





طلابه :
تفقه علي يديه الكثير من أهل العلم منهم
1. الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الواسطي ـ رحمه الله ـ .
2. أحمد بن إبراهيم بن عبدالواحد المقدسي إبن العماد ـ رحمه الله ـ .
3. أحمد بن سلامة بن أحمد النجار ـ رحمه الله ـ .
4. الحافظ أبو العباس أحمد بن عيسى بن عبدالله ابن قدامة حفيده ـ رحمهما الله ـ .
5. إسماعيل بن عبدالرحمن بن عمرو المرداوي ابن الفراء ـ رحمه الله ـ .
6. خليل بن أبي بكر بن صديق المراغي ـ رحمه الله ـ .
7. الحافظ محمد بن عبدالواحد بن أحمد السعدي المقدسي ضياء الدين ـ رحمه الله ـ.
8. عبدالحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان ـ رحمه الله ـ .
9. عبدالرحمن بن محمد بن أحمد ابن قدامة ـ رحمه الله ـ شارح المقنع .
10. الحافظ محمد بن سعيد بن يحي ابن الدبيثي الشافعي .
11. الحافظ محمد بن محمود بن الحسن ابن النَّجَّار ـ رحمه الله ـ .

مؤلفاته :
له مؤلفات كثيرة ذكرها ابن رجب وغيرها منها :
1. العمدة .
2. المقنع .
3. الكافي .
4. المغني ، وهو أكبر كتبه ومن كتب الإسلام المعدودة .
5. الاستبصار ، في الأنساب .
6. الاعتقاد .
7. التوابين .
8. ذم التأويل
9. ذم الوسواس .
10. روضة الناضر وجنة المناظر .
11. فضائل الصحابة
12. القدر .
13. لمعة الاعتقاد .
14. مسألة في تحريم النظر في علم الكلام .
15. مناسك الحج .

قال الشيخ يحي الصرصيري ـ رحمه الله ـ :

وفي عصرنا كان الموفق حجة & على فقهه ثبت الأصول محولي

كفى الخلق بالكافي وأقنع طالبا & بمقنع فقه عن كتاب مطّول


وأغنى بمغني الفقه من كان باحثا &وعمدته من يعتمدها يحصل


وروضته ذات الأصول كروضةٍ & أماستْ بها الأزهار أنفاس شمْأَل


تدل على المنطوق أوفى دلالة & وتحمل في المفهوم أحسن محمل



وفاته :
توفي ـ رحمه الله ـ يوم السبت في يوم عيد الفطر عام 620هـ ودفن من الغد في جبل قاسيون خالف الجامع المطفري .

هذه الترجمة منقولة بتصرف من موقع (صيد الفوائد) حاشا الأسطر الأولى التي استهل المقال بها