قال الشيخ عثمان بن قائد النجدي رحمه اللَّه تعالى: (والحاصل أن الصفة تعتبر من حيث هي هي، وتارة من حيث قيامها به تعالى، وتارة من حيث قيامها بغيره، وليست الاعتبارات الثلاث متماثلة، إذ ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في شيء من صفاته، ولا في شيء من أفعاله، وهو السميع البصير.
فاحفظ هذه القاعدة فإنها مهمة جداً، بل هي التي أغنت السلف الصالح عن تأويل آيات الصفات وأحاديثها، وهي العاصمة لهم من أن يفهموا من الكتاب والسنة مستحيلاً عن الله من تجسيم أو غيره.
ثم بعد إثباتي لهذه القاعدة رأيتها منصوصة في كلام السيد المعين، ثم رأيته قد سبقه إليها العلامة ابن القيم). انتهى
قال الشيخ العلامة أبو بطين رحمه الله مبيناً هذا:
(وقول الشيخ عثمان: (إن الصفة تعتبر من حيث هي هي...) الخ؛ يعني: لها ثلاث اعتبارات:
تارة تعتبر من حيث هي هي؛ أي تعتبر: منفردة من غير تعلقها بمحل، مثال ذلك: البصر، فيقال: البصر من حيث هو هو؛ ما تدرك به المبصرات.
ومن حيث تعلقه بمخلوق؛ فيقال: هو نور في شحمة، تسمى: إنسان العين، تحت سبع طبقات في حدقة، ينطبق عليها جفنان.
وأما بالنسبة إلى الرب سبحانه؛ فنقول: هو سبحانه سميع بسمع؛ بصير ببصر، ليس كسمع المخلوق، ولا كبصر المخلوق، وهكذا سائر الصفات، والله سبحانه وتعالى أعلم). انتهى
ومثل هذا قاله الشيخ العلامة السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 17):
(وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ تَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِهِ تَعَالَى، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَلَيْسَتْ الِاعْتِبَارَات ُ الثَّلَاثَةُ مُتَمَاثِلَةً إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ تَعَالَى شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ).
وقريبٌ من هذا ما سطره الشيخ العلامة أبا بطين رحمه الله في لوامع الأنوار البهية (1/ 33):
(وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ تَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَتَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ قِيَامِهَا بِهِ تَعَالَى، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامِهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى. وَلَيْسَتِ الِاعْتِبَارَات ُ مُتَمَاثِلَةً، إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَى الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَنِ الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ، فَكَمَا أَنَّا نُثْبِتُ ذَاتًا لَيْسَتْ كَالذَّوَاتِ، فَلْنُثْبِتْ رَحْمَةً لَيْسَتْ كَرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ وَحَرَّرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَدَائِعِ).
فتدبر لهذه القاعدة حق التدبر، وافهمها حق الفهم؛ فما زلَّ أهل الأهواء إلا لما أن ضيعوها، وجانبوا تدبرها، وفهموها على خلاف حقيقتها بما يتوافق ومقاصد الشيطان.