بســم اللـــــه الرحمـــن الرحيـــم
==============
الحمــدُ للـه القائـــلُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
والصَّـلاة والسَّــلام على رسول الله صلى اللـه عليه وآلـــه وســــــلم الـذي قال: { أكثــــــــروا ذكـــــر هــــاذم اللــــــذات }
أمَّـــا بَعْـــــدُ:
فاٍنَّ محاسـبة النفـــــــس أمــــــــــرٌ عظيـــــــمٌ جـــــــداً، ومعناهــا أنْ تنظـــــــــر في نفســك وتتأمــل فيهــــا وتعـــــرف عيوبهـــا ومثالبها ومســـاوئهـــا، فــلا نجــاة للعبـــــد إلا بها، قال تبارك وتعالى:{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
وما أروع ما قاله أمير المؤمنين الفاروق أبو حفص / عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في هذه الكلمات المضيئة:
[ حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أنْ تُوزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية ]
والمحاسبـــــــ ة للنفـــــــــس من قــــــــــــام بهـــا اليــــــــوم، كـــان آمنـــاً غــــداً.
ومقــام محاسبــة النفــس يقلل الكــلام فيما لا يعني، ويحمــل الإنســان على تقليــل الذنــوب، وعلى الإكثــار من الطاعـــات لمقابلــة مــا صــدر منــه.
ولكــنَّ هـذا الطـــراز يَعــزُّ وجـــوده في زماننـــا هـــذا.
فالمحاسبــة تكــون بضبــط الحواس ورعايــة الأوقــات وإيثــار المهمــات وحفــظ الأنفــاس والحرص على أداء العبــادات كاملـــة، وبالأخـــص الصــلاة، فيكملهــا بشروطهـــا المذكــورة وأركانهــا وواجباتهـــا وسننهــا، بخشــوع وخضـــوع وطمأنينـــة وسُــــكون.
فمحاسبـــــــة النفـــــــــس طريقـــة المؤمنيــــن، وعنـــــــوان الخاشعيــن، وبمــا أن القلــــوب كثيــــراً ما تقســـو وتغفـــــل، فتحتــــــــــا ج إلى مــا يزيــل هــــذه القســوة وتلـــك الغفلـــة، من أجـــــل ذلـــك كانــت هــذه
المواعـظ
*******
المحاسبة قبـــل المـوت.
قال إبراهيم بن أدهـــم رحمة الله تعالى عليه: كنتُ في المسجــد الحـــرام ذات يـوم فغلبتنـي عينـي فنمــتُ، فرأيــتُ حـول البيــت سـوادقـات ( نوع من الطيور ) خضر مكتـــوب عليهـــــــــا [ ينبغـي لمــــن عــرف قــــدري أنْ لا يعصــــي أمــــري، ولمــن عــــرف عدلــي فيمــن يقـــــف بيــن يـــدي أنْ يحاســـب نفســـه قبـــل قدومــه علـــيّ، ولمـــن عـــــرف إحسانـي لا ينســاني، ولمـــن عــرف كرمـــي أنْ يشكرنـــي ]
أقـــــولُ: والإنسان لا يتنبـــه لمحاسبة نفســه إلا إذا زهــد في الدنيـــــــا، فاقـــرأ:
زهــد في الدنيـا
-----------
قال جابــر بــن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: خرجتُ مع علـي رضــي اللــه عنـه إلى خـارج المدينـة فتفكـرت فـي أحـــوال الدنيـــا وغرورهـــا وفتنهــــا لنـــا، فقــال:
يا جابـر اٍنَّ الدنيــــا أحقــــر من أنْ يفتتـــن بهـــا لبيــــب .
يا جابـر إنَّ لذلتهــــا في ســتة أشـــياء، مأكول، ومشروب، وملبوس، ومنكوح، ومشموم، ومسموع.
فأمــــــا المأكــــول: فأليـــــن مـــا يؤكـــل العســل، وهـــــو رجيــــع ذبابـــة ( نحلــة )
وأمـــــا المشــروب: فألـذ ما يشــــرب المــــاء، وقـد تسـاوى فيــــه جميـــع الحيوانــات.
وأمـــــا الملبــوس: فأفخـــر مـــا يلبـــــس الحريــر ومخرجــه من دودة.
وأمـــــا المنكـــوح: فمبــــــال فـي مبـــال.
وأمـــــا المشـــموم : فأطيبـــه المســــك وهـــو دم دابــة ( غزال ).
وأمـــــا المســموع: فألـــــذ مـــا يســـمع الوتـــر وهـــو إثــم كلــه.
قد أولــع الناسُ في الدنيــا بأربعــةٍ
أكــل وشرب وملبـــوس ومنكـــوح
وغايــة الكُـــــلِّ إنْ فكــرت فيــه إلى
رَوْثٍ وبــول ومطــروح ومفضــوح
قلـتُ: ومن الأمــور التي تعيـــن على الزهــــد في ملذات الدنيا الفانيـــة زيــارة القبــور، فقــد قال صلى اللـه عليــه وسـلم [ ....... ألا فزوروهـــــــــ ـــــــــــــــ ــــا، فإنها تـرق القلـــب، وتدمـــــع العيــــن، وتذكـــــر الآخــــــرة، ............. الـــخ الحديــــث.
وتــدبــر معي أخي – أختي جيـــداً هــــــذه الـــــ
موعظـة
-------------
قال إبراهيم بن يزيد التميمي رحمة الله تعالى عليه:
كنــــتُ كثير التردد إلى المقابـر أذكــــر الموتـى وطــول البــلاء،
فبينمــا أنـــــا واقف ذات ليلــة فيهــــــا غلبتني عيني فنمــتُ فرأيــتُ قبــراً قــد شُــق وسمعــتُ قائــلاً يقــول: خـــذوا هـــــذه السلسلـة فاسلكوهــا في فيــه وأخرجوهـا من دبـره، وإذا الميــت يقــول: يا رب ألــمْ أكـــن أقرأ القــرآن؟
ألـم أكــــــن أحــــج بيتــك الحــرام ؟، وجعــل يذكــرُ أفعـــالَ البـــر شيئــاً بعــد شيء، وإذا قائــلٌ يقـــــول:
نعــــــم كنـــتَ تفعــــــلُ ذلـــك ظاهــراً، فإذا خلــوتَ بارزتني بالمعاصي ولـم تراقبنـي.
وقـال أيضاً: " مثلـت نفسـي في الجنـة آكــل من ثمـارهـا وأشرب من أنهـارهـا وأعانـق أبكارهـا.
ثم مثلـت نفسي في النار:
آكــلُ من زقومهـا وأشربُ من صديدهـا وأعالج ســلاسلهـا وأغلالهـا.
فقلــتُ لنفسي: يا نفـس أي شيء تريديـن؟
قالـت: أريـد أن أرد إلى الدنيـا فأعمـل صالحـاً، قـال:
فأنـت في الأمنيـة فاعملي اٍذاً لتكوني في الجنة في ذلك النعيـم "
وقــال محمد بن كعب القرظي رحمة الله تعالى عليه:
إذا أراد الله بعبدٍ خيراً، جعــل فيه ثــلاث خلال:
فقه في الدين، وبصر بعيوبه، وزهادة في الدُّنيــــــــ ــــا.
قيل لإبراهيم بن أدهم بما وجــدت الزهـــد؟
قـــال: بثلاثة أشـــياء:
رأيـــتُ القبـــر موحشـــاً وليس معي مُؤنـــسٌ، ورأيـــتُ طريقـــاً طويـــلاً وليــس معــي زادٌ، ورأيـــتُ الجبـــار قاضيـــاً وليــس معــي حجــة.
ومما قيل في الزهد في الدنيا:
أتبني بنـــاء الخالديــن وإنمــــا
مقامـــك فيها لو عقلت قليل
لقد كــان في ظـــل الأراك كفاية
لمن كان فيها يعتريه رحيــل
وقـــال آخـــــــــــر:
ترجــــو البقـاء بدارٍ لا بقـــاء لها
وهل سمعتَ بظلٍ غير مُنتقــل

وختامــا أقـولُ:
هـــــذا بعـض مــــا يســره اللـه تعالـى في بيان هــــذه المواعـظ، ونحن نودع عاماً ونستقبلُ أخر، عسى أنْ ننتفع بها وتكون نبراساً لنا قبل الانتقال للدار الأخرة ونقف بين يدي ربنا تبارك وتعالى ليحاسبنا على ما سلف من العمل.
فنسـألــه عزَّ وجـــلَّ بأسمائــه الحســنى وصفاتــه العلــــى أنْ يرزقنــا وإياكـــم صــــــلاح النفـــــوس، وأنْ يوفقنـــا دائمــاً وأبــــداً إلى محاسبتهـــا وتقويمهـــــــا .
اللهــم آتـــــــي نفوســـنا تقواهــا، وزكهـــــــا أنــت خيـر من زكاهـا، أنــــــــت وليهـــا ومولاهــا.
والحمــدُ للــــه الذي بنعمتــه تتــم الصالحـات.
والسَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.