بسم الله الرحمن الرحيم
(14)التوفيق بين النصوص المتعارضة في سعيد بن أبي هلال-مرزوق- الليثي مولاهم أبو العلاء المصري من خلال (تهذيب التهذيب)([1])
مذهب أصحاب الكتب الستة
قال الحافظ:( احتجَّ به الجماعة)([2])

(ز)مذهب أحمد
مدنيٌّ لا بأس به ([3])

مذهب أبي حاتم
لا بأس به

مذهب ابن سعد
كان ثقة إن شاء الله

ولا ريب أن من قال فيهم الإمام ابن سعد(ثقة)ليس كمن قال فيهم(ثقة إن شاء الله) فتأمل

مذهب الساجي
صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أيُّ شيء(حديثه) يخلط في الأحاديث([4])

مذهب العجلي
ثقة

مذهب ابن حبان
1 ذكره في الثقات
2 (ز)ذكره في (مشاهير علماء الأمصار)وقال:( كان أحد المتقنين وأهل الفضل في الدين)
3 (ز)صحح له في مواطن من صحيحه

(ز)مذهب أبي زرعة
قال : خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان ؛ وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم([5]) أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة([6]) وابن سمعان([7]))([8])

لم يكن قدامى النقاد يريدون بالتحسين معنى اصطلاحيا عندهم ،فقد(استعمل المحدثون مسمى (الحسن) لأغراض متعددة , وتنوعت معانيه التفصيلية عندهم ولكنكل تحسيناتهم لا تخرج عن أحد أمرين:
أ*- تحسين احتجاجي: وهو استحسان الحديثلقوته ويدخل في ذلك الصحيح والحسن لذاته وحديث الراوي المختلف فيه , والحديث الذيفيه ضعف محتمل, والحديث الضعيف المعتضد بمثله.
ب*- تحسين إعجابي: وهواستحسان الحديث لميزة فيه , ويدخل في ذلك: الحديث الغريب والحديث المتضمن فائدة فيالإسناد أو المتن , والإسناد العالي , وحسن المتن)([9])
و مراد أبي زرعة-والعلم عند الله- بحُسْنِ حديث سعيد وخالد= الغرابة،فالإمام يتحدث عما يقع في قلبه-أحياناً- من احتمال خطأهما في الرواية، قال الإمام ابن رجب معلقاً على قول أبي حاتم السابق:(ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان فوجده يشبهه ولا يشبه حديث الثقات الذين يحدثان عنهما فخاف أن يكونا أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما)([10])
قلت:عبارة أبي حاتم تشير إلى تخوفه من تدليس سعيد وخالد - في بعض حديثهما- لابن أبي فروة وابن سمعان ،ولعل المشابهة وقعت في الروايات التي أخطأ فيها الرجلان،وعلى كل حال فأبو حاتم قد ظهر له استقامة حديث سعيد ولذا قال (لا بأس به) كما سبق.

مذهب ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والخطيب وابن عبد البر
وثقوه

مذهب ابن حزم
ليس بالقوي

الخلاصة أن سعيد بن أبي هلال كما قال الإمام الذهبي:(ثقة معروف،حديثه في الكتب الستة)([11]) وأما ما نقله الساجي عن الإمام أحمد من قوله:( ما أدري أيُّ شيء حديثه يخلط في الأحاديث) فلعل الإمام يقصد في بعض ما رواه سعيد،وأما قول الإمام ابن حزم:(ليس بالقوي)فقد قال الحافظ:( ولعله اعتمد على قول الامام أحمد فيه)
والحافظ فيما يظهر لم يقف إلا على قول ابن حزم(ليس بالقوي)وإلا فعبارته الكاملة هي:( ليس بالقوي،قد ذكره بالتخليط يحيي وأحمد بن حنبل) ([12])،وقد قرر الحافظ في موطن آخر عدم إصابة ابن حزم في تضعيف سعيد تضعيفا مطلقا([13])
ومما لا يخفى أن منهج الإمام ابن حزم الحديثي يتسم بالشذوذ في بعض مسائل الصناعة لا سيما في الجرح والتعديل ،قال الحافظ عن ابن حزم:( وكان واسع الحفظ جداً ، إلا أنه لثقة حافظته كان يهجم بالقول في التعديل والتجريحوتبين أسماء الراوة ، فيقع له من ذلك أوهام شنيعة ، وقد تتبع كثيراً منها الحافظقطب الدين الحلبي ثم المصري من المحلى خاصة ، وسأذكر منها أشياء)([14])
وأما الحافظ فقد لخص اجتهاده في سعيد بقوله:( صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط)([15])
ولي مع تلخيص الحافظ وقفتان :
أولا:عدم توثيق الحافظ لسعيد هو اجتهاد له رحمه الله لا ينازع عليه، لا سيما وقد قال أبو زرعة والساجي(صدوق) ، زد على ذلك قول الإمام أحمد وأبو حاتم(لا بأس به) وهي عبارة تشعر-في أحد سياقاتها- بنزول مرتبة من قيلت فيه عن مرتبة الثقات ،ناهيك عن إشارة الإمام أحمد إلى تخليط في حديث سعيد،كل هذه الدلائل أليست كافية لأن يقول الحافظ(صدوق)؟؟بل ى والله
ثانيا:قوله:( إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط)
الظاهر أن الحافظ اشتبه عليه الأمر،وإلا فقد نقل في التهذيب قول الإمام أحمد في تخليط سعيد لا في اختلاطه وبينهما فرق، ومع هذا فإني لم أرَ لحذام الحفاظ في نعت سعيد بالإختلاط سلفا ،وممن نفى الإختلاط عن سعيد من المعاصرين المحدث الجهبذ الشيخ عبد الله السعد([16])، وبهذا التقرير تعلم خطأ كل من عدَّ سعيداً في المختلطين كالشيخ المحدث العلامة الألباني([17])والدكتور عبد القيوم عبد رب النبي([18])،والعلم عند الله


[1] النصوص النقدية التي ليست في التهذيب أشير إليها بحرف(ز) أشارة إلى أنها من الزوائد.

[2] هدي الساري( 1/404 )

[3] المنتخب من العلل للخلال،ص285،ت:طار ق بن عوض الله

[4] ما بين القوسين مأخوذ عن إكمال تهذيب الكمال(5/365)

[5] وفي شرح العلل لابن رجب (قال:وقال لي أبو حاتم...) ص767،ت:نور الدين عتر

[6]إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة الأموي مولاهم المدني،أطبقت كلمة النقاد على تضعيفه، (قال البخاري: تركوه،وقال أحمد: لا تحل عندي الرواية عنه،وقال: أبو حاتم:متروك الحديث) راجع تهذيب التهذيب

[7]عبدالله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي أبو عبد الرحمن المدني مولى أم سلمة رضي الله عنها ، أطبقت كلمة النقاد على تضعيفه ومن الأئمة من كذبه، (قال أبو حاتم: ضعيف الحديث سبيله سبيل الترك، وقال البخاري: سكتوا عنه، وقال أبو داود: كان من الكذابين) راجع تهذيب التهذيب

[8] سؤالات البرذعي،ص361

[9](الحديث الحسن لذاته ولغيره... دراسة استقرائية نقدية) (5/2487)ط.أضواء السلف

[10] شرح علل الترمذي،ص767

[11] ميزان الإعتدال( 2/162 )

[12]الفصل في الملل والأهواء والنحل(2/95)،وقد نقل عبارة ابن حزم الشيخ الألباني كما في الضعيفة ( 5/214 )

[13] هدي الساري( 1/404 )

[14] لسان الميزان(4/198) ، ولمن أراد الوقوف على أقوال ابن حزم في الرجال فعليه برسالة(الجرحوالتعديل عند ابن حزم الظاهري رحمه الله) ط.أضواء السلف

[15] التقريب

[16] راجع رسالة(معرفة مراتب الثقات)،ص39،ط.دار الحضارة

[17]السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 5/214 )

[18] انظر (الكواكب النيرات)الطبعة المحققة،الملحق الأول،ص468،ط.المك تبة الأمدادية