المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوعبد الله الشيشاني
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته!
سمعت أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال :"ما انعقد سببُ فعله زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يفعله، ففعله بعده من البدع والمحدثات...."
أرجو من المشايخ الأفاضل و طلاب العلم أن يعلقوا و يشرحوا هذه العبارة شرحا مفصّلا مع الإجابة على الأسئلة التالية:
- هل قوله هذا يفهم على إطلاقه؟
- هل عدم الفعل يدل على التحريم؟
- و ما هي الأدلة على هذا القول؟
- ومصدر هذا القول من كتبه ؟
و جزاكم الله خيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
القاعدة الحادية عشر : ترك النبي صلى الله عليه وسلم لفعل ما مع وجود المقتضي له وانتفاء المانع يدل على أن ترك ذلك الفعل سنة وفعله بدعة
هذه القاعدة تعرف بالسنة التركية ، وهي قاعدة جليلة فيها سد لباب الابتداع في الدين ويشترط لهذه القاعدة شرطان هما :
1 ـ وجود المقتضي . 2 ـ انتفاء المانع .
فإذا لم يوجد المقتضي لذلك الفعل فلا يكون الترك سنة ، كترك الأذان للعيدين فإن المقتضي موجود وهو الإعلام للعيدين ومع ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان للعيدين فالترك هنا يدل على أنه سنة وأما مثال : الترك مع عدم وجود المقتضي ، فكترك النبي صلى الله عليه وسلم جمع القرآن ، فلا يكون الترك هنا سنة ، لأن المقتضي لم يكن موجوداً ، ولذلك جمعه عمر بن الخطاب لما دعت الحاجة إليه .
فإن وجد المقتضي لذلك ولم ينتف المانع لم يدل على أن ترك ذلك سنة ، كتركه صلى الله عليه وسلم القيام مع أصحابه في رمضان ، فإن المقتضي كان موجوداً ، لكن كان هناك مانع موجود وهو خشيته صلى الله عليه وسلم أن يفرض عليهم القيام .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 26/172 ) : والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب : سنة ، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض ، أو فوات شرط ، أو وجود مانع ، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ ، كجمع القرآن في الصحف ، وجمع الناس على إمام واحد في التراويح ، وأسماء النقلة للعلم ، وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين ، وبحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به ، وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لفوات شرط أو وجود مانع ، فأما ما تركه من جنس العبادات ، مع أنه لو كان مشروعا لفعله ، أو أذن فيه وَلَفَعَلَهُ الخلفاء بعده والصحابة ، فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 2/390 ) : فإن تركه سنة كما أن فعله سنة ، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق ، فإن قيل من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم العدم ؟ فهذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه ، ولو صح هذا السؤال وَقُبِلَ لاستحب لنا مُسْتَحِبّ الأذان للتراويح وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ وانفتح باب البدعة ، وقال كل من دعا إلى بدعة : من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟! . انتهى .(كتاب أصول الفقه على منهج أهل الحديث)