تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الحج بين القبول والرد للعلامة عبدالله ابن جبرين رحمه الله

  1. #1

    Arrow الحج بين القبول والرد للعلامة عبدالله ابن جبرين رحمه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    فمن نعم الله على عباده أن يسر لهم السبل، وسهل لهم الأسباب للوصول إلى هذه المشاعر والأماكن الطيبة، التي هي مشاعر ومناسك لأداء حج بيته الحرام. ومن نعمه أيضا أن أعان على إتمام هذه المناسك، وعلى الفراغ منها بيسر وسهولة.

    وبقي علينا أولا شكر الله؛ فإنه أهل أن يشكر، وأهل أن يعبد، وأهل أن يحمد، وأن يثنى عليه بما هو أهله، فهو أهل الثناء والمجد وهو أهل الحمد، سبحانه وتعالى.

    وشكره : الاعتراف بفضله؛ فتفضل علينا أولا: بصحة الأبدان، وقد ابتلي كثير بالأمراض والعاهات.

    وتفضل علينا ثانيا: بالجدة؛ أي بوجود المال الذي يكفينا لأداء هذه المناسك، وللمجيء إلى هذه البقاع، ويسد حاجتنا، وحتى نفرغ من هذا.

    وثالثا : نشكره سبحانه على الأمن في هذه البلاد وفي الطريق إليها، فإن ذلك من نعمه.

    هذه نعم يجب علينا أن نشكر الله تعالى عليها؛ نعمة الصحة، ونعمة المال، ونعمة الأمن، وكذلك أيضا نعمة الوقت أي الفراغ الذي يسره لنا؛ حيث كان عندنا وقت تمكنا فيه من السفر إلى هذه البلاد، ثم قضاء هذه المناسك.

    كذلك أيضا نعمة العلم والمعرفة؛ فإن الإنسان جاهل بهذه المناسك حتى علّمه الله، ويسّر له من يعلمه ويطلعه على كيفية أداء هذه المناسك، ويوقفه على معرفتها. قبل أن يشاهدها قد يكون قرأها ولكن لم يكن عنده علم بتفاصيلها ولا بأماكنها. فأنا مثلا قبل أن آتي إلى هذه المشاعر أسمع بالبيت وبالطواف به، وأسمع بالصفا والمروة وبعرفة والجمرات.

    ولكن لما أتيت احتجت إلى من يعرفني من أين أبدأ؟ وأين المقام الذي يصلى خلفه، وأين الحجر الذي يستلم؟ وأين الركن الذي يستلم؟ وأين حجر إسماعيل ؟ وكذلك أيضا أين الصفا وأين المروة ؟ وأين العلمان اللذان يسعى بينهما؟ فلا بد أن الإنسان وإن كان عالما يأتي إليه من يبصره.

    وذكر لنا بعض مشائخنا نقلا عن مشائخهم: أن عالما مشهورا هو منصور البهوتي الذي ألف كتبا في الفقه وفي الأحكام، لما جاء لأداء نسك الحج؛ احتاج إلى من يوقفه على المشاعر، مع أنه كتب في ذلك المؤلفات الكبيرة كالروض المربع، وكشاف القناع، وشرح المنتهى، وشرح المفردات، وغيرها.


    لا شك أن هذا كله دليل على أن الإنسان بحاجة إلى من يعلمه ويوقفه على المشاعر حتى يراها رأي عين، وحتى يعرف كيفية أداء هذه المشاعر وهذه المناسك، وكيف تبرأ الذمة بأدائها، فهذه من نعم الله تعالى علينا.

    لا شك أن الإخوة قد تكرر حجهم مرارا، وقد عرفوا كيفية أداء المشاعر، عرفوا حدود منى وعرفوا حدود مزدلفة وحدود عرفات وعرفوا أماكن الجمرات، ومن أي الجهات يؤتى إليها، وعرفوا شعائر الله تعالى كالصفا والمروة إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وما أشبه ذلك، وعرفوا المواقيت، وعرفوا ما يعمل فيها، فكل ذلك والحمد لله قد تكرر.

    ومن نعم الله تعالى أن وفقنا لإتمام المناسك في هذه البقاع، فوفقكم للإحرام وحفظتم إحرامكم عن المحظورات التي توجب فدية أو توجب دما، وكذلك أيضا وفقكم للطواف بالبيت وللسعي بين الصفا والمروة وللوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة و بمنى ولرمي الجمار، وللنحر، وللحلق وما أشبه ذلك من الأعمال.

    وكل هذه الأعمال تعمل لوجه الله تعالى، وابتغاء رضوانه؛ فهو سبحانه الذي أنعم على عباده، والذي تفضل عليهم بما تفضل به من هذه النعمة التي هي إتمامهم مناسكهم.

    ونعرف أيضا أن المؤمن المسلم لا يتكبد المشقة ويفارق أولاده ويفارق بلاده وينفق ماله إلا لنية صادقة صالحة، وهي طلب الجنة وطلب النجاة من النار، وطلب مغفرة الذنوب كما رتب ذلك على مثل هذه الأعمال الصالحة، فإذا كانت هذه نيته فهنيئا له أن ربه سبحانه يبشره بذلك، وأنه يعطيه ما سأله، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فإذا قام بأداء ما أوجب الله عليه؛ فلن يخيب الله سعيه.

    ونعرف أيضا أن المسلم عليه أن يسعى في أسباب قبول عمله؛ فإن الأعمال إذا قبلها الله تعالى ترتب عليها الثواب، وإذا لم يقبلها لم يستفد منها صاحبها، بل تكون وبالا عليه، فهكذا على المسلم أن يكون حريصا على أن يكون عمله مقبولا.

    كان السلف رحمهم الله -الصحابة وتلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم- يحرصون على إكمال الأعمال فإذا أكملوا العمل وقع عليهم الهمّ؛ هل قبل منهم عملهم أم لم يقبل؟ فيدعون الله تعالى بقبول الأعمال، ويقول أحدهم: أخشى أن يرد علي عملي، وأن لا يقبله الله، ولكن المسلم المؤمن إذا كانت نيته صادقة؛ فإن ربه سبحانه لا يخيب سعيه، ولا يبطل أجره، بل هو أكرم من أن يرد سائلا، وأن يرد عملا صالحا، هذا فضل الله تعالى ونعمته.

    ثم نقول: إن لقبول العمل علامات:

    أولها: أن يكون الإنسان محبا لذلك العمل، فإذا كان محبا لهذا السفر ولهذه المناسك فذلك من أسباب قبوله.

    ومنها ثانيا: أن يكون مخلصا في عمله، إذا كان عمله خالصا لا يريد به إلا وجه الله والدار الآخرة فذلك من أسباب عمله.

    ومنها ثالثا: أن يكون عمله كاملا لا يخلّ بشيء من واجباته أو ما أشبه ذلك، فإذا أكمل ما أوجبه الله عليه فإن ذلك من أسباب قبول عمله.

    ومنها رابعا: أن يقتدي فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي علم الأمة ما يحتاجون إليه، ومن جملة ذلك تعليمهم لمناسك الحج وقوله بعد التعليم: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعدها) وغير ذلك من الأسباب التي يرجى باجتماعها قبول العمل وعدم رده.

    ثم نقول أيضا: كما أن للعمل الصالح المقبول علامات فإن له آثارا على العباد، وهذه الآثار تظهر عليه في الحال، وتظهر عليه في المآل، وهنا أذكر شيئا من تلك الآثار التي إذا اجتمعت في العبد رجي أن يكون عمله مقبولا:

    فأولا: من آثار قبول العمل أن يحب الإكثار من جنس ذلك العمل، بمعنى أنه يحبب إليه مثل هذه الأعمال فيكون قلبه في كل زمان يشتاق إلى هذه المشاعر وإلى هذه المناسك، ويحن إليها، ويتمناها، ويسأل ربه ألا يحرمه أن يرجع إليها مرارا وتكرارا، فإن ذلك دليل على أنه ما مَلَّ من هذه البقاع، ولو تكبد فيها مشقة، ولو وجد فيها صعوبة، ولو لاقى فيها شدائد، ولو أنفق فيها أموالا، ولكن ذلك كله سهل يسير عليه، يحب هذه الأعمال، ويتمنى الرجوع إليها، فهو دائما يسأل ربه إذا ودع البيت أن يقول: اللهم لا تجعله آخر العهد ببيتك الكريم، وارزقني إليه العودة مرات بعد مرات.


    فذلك لا شك أنه دليل على أنه يحب هذه الأعمال، وأن ما لقيه فيها من الصعوبات سهل يسير، لسان حاله يقول:


    لأستسهلن الصعب أو أدرك المـنى *** فمـا انقادت الآمـال إلا لصـابر


    وهو يصبر، ويرجو الثواب الذي رتبه الله تعالى للصابرين، فهذا علامة من علامات محبته.


    كذلك أيضا علامة ثانية: وهي محبته للأعمال الصالحة الأخرى، أن يحب بقية الأعمال، فإنه إذا أحب الله تعالى؛ أحب كل ما يحبه، ولا شك أنه ما هزه الشوق إلى هذه البقاع إلا محبة لله تعالى، وطواعية له؛ فلأجل ذلك تراه يحب كل ما يحبه الله من الأعمال الصالحة.

    فتراه يحب تكرار الأعمال الصالحة، يحب المساجد، ويتردد إليها باشتياق ومحبة وولع، ويحب الصلوات، ويخشع فيها، ويخضع، ويتواضع، ويحب التنفل بالعبادات، التنفل بالصلوات كالرواتب التي قبل الصلوات وبعدها، يشتاق إليها؛ لأنها محبوبة عند الله تعالى، ويحب أيضا النوافل الأخرى؛ فيحب الصلاة بالليل، ويحب الصلاة بالضحى في وقت انشغال كثير من الناس بدنياهم وبوظائفهم وحرفهم، فهو يحب ذلك.

    ويحب أيضا العلم النافع الذي يرشده الله به إلى معرفة ما أباحه الله وما حرمه عليه، فهو يحب الاستكثار من الطاعات، ويحب الصدقة، ويهون عليه أن ينفق في سبيل الله وفي وجوه الخير، كل شيء في سبيل الله مما أمر الله به ومما رغب فيه، يحب ذلك ويشتاق إليه، ويحب الصيام، يحب أن يستكثر منه؛ لأنه محبوب عند ربه سبحانه وتعالى.

    وتراه أيضا يحب بقية الأعمال الخيرية؛ فيحب أن يبر أبويه، وأن يصل أرحامه، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينصح للمسلمين، ويرشد الضال، ويعلم الجاهل، ويرشد الحيران، ويدل من غوي وغلط، ويعلّم من عنده نقص أو حاجة إلى تعليم؛ لأن ذلك كله مما يحبه الله تعالى، فهو يحب الله ويحب أولياء الله يحب الصالحين، وإن لم يصل إلى درجتهم، ولسان حاله يقول كما روي عن الشافعي رحمه الله:

    أحـب الصـالحين ولسـت منهـم *** وأرجـو أن أنــال بهـم شـفاعة
    وأبغـض من بضاعتـه المعـاصي *** وإن كنا سواء في البضـاعة

    هكذا حال من يرجو قبول عمله.

    وكذلك بقية الأعمال الصالحة، لما أنه تقرب إلى الله تعالى بهذه العبادات كان ذلك مؤثرا في أنه يحب الاستكثار من الصالحات، من الأعمال القاصرة والمتعدية. القاصرة التي تقتصر عليه كالصلاة والصيام، والمتعدية التي يتعدى نفعها كالصدقات والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل والنصيحة للمسلمين وإعانة العاجزين، وما أشبه ذلك، هذا كله يعتبر أثرا من آثار قبول العمل، ومن علامات محبته.

    وكذلك أيضا لا يتم هذا إلا بترك المخالفات، وببغض المحرمات؛ فإن العبد في هذه البقاع قد تقرب إلى الله بهذه القربات، فيعتبر بذلك قد عمل هذه الصالحات، ومن عمل الصالحات ترك المحرمات، وأبغض الخطايا والسيئات، ونفرت نفسه من كل المحرمات فأبغضها، وهجرها، وهجر أهلها، ولو كان يألفها فيما سبق؛ وذلك لأن هذه الأعمال الصالحة كأنها تعتبر معاهدة بين العبد وبين ربه.

    ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تفسير الفاتحة في ثلاثة الأصول لما أتى على قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.

    قال: عهد بين العبد وبين ربه ألا يعبد إلا إياه، وألا يستعين إلا به؛ فجعل ذلك عهدا.

    فنقول: أنت إذا طفت بالبيت فكأنك تعاهد الله على أن تطيعه، وإذا أطعته؛ فكأنك أيضا تعاهده على ألا تعصيه ولا تعصي نبيه، ولا ترتكب شيئا من المخالفات التي حرمها عليك.

    ذُكر عن ابن عباس في تفسيره أو في الحكمة في استلام الركن الذي فيه الحجر الأسود ؛ لماذا يقبّل الحجر الأسود؟ ولماذا يمسح؟ ولماذا تقبل اليد إذا استلمها به؟ فقال: إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض، من استلمه فكأنما استلم يمين الله؛ أي كأنه بايع ربه إذا استلمه سواء بالإشارة إليه ولو من بعيد، أو بمسه بمحجن ونحوه، أو بمسه بيد أو بتقبيله بالفم، يعتبر كل ذلك معاهدة، كأنك تقول: أعاهدك يا رب على ألا أعصي، أعاهدك يا رب على ألا أترك طاعة، أبايعك يا رب على أن أتقرب إليك بكل ما تحبه وبكل ما فرضته علي، وأتقرب إليك بترك ما حرمته علي من هذه المحرمات وما أشبهها، فكل ذلك يعتبر معاهدة.

    ونقول: كذلك أيضا إذا طفت بالبيت؛ فهذه معاهدة، وإذا سعيت بين الصفا والمروة فهذه معاهدة، وإذا وقفت بعرفة فهذه معاهدة، وإذا ذكرت الله عند المشعر الحرام فكأنك تعاهد الله، وإذا بت في هذه الأيام في منى ؛ فهذه أيضا معاهدة، وإذا رميت الجمار؛ فهذه معاهدة؛ أي أنك عاهدت الله تعالى؛ فعليك الوفاء بالعهد.

    تذكّر قول الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا معاهدة وإن لم يكن فيها حلف، وإن لم يكن فيها أيمان، ولكن مباشرتك لهذه الأعمال تعتبر امتثالا لأمر الله، ومن امتثل أمر الله تعالى؛ اعتبرناه بذلك مطيعا لربه، وخاضعا لأمره، وموافقا لشرعه، لا يعصي الله طرفة عين، ولا يخرج عن طواعيته، ولا يرتكب شيئا مما نهاه عنه.

    فإذا رأيته يحافظ على الصلوات في المساجد؛ فاشهد له بأنه يحب العبادات، وأن عبادته مقبولة التي هي الحج والمناسك، وإذا رأيته يتخلف عن الصلوات، ويهجر المساجد، ولا يأتيها إلا إلماما؛ فخف عليه أن عمله لم يقبل، أو أنه لم يتأثر بهذه الأعمال الصالحة، أو أنها مردودة عليه؛ لأنها ما أثرت فيه محبة الصالحات.

    وكذلك أيضا إذا رأيته يحب الصدقة، ويؤدي الحقوق المالية التي أوجبها الله عليه؛ فاشهد له بالخير، وقل يرجى أنه قد غفرت له سيئاته، وأنه ممن قبل حجه وأثيب عليه ورجع مغفورا له؛ حيث إنه أحب بذل المال الذي أنفقه للحج.

    وكذلك أيضا يبذل مالا لينفقه في المستضعفين وفي الفقراء والمستحقين ونحو ذلك، وكذلك أيضا إذا رأيته يتقرب إلى الله تعالى بصيام النوافل التي لها أسباب كصيام أيام البيض من كل شهر، أو الاثنين والخميس من كل أسبوع، أو يوم عاشوراء أو ما أشبهه من الأيام التي رغب في الصيام فيها؛ فإن ذلك دليل على أنه أحب هذه العبادة، وأنها أثرت فيه؛ فيرجى أن تكون مقبولة.

    وإذا رأيته هجر هذا الصيام، ولم يتقرب به إلى الله تعالى؛ فتخاف عليه أن يكون غير مقبول عمله.


    وكذلك أيضا إذا رأيته يكثر من ذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنب، ويتلو القرآن ويحبه ويدعو الله ويتواضع بين يديه؛ فإنك ترجو أن يكون عمله مقبولا.

    وإذا رأيته قد هجر القرآن وهجر ذكر الله فلا يذكر إلا دنياه، ولا يذكر إلا شهواته وملاهيه، أو هكذا على الملاهي هكذا على سماع الغناء والطرب والزمر؛ أو عكف على النظر إلى الصور وإلى الأفلام الخليعة وإلى الصور الفاتنة العارية وما أشبهها، وجعل ذلك عادته وديدنه.

    فإنك تخاف عليه، وتقول: هذا لم ينفعه حجه، وهذا لم يتأثر بعمله، وهذا يخشى أن يكون حجه رياء وسمعة، أو أن شهواته غلبت على قلبه وغلبت على دينه؛ فأطاع الشيطان، واتبع الهوى، وارتكب ما تتمناه نفسه الأمارة بالسوء؛ فعاد إلى المحرمات، فكيف يكون هذا عبدا صالحا؟ وكيف تكون حسناته مقبولة وحجه مقبولا؟ بل يخاف عليه، وتقول هكذا أيضا في كثير من المحرمات.

    فالذي يزهد في الدنيا ويزهد في المشتبهات، ويتركها خوفا من المحرمات؛ يرجى قبول عمله، والذي يتمادى في المشتبهات، ويأكل المحرمات؛ يسرق، وينتهب، ويأكل الرشوة، ويتعامل بالمعاملات الربوية، ويغش في معاملاته، ويخادع المؤمنين، ويأخذ أموالهم بغير حق، ويخون الأمانات، ويجحد العواري وما أشبه ذلك، فهل يقال إن هذا انتفع بحجه؟ أو انتفع بأعماله التي أداها؟

    فهذا لم ينتفع بها، وإنما رجع إلى غيه، رجع إلى نكسه، رجع إلى لهوه وسهوه. ونقول كذلك في بقية المحرمات.

    فهذا علامة قبول الأعمال، وعلامة ردها، فيجتهد الإنسان في تفقد نفسه، ويتفقد أيضا إخوانه الذين معه والذين قبله فيعرف بذلك الذي عمله صالح يرجى قبوله، ويعرف بذلك الذي رجع إلى سهوه.

    فكثير من الناس حجهم إنما هو متابعة لآبائهم وأصدقائهم وزملائهم، لم يكن الحامل عليه إرادة وجه الله والدار الآخرة، فعلامة ذلك أنهم قد لا يصلون، أو يتركون الصلاة مع الجماعة، أو يعكفون على الملاهي، أو يشربون الخمور ويتعاطون المخدرات وما أشبه ذلك.

    فنقول: إن مثل هؤلاء يخاف عليهم أنها قد ردت عليهم أعمالهم، وأنهم ما حجوا لله ولا أرادوا بذلك وجه الله، ولكن الظن إن شاء الله بالمسلم أنه ما يريد مثل هذا، وأنه ينتفع.

    وكثير من الناس يكونون في أول أعمارهم مفرّطين ومهملين ومرتكبين للمحارم من المحرمات يسهرون على الغناء واللهو ويشربون الخمور يتعاطون المسكرات والمخدرات ونحوها، ثم يمنّ الله تعالى عليهم إذا أدوا هذه المناسك وقاموا بهذه الأعمال في هذه المشاعر؛ فيرجعون تائبين، ويقول أحدهم: إني قد تبت إلى ربي، وعرفت أني كنت مفرطا وأني كنت عاصيا، والحمد الله على أن هدانا، يقول أحدهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ فهذه علامات على أنه صادق التوبة.

    هذه وصايا نحب أن نذكّر بها الإخوان، ونرجو إن شاء الله أن يتذكروها، ونرجو أيضا أن يذكّروا بها إخوانهم، ويعرفوا بذلك أن العمل لا يثاب عليه إلا إذا كان مقبولا، وكان موافقا للسنة على ما روي عن الفضيل بن عياض رحمه الله في أنه فسر قول الله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً قال: أخلصه وأصوبه فقيل: فسره لنا يا أبا علي فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة.

    فإذا أصاب الإنسان بعمله سنة فإنه يرجى بذلك مع الإخلاص أن يكون عمله نافعا ومؤثرا، نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويرزقنا علما نافعا وعملا صالحا؛ إنه على كل شيء قدير.

    قاله
    عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
    رحمه الله

    جوال ابن جبرين لدعم أنشطة مؤسسة ابن جبرين الخيرية

  2. #2

    افتراضي رد: الحج بين القبول والرد للعلامة عبدالله ابن جبرين رحمه الله

    جزاكم الله خيرا

    رحم الله العلامة ابن جبرين وجزاه عنا وعن الاسلام خير الجزاء

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    58

    افتراضي رد: الحج بين القبول والرد للعلامة عبدالله ابن جبرين رحمه الله

    جزاكم الله خير
    وبارك ربي فيكم
    ورحم شيخنا ابن جبرين وجمعنا به في اعالي جناته

  4. #4

    افتراضي رد: الحج بين القبول والرد للعلامة عبدالله ابن جبرين رحمه الله

    تقبل الله منكم الدعاء وجمعنا وإيكم وشيخنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله

    جوال ابن جبرين لدعم أنشطة مؤسسة ابن جبرين الخيرية

  5. #5

    افتراضي رد: الحج بين القبول والرد للعلامة عبدالله ابن جبرين رحمه الله

    جزاكم الله خيرا
    وبارك ربي فيكم
    ورحم شيخنا ابن جبرين وجمعنا به في أعالي جناته

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •