فرقٌ بين لفظ الحديث الذي نتكلم عنه وهو:
((كان الله ولم يكن شيء معه))
وبين قولك
((كان الله وكان شيء معه))
وقد أورد الجويني وغيره من المتكلمين قريبا من قولك في رد مسألة حوادث لا أول لها.
فقال رحمه الله:
إنك لو قلتَ: ((لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا إِلَّا أُعْطِيكَ بَعْدَهُ دِرْهَمًا)) كان هذا ممكنا.
إنك لو قلتَ: ((لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا)) ان هذا ممتنعا.
وقوله صحيح، لكن الموازنة نفسها غير صحيحة.
لأن قول القائل: ((لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا)) فهو نفي للمستقبل حتى يحصل المستقبل ويكون قبله. فقد نفى المستقبل حتى يوجد المستقبل، وهذا ممتنع فعلا.
لكن الموازنة الصحيحة، أن تجعل ماضيا قبل ماض ، كما جعلت هناك مستقبلا بعد مستقبل.
فيكون القولان هما:
في المستقبل: ((لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا إِلَّا أُعْطِيكَ بَعْدَهُ دِرْهَمًا)) وهو ممكن.
وفي الماضي: ((مَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا)) وهو ممكن أيضا.
فمن استطاع أن يدرك ذلك فهو زيادة في العلم يتبعها زيادة في الإيمان.
ومن لم يستطع فيكفيه من الاعتقاد ما اتفقنا عليه مسبقا.
وأما من يأتي إلى جزء من الحديث ويفرده ليستدل على معنى معين -
وهو في الحقيقة يدفع معنى آخر غير صحيح تصوره في ذهنه من وجود قديم مع الله-فهذا غير مقبول؛ لأنه لم يرد «كان الله ولم يكن شيء معه»
مجردًا، وإنما ورد على
السياق المذكور في الحديث، ولا يظن ظانّ أن معناه
الإخبار بتعطيل الرب سبحانه وتعالى دائما عن الفعل حتى خلق السماوات والأرض، فإن قوله بعد ذلك: «وكان عرشه على الماء»
ينفي هذا الظن.
والله ولي التوفيق.