وقال شيخ الإسلام في الصفدية (ج2/ص47):
((ولفظ القديم والأزلي فيه إجمال:
فقد يراد بالقديم الشيء المعين الذي ما زال موجودًا ليس لوجوده أول.
ويراد بالقديم الشيء الذي يكون شيئًا بعد شيء فنوعه المتوالي قديم وليس شيء منه بعينه قديمًا ولا مجموعه قديم ولكن هو في نفسه قديم بهذا الإعتبار فالتأثير الدائم الذي يكون شيئًا بعد شيء وهو من لوازم ذاته هو قديم النوع وليس شيء من أعيانه قديمً)).
لايمكن المقارنة بين الأمرين فالقرآن كلام الله تعالى وهذا ثابت ثبوت قطعي بصريح القرآن وصحيح وصريح السنة وبإجماع الأمة ولهذا كان من البديهي التسليم بأن القرآن كلام الله فلما أثار أهل البدع الشبهات قام العلماء بالرد عليهم وخذ على سبيل المثال القول الباطل بأن الله تعالى موجودٌ بذاته في الأرض هذا مخالف للأدلة الصحيحة الصريحة ولكن عندما حرَّف أهل البدع معنى قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم الزخرف آية 84 رد عليهم أهل السنة , فهل كان المعنى الصحيح خافياً على أهل السنة ؟ قطعا لا بل كان المعنى معلوماً .
ما أريد قوله أن مسألة ( أزلية ) تسلسل الحوادث في الماضي لاتقارن بحقيقة أن القرآن كلام الله تعالى .
قال الشيخ بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية في سلم الوصول لشرح نهاية السول (2/103) :
" الثاني أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل وأما التسلسل في الآثار فلا نسلم إلى آخره " كلام جيد واما قول الاصفهاني وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها وهو باطل على رأينا فنقول لا يلزم كونه باطلاً على رأيه أنه باطل في الواقع ونفس الأمر فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج وان اشتهر أن التسلسل فيها محال ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر العقيدة إلا إذا قلنا لا أول لها بمعنى لا أول لوجودها وهذا مما لم يقل به أحد بل الكل متفق على ان ما سوى الله تعالى مما كان أو يكون حادث أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حد من جانبي الماضي والمستقبل أولا تقف عند حد من جانبهما أو من أحدهما الا ترى ان الإجماع قام على أن نعيم الجنة لا يتناهى ولا يقف عند حد في المستقبل وبعد كونه حادثاً بمعنى أنه موجود بعد العدم لا يضرنا أن نقول لا آخر له بمعنى عدم انقطاع آحاده وعدم وقوفها عند حد ولو قلنا أنه لا آخر لها بمعنى أن البقاء واجب لها لذاتها لكان كفرا ، فكذلك من جانب الماضي نقول حوادث لا أول لها بمعنى أنها لا تقف آحادها عند حد تنتهي اليه وكل واحد منها موجود بعد العدم ولكنها لا تتناهى في دائرة ما لا يزال ولو قلنا أنها لا أول لوجودها ولا افتتاح له لكان ذلك قولاً بقدمها وذلك كفر وعليك بكتابنا القول المفيد وحواشي الخريدة ا0هـ .
وقد رجح الدواني القول بحوادث لا أول لها في حدوث العالم فقال : " أنت خبير مما سبق أنه يمكن صدور العالم مع حدوثه ، وعلى هذا الوجه ، فلا يلزم القدم الشخصي في شيء من أجزاء العالم ، بل القدم الجنسي بأن يكون فردك لا يزال على سبيل التعاقب موجوداً "
نقلا عن كتاب الأستاذة الكواري
طبعا الشيخ المطيعي منسوب الى الحنفية فيما أعلم أي انه ماتريدي العقيدة في الغالب
و الدواني أشعري
يا أخي
لا أدري كيف لم تفهم مقصدي، فهذا بعيد جدا.
فكيف أزعم أنه ليس هناك نصوص صريحة صحيحة على أن القرآن كلام الله وقد جاء ذلك نصًّا في القرآن والسنّة.
وقولك بعد ذلك:
غريب جدا فليست القضية فيما تذكره هداك الله، ولكن القضية المتماثلة فيما ذكرته أنا:
وهي تشابه مسألتنا حذو القذة بالقذة.
فالمخالف لا يخالف في كون القرآن كلام الله إنما يخالف في كونه غير مخلوق ويجعل إضافته إلى الله كإضافة بيت الله و ناقة الله وغير ذلك.
فعندئذ بدأ تصريح أهل السنة بأنه: غير مخلوق وهو ما كان مستقر في نفوس السلف وإن لم يصرحوا قبل ذلك بهذا اللفظ بعينه: ((غير مخلوق))
وكذلك في مسألتنا، فقبل ظهور القول بتعطيل الله عن الفعل في الأزل، لم يحتج أهل السنة إلى التصريح بقولهم: ما زال الله خالقا إذا شاء -وهو مقتضى حوادث لا أول لها- وإن كان ذلك مستقر في نفوسهم
فلما ظهر القول بتعطيل الله عن الفعل في الأزل صرّح أهل السنّة بهذا القول المعين: ((حوادث لا أول لها ))
وأنا أحسن فيك الظن فلا تغير فيك ظني ببعدك عن المقصود
فإن كان ذلك حصل بغير قصد فأرجو تأمل الكلام جيدا قبل الرد
وفقك الله
وقال شيخ الإسلام في الصفدية (ج2/ص87): ((وقد يقال في الشيء إنه قديم بمعنى أنه لم يزل شيئا بعد شيء وقد يقال قديم بمعنى أنه موجود بعينه في الأزل )).
وشيخ الإسلام هنا وإن كان أصل كلامه على الحوادث المتصلة ، إلا أنه يسمي المتسلسل الذي لم يزل شيئًا بعد شيء قديمًا وهذا يلزم أن يدخل فيه الحوادث المنفصلة فهي أيضًا لم تزل شيئًا بعد شيء.
يبدو أن الأخ الفاضل شرياس لم يستوعب أن أهل السنة لا يقولون بوجود مخلوق مع الله منذ الأزل
لأن الله تعالى هو خالق المخلوقات فكيف يكون معه شيء ؟؟؟
و الخطأ الذي وقعتَ فيه هو قولك :
فأولاً : هذا إلزام منك أنه لا بد من وجود مخلوق أول , فهذا حصر منك و تحديد لأفعال الله تعالى و خصوصا فعل الخلق , هذا يتعارض مع إقرارك سابقا في أن الله تعالى قادر على الخلق منذ الأزل ! فتفطن ! فأنت حددت الان زمنا كان الله تعالى معطلا قبله عن الخلق - و العياذ بالله - ثم خلق أول مخلوق !!!وبما أن جميع المخلوقات حوادث فلا بد إذا من وجود مخلوق أول أو على الأقل وجود مخلوقين وجدا معاً كمن يقول مثلا أن العرش و الماء خلقا معاً وهما أول الخلق .
أما من يقول بجواز حوادث لا أول لها لأن هذا مقتضى ان الله تعالى يخلق إذا شاء متى شاء فهو أسعد ممن يحصر أفعال الله تعالى بمخلوق أول يُحد و منه يُجعل فعل الله تعالى غير أزلي بل له أول
و قد نبه العلماء على المراد بقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَتَبَ اللَّه مَقَادِير الْخَلَائِق قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَعَرْشُه عَلَى الْمَاء )
قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُرَاد تَحْدِيد وَقْت الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ غَيْره ، لَا أَصْل التَّقْدِير ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَزَلِيّ لَا أَوَّل لَهُ وَقَوْله : ( وَعَرْشه عَلَى الْمَاء ) أَيْ قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَاَللَّه أَعْلَم ." ذكر ذلك الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم
و هذا يتعارض مع عقيدة الأخ شرياس فقد جعل فعل الله تعالى غير أزلي بل له أول لما أوجب وجود مخلوق أول و هذا مؤداه القول بأن أفعال الله تعالى لها أول و العياذ بالله !
أما من يقول بجواز حوادث لا أول لها فلا يرد عليه ذلك فلا هو أوجب ذلك و لا هو جعل الله تعالى ممتنعا عن الخلق حتى خلق أول مخلوق !
أما ثانيا : كما تقر بإمكانية التسلسل في المستقبل و لا يتعارض هذا عندك من ان الله تعالى هو الآخر الذي ليس بعده شيء : فما الذي يمنعك من الإقرار بالتسلسل في الماضي مع الإقرار بأن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء ؟؟
قال الحافظ ابن كثير في البداية و النهاية ج1 ص 9 :
(( و يحمل حديث القلم على أنه أول المخلوقات من هذا العالم .)) اهـ
الآن معنا عدة أقوال لأهل العلم - عدا شيخ الإسلام رحمه الله و تلميذه - ذكرتها تباعاً :
1- قول الحافظ النووي رحمه الله في صحيح مسلم " أن أصل التقدير أزلي لا أول له " اهـ و هذا يعني إثبات أزلية أفعال الله تعالى فلا أول لها و يلزم من أثبت أول مخلوق أو أوجبه على الله تعالى تعطيل الله تعالى عن فعله لأنه حصر فعل الله تعالى و العياذ بالله , و بالتالي ففعل الله تعالى له أول عنده و العياذ بالله , و لا يرد هذا على من جوّز حوادث لا أول لها
2 - قول الحافظ ابن كثير رحمه الله (( و يحمل حديث القلم على أنه أول المخلوقات من هذا العالم " اهـ فلم يجزم بأول مخلوق بل جعل القلم على أنه أول مخلوق من هذا العالم المشهود
3 - قول الدواني الأشعري : " أنت خبير مما سبق أنه يمكن صدور العالم مع حدوثه ، وعلى هذا الوجه ، فلا يلزم القدم الشخصي في شيء من أجزاء العالم ، بل القدم الجنسي بأن يكون فردك لا يزال على سبيل التعاقب موجوداً "اهـ
و هذا ترجيح منه لمسألة حوادث لا أول لها
4 - قول الشيخ المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية :
" فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج وان اشتهر أن التسلسل فيها محال ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر العقيدة إلا إذا قلنا لا أول لها بمعنى لا أول لوجودها وهذا مما لم يقل به أحد بل الكل متفق على ان ما سوى الله تعالى مما كان أو يكون حادث أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حد من جانبي الماضي والمستقبل أولا تقف عند حد من جانبهما أو من أحدهما الا ترى ان الإجماع قام على أن نعيم الجنة لا يتناهى ولا يقف عند حد في المستقبل وبعد كونه حادثاً بمعنى أنه موجود بعد العدم لا يضرنا أن نقول لا آخر له بمعنى عدم انقطاع آحاده وعدم وقوفها عند حد ولو قلنا أنه لا آخر لها بمعنى أن البقاء واجب لها لذاتها لكان كفرا ، فكذلك من جانب الماضي نقول حوادث لا أول لها بمعنى أنها لا تقف آحادها عند حد تنتهي اليه وكل واحد منها موجود بعد العدم ولكنها لا تتناهى في دائرة ما لا يزال ولو قلنا أنها لا أول لوجودها ولا افتتاح له لكان ذلك قولاً بقدمها وذلك كفر وعليك بكتابنا القول المفيد وحواشي الخريدة ا0هـ .
و كلامه واضح في ترجيح مسألة حوادث لا أول لها و انها لا تضر بالعقيدة فكما أننا نقول أن نعيم الجنة لا يتناهى ولا يقف عند حد في المستقبل فكذلك من جانب الماضي نقول حوادث لا أول لها , كلامٌ في غاية التحرير .
يتبع ,,
5 - و قال الامام الحافظ يوسف السرمري رحمه الله - ت 761هـ - في رده على قصيدة السبكي :
أما حوادث لا مبدا لأولها *** فذاك من أغرب المحكي وأعجبه
قصّرت في الفهم فاقصر في الكلام فما *** ذا عشك ادرج فما صقر كعنظبه
لو قلت قال كذا ثم الجواب كذا *** لبان مخطئ قول من مصوِّبه
أجملت قولاً فأجملت الجواب ولو *** فصلتَ فصلتُ تبياناً لأغربه
إن قلت كان ولا علم لديه ولا *** كلام لا قدرة أصلاً كفرت به
أو قلت أحدثها بعد استحالتها ***في حقه سَمْتُ نقصٍ ما احتججتَ به
وكيف يوجدها بعد استحالتها *** فيه أيقدر ميت رفع منكبه
أو قلت فعل اختيار منه ممتنع *** ضاهيت قول امرئ مغوِ بأنصبه
ولم يزل بصفات الفعل متصفا *** وبالكلام بعيداً في تقربه
سبحانه لم يزل ما شاء يفعله *** في كل ما زمن مامن معقبه
نوع الكلام كذا نوع الفعال قديـ *** ـم لا المعيّن منه في ترتبه
وليس يفهم ذو عقل مقارنة الـ *** ـمفعول مع فاعل في نفس منصبه
يحب يبغض يرضى ثم يغضب ذا *** من وصفه، أرضِهِ بُعداً لمغضبه
والخلق ليس هو المخلوق تحسبه *** بل مصدر قائم بالنفس فادر به
وقول كن ليس بالشيء المكوَّن والصـ *** ـغير يعرف هذا مع تلعبه
فالمصطفى قال كان الله قبل ولا *** شيء سواه تعالى في تحجبه
6 - و مال الارموي الى تجويز حوادث لا أول لها - يدلك تعقب الأصفهاني له- فجاء في "شرح منهاج الوصول" (2/103) : " واجاب في التحصيل[وهو مختصر العلامة الأرموي لمحصول الرازي] بجوابين... [ وذكر الأول] ، ثم قال:
الثاني: أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل ، وأما التسلسل في الآثار فلا نسلم أنه ممتنع ، وهذا التسلسل إنما هو في الآثار.
قال الأصفهاني في "شرح المحصول": وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها ، وهو باطل على رأينا" انتهى.
و الارموي و الدواني و المطيعي إنما ذكرتهم, ليُعلم أن المنصف من محققي الأشاعرة و الماتريدية لا يرى إلا ترجيح تجويز التسلسل في الآثار سواء في المستقبل أو في الماضي لأنه اذا منعه في الماضي فمن باب أولى منعه في المستقبل
7 - و قال الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف اليافعي الشافعي في رده على السبكي :
وخالق قبل مخلوق يكوّنه *** وقاهر قبل مقهور يكون به
وراحم قبل مرحوم فيرحمه *** ورازق قبل مرزوق بأضربه
عن أمره صدر المخلوق أجمعه ***والأمر ويحك لا شك يقوم به
وقد تكلم رب العرش بالكتب الـ *** ـمنزلات كلاماً لا شبيه به
ولم يزل فاعلاً أو قائلاً أزلاً *** إذا يشاء هذا الحق فارض به
هذي حوادث لا مبدا لأولها *** بالنص فافهمه يا نومان وانتبه
إذ هي صفات لموصوف تقوم به *** قديمة مثله من غير ما شُبه
ومذهب القوم مروها كما وردت *** من غير شائبة التكييف والشبه