تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 17 من 17

الموضوع: حتى نفوز برمضان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (1) لماذا رمضان؟!









    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد جعل الله -تعالى- لنا رمضان -لا ليحرمنا- ولا ليجوعنا... أبدًا.

    بل بيَّن الله -عز وجل- لنا الحكمة مِن رمضان وصيامه وقيامه، وهي استعادة تقوى القلوب، وإعادة شحنها وتعبئتها بالإيمان وحُسـن الإقبال عليه -جل جلاله-، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، ولذلك نبهنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري).

    فقول الزور هنا: ليس هو قول الشهادات الباطلة، ولكن المقصود أن الصيام الصحيح الحقيقي الصادق هو الصيام عن كل باطل قولاً، وكل باطل عملًا، والتحول لحياة الجِد في الطاعة والتسليم لله -جل جلاله- حتى نستعيد حياة التوجـه لله -تعالى- بطاعاتٍ وقربات، وعبادات يومية، كما كان شأن أهل القربى والأُنس بالله -تعالى-.

    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).

    جعل الله -تعالى- رمضان ليساعدنا بإذنه -تعالى- وتوفيقه وفضله على تحقيق قيام المسلم بوظيفته الحقيقية في الحياة، التي خُلِق مِن أجلها، بل والتي هي أصل وجوده، وهي "العبادة"، ومِن ثَمَّ يحقق الغاية العظمي التي هي أسمى أماني المؤمن، وهي الفوز برضا الله -تعالى- ونعيم جنته.

    فالعبادة هي وظيفة الإنسان والهدف الحقيقي مِن وجوده فيها، كما أنها تشمل ذات الإنسان بكل كيانه وجوانبه، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، وقال -جل شأنه-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5).

    فهذا هو أصل حياة المسلم كلها؛ -أرادها الله -تعالى- عبادة خالصة لله -عز وجل- في جميع جوانبها الخاصة والعامة، الاعتقادية والعملية، وهو يسعي للقمة عيشه، وهو يتزوج، في حركته ويقظته، بل حتى في نومه، المسلم عابد لربه -تبارك وتعالى- في كل تحرك وسكون له، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162)، وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:1-2).

    ومِن أجل أن يقوم الإنسان بوظيفته بحق، سخَّر الله -تعالى- للإنسان كل ما في الأرض، فقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة:29)، وقال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:32- 34).

    وهكذا فهم الصحابة -رضي الله عنهم- الحياة، أنها توجُّه لله -تعالى- في كل حال، كما فهمها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو خير أسوة أمرنا الله -تعالى- أن نتأسى ونقتدي به، وخاصةً أنه كان مع كثرة تعبده، بل إشغال يومه وليلته بالطاعات، كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله -عز وجل- أن يعينه على حُـسن عبادته ويوصي بذلك أصحابه -رضي الله عنهم-، فعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قال: قَال: رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ, وَشُكْرِكَ, وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).


    فوظيفة رمضان: استعادة هذه الروح، واستعادة هذه الهِمة، وهذه النفسية مع الإيمان.

    تقبل الله -تعالى- منا ومنكم.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (2)









    رمضان... مِن أجل الفوز بالجنة ونعيمها!

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فالجنة ونعيمها هي غاية المؤمن وأمله وأقصى طموحه، صنعها الله -تعالى- بيده ليكافئ بها أهل طاعاته مِن المؤمنين، ورمضان شهر تربية وتدريب، ومعسكر للقلب والروح للفوز بديار الجنة.

    فهي المنزل الذي تزول فيه تمامًا مِن نفس المؤمن كل معاناته في الحياة الدنيا بمجرد أن يشم ريحها وتهب عليه نسائمها، ويضع فيها قدمه؛ فهي دار السعادة التامة الكاملة التي لا تعرف كدرًا مطلقًا، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا)، فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:43). (رواه مسلم).

    فيها مِن النعيم ما لا عين رأت، مهما كان الثراء الذي رأته هذه العين، ومهما كانت إمكانات صاحبها مِن مُلك، فكل نعيم الدنيا بأسره لا يساوي شيئًا يذكر بجانب نعيم الجنة، فيها مِن النعيم ما لم يخطر على قلب بشر أو يتخيله عقل، نعيمها مديد فريد.

    تخيل... أن طفلًا يقول لك وهو صادق: معي لك مبلغ مِن المال، فكم تتوقع أن يعطيك هذا الطفل؟!

    ثم ارتقِ وتخيل أن ثريًّا مِن الأثرياء قال لك وهو صادق أيضًا: معي لك مبلغ مِن المال؛ فكم تتوقع أن يعطيك هذا الغني من المال؟!


    قطعًا سيفوق مبلغ الطفل أضعافًا مضاعفة تتناسب مع قدرته وغِناه.

    ثم ارتقِ وتخيل أن أغنى ملوك ورؤساء الأرض قال لك وهو صادق: سأهديك ما يسعدك في حياتك؛ فما تتوقع أن يصنع لك؟! ومهما بلغ مِن عطاء لك هل يستطيع أن يمنع عنك منغصات الحياة؟! بالتأكيد، لا.

    ارتقِ واسمع لوعد رب العالمين، مالك السموات والأرض، ومَن بيده خزائن الفضل والإنعام، ومَن بيده مقاليد الأمـور يقول: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ، مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17) (متفق عليه)، بل إن رياح الجنة إذا هبت على المؤمنين مِن قبل أن يدخلوها، شعروا منها بغاية السعادة، والطمأنينة، وقمة الرضا، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) (رواه البخاري).

    جعلني الله -تعالى- وإياكم ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا مِن أهلها.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (3)









    رمضان... لتقاوم شيطانك!

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فيقيد الله -تعالى-، ويسلسل عنا مردة (كبار وعتاولة الشياطين) ويترك صغارها لحكمة اقتضاها -جل جلاله-، وهي: أن تقاوم أنت بروح الإيمان الصلبة وعزيمة الإسلام القوية هؤلاء الصغار، حتى تعتاد على هذه المقاومة، وتستعيد في نفسك المفهوم الرباني لعداوة الشياطين لك، فمع أن الله -تعالى- غّل عنك كبارهم، إلا أن الصـــــغار منهم يقوموا بمهمة إغوائك وإضلالك.

    فهل ستعي وتدرك أن الشياطين هم ألد أعدائك أم أنك تستمر في صداقتهم؟!

    نفسك والشيطان، كلاهما لن يدعانك تسير في طريقك لربك -جل جلاله- دون أن يضعوا أمامك العراقيل والعقبات التي تعوقك عن مواصلة السير، وسيدفعانك بقوة للتوقف أو للتراجع، وستجد مثبطات همتك تَقوَي وتشتد ضد همتك في دوام الاستقامة علي طاعة الله -تعالى-.

    فالشيطان توعد بإضلالنا وتزيين الأماني في نفوسنا، وطول الأمل والأمد الفاسد، قال -تعالى-: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا . وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ وَلَأُمَنِّيَنّ َهُمْ) (النساء:118-119)، وأقسم بعزة الله -تعالى- أن يقف لك بالمرصاد، وأن معركته معنا مستمرة حتى الممات دون كلل منه أو ملل، فيغويك مِن كل طريق، ومِن أي جهة، ويزين لك المعاصي والبُعد عن الطاعات وعدم الاكثراث بها، قال -تعالى-: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف:16-17).

    وأهم وسيلة مِن وسائل الشيطان في إغواء العباد، هي أنه يُزين لنا البُعد عن الله -تعالى-، ويُصور لنا أن لا إشكال فيما نعمله ولو كان بعيدًا عن مرضاة الله -تعالى-، عياذًا بالله، قال -تعالى-: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) (النمل:24).

    وكذلك أوضح الله -تعالى- للعباد أن هذا العدو يأخذنا خطوة خطوة، فإن سلمنا له بالخطوة الأولى سلمنا هو لما بعدها مِن خطوات حتى يسلمنا لهلاك الدنيا والآخرة معًا، قال -تعالى-: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:168-169).


    مِن أجل ذلك بيَّن الله -تعالى- للعباد أن عاقبــة اتباع الشيطان وطاعته ليست فقط عذاب الآخرة، بل أنها أهم أسباب الفقر والضياع في الدنيا قبل الآخرة، قال -تعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:268).

    ولقد حذر الله -تعالى- العباد منه أشد تحذير وبيَّن -سبحانه وتعالى- أنه العدو الأول، بل والأهم للإنسان، وأن مَن يتبعه وينقاد إليه فسيسلمه لا محالة إلى عذاب السعير، قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6).

    أعاذنا الله -تعالى- وإياكم مِن غواية شياطين الجن والإنس.
    اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (4)









    رمضان... لنفهم حقيقة الدنيا!

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فتصوم نهار رمضان، وتقوم ليله؛ قربة للملك -جلَّ جلاله-؛ لأنك عبد لربك، ولستَ عبد لدنياك، وما دنياك إلا كوجبةٍ واحدةٍ مِن وجبات دنياك لا أكثر!

    أما آخرتك فهي حياتك، وهي بقاءك، وهي ديمومتك، وهي أصلك، قال الله -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص:77).

    ومِن أجل ذلك كان التحذير المتكرر مِن الله -تعالى- للعباد أن يتعاملوا مع الدنيا على غير حقيقتها، وألا يتصوروا أنها دار استيطان دائم وقرار، فقال -تعالى-: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20).

    ففي الآية الكريمة يبين الله -تعالى- أن الدنيا وإن كانت زهرة إلا أنها ستذبل وتفنى، ونعيمها زائل وليستْ -ولن تكون- دائمة، (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) ومتاعها كالمطر الذي ينزل بعد يأس الناس، والزُراع يُعجبون بالنبات الناتج عن هذا المطر، كذلك المفتتنون بالدنيا فإنهم أحرص ما يكونون عليها (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)، ثم يكون يابسًا متحطمًا!

    هكذا تكون الحياة كمثل الشابة الذي تصير كهلًا ثم عجوزًا شمطاء! وكذلك الإنسان؛ يفتن بالدنيا التي تزهو ويغتر بها حتى تفاجئه وهي محطمة ذابلة فانية؛ لذلك كانت الآية التالية لبيان هذه الحقيقة التي ينبغي ألا يغفلها العبد، وهي الحرص على الإسراع إلى الطاعات والإقبال على الله -عز وجل-، فقال -تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21).


    ولقد تكرر مِن الله -تعالى- التحذير الشديد مِن الاغترار بالدنيا والانسياق وراء شهواتها، والانحباس في الشغل بها ولها مما يُلهي العبد ويسوقه لتضييع ما لربه -تبارك وتعالى- عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان:33).

    وبالطبع فرق هائل أن تعمِّر الدنيا ويقينك متجه ومشغول بالآخرة، وبيْن أن تعمرها حتى تُنسيك هدفك الحقيقي وهو أن الدنيا معبِّر وجِسر لآخرتك، قال الله -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185).

    مِن هنا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- دائم الاستعاذة مِن فتن الدنيا، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يدعو: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ) (رواه البخاري).

    أعاذنا الله -تعالى- مِن فتنة الدنيا وغروها وشهواتها. اللهم آمين.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

    حتى نفوز برمضان (5)






    رمضان... لتصحب الصالحين!
    كتبه/ جمال متولي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فابحث عمَن يعينك على أن تكون الآخرة همك، وابتعد عمَن يضيعونها عليك، ويحرمونك مِن الفوز برمضان.
    والصُحبة الصالحة مِن أهم أسباب الإعـانة على الطاعات وفعل القربات والخيرات، أمر الله -تعالى- النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بملازمة مَن يحتاجون لدعوته ومساندته، وتعزيز همتهم الإيمانية بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو المادي، قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28)، وفي نفس الآية الكريمة نهاه عن التطلع لمَن انشغل بدنياه عن دين الحق والاستقامة عليه، ونتيجة لذلك بات عمله سفهًا وضياعًا.
    إياك وصحبة العصاة، أو صحبة التلفاز والمسلسلات، والأفلام والأغاني، أو الهواتف والحاسبات، إياك ثم إياك ثم إياك ممَن يصدك عن القرآن، وعن مجالس العلم والذكر! فإن هذه وأشباهها مِن أهم مضيعات الفوز برمضان، والحرمان مِن بركاته، قال الله -تعالى-: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28).
    فإن كانت هذه وصية الله -تعالى- للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فمِن باب أولى أن ينتبه لها سائر العباد -شبابًا وشيوخًا، نساءً ورجالًا-.
    ولقد نبَّه الله -تعالى- أيضًا إلى خطورة الصُحبة الفاسدة التي لا تقيم للدين وزنًا في تطلعاتها، أو ممارستها، وأنها العامل الأهم في خسران الدنيا وخسران الآخرة في آنٍ واحدٍ، قال -تعالى-: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) (فصلت:25).
    ولذلك صوّر الله -تعالى- لنا صورًا للألم والندم القاسي لمَن لم يراعِ الصُحبة الصالحة في حياته، وفضّل أن يُصاحِب مَن اغتر بهم وبتهريجهم، وتفريطهم في الدين في حياتهم؛ فوردوا وأوردوه المهالك، ولكن تأخر الندم فجاء يوم لا ينفع الندم! قال الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:27-29).

    فليدرك العبد -رجلًا أو امرأة، شيخًا أو شابًا- أن الإعراض عن صحبة الصالحين الذين يعاونوك على السير إلى الله -عز وجل- وطاعته، ليس له بديل إلا صحبة الشياطين؛ سواء شياطين الجن أو الإنس أو الاثنين معًا!
    هذه الصُحبة الشيطانية ليس لها هم سوى أن تصدك عن الطريق المستقيم، ويحجبون عنك نور الهداية والفلاح الدنيوي والأخروي، وتشُدك إلى الحضيض، والسقوط في دركات الخيبة في الدنيا، وقعر الخذلان في الآخرة حتى إن الواحد مِن هذه الصحبة السيئة يصرخ ندمًا وحسرة، في الوقت الذي لا ينفع فيه الندم والتحسر، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف:36-38) .
    أعاذنا الله -تعالى- مِن صحبة أهل السوء. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (6)









    رمضان... تربية لي ولأهلي وأبنائي

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فهل تفهم معنى الصيام الحقيقي وحدك، ويترك الأب والأم أبناءهم في حالة جـوعٍ وعطشٍ فقط، والاسم أنهم: صـاموا؟!

    هل تصلي التراويح وحدك في المسجد، والزوجة أو الزوج، والبنات والأبناء في الشوارع، أو أمام الشاشات والحاسبات أو على المقاهي والأرصفة؟!

    فلنسمـع كيف كان الصحابة -رضي الله عنهم - في تعليم وتربية وتدريب الأبناء.

    عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كُنَّا َنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ" (رواه البخاري). هكذا فهمـوا كما فهم مِن قبلهم أنبيـاء الله الدور الأهم مع الأبناء.

    فهذا أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-؛ كان طموحه وغايته بالنسبة لأبنائه، أن يرثوا منه، وينـالوا شرف الإمامة في الدين، وحمل رسالته ودعوة الناس إليه، قال -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124)، فكان رجاؤه لربه -تعالى- بصلاح أبنائه واستقامتهم على أمر الدين وشرائعه هو أول همّ له بعد النبوة وحمل الرسالة، قال -تعالى-: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف:15)، وقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:40). وهكذا كان سائر الأنبياء: يرجون الله -عز وجل-، بصلاح أبنائهم، وحمل رسالته.

    رمضـان فرصة الزرع والغـرس:

    فالمسئولية التربوية على الإيمـان والاستقامة، وصياغة الأبنـاء صياغة إسـلامية حقة هي المسئولية الأولى، بل والأهـم التي يجب انتباه الآباء والأمهات لها، بجانب المسئوليات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) (التحريم:6)، وقال -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه:132).

    وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا... وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).

    ثم لا نغفل ولا ننسى أننا كآباءٍ لن ننتفع مِن أبنائنا مهما علا شأنهم إلا الانتفاع الحقيقي، وهو صلاحهم مع ربهم وفي دينهم أولًا وقبْل كل شيء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (رواه مسلم)، فدعوات الأبناء الصالحين لآبائهم دعوات مرفوعة مقبولة مِن الله -عز وجل- ينتفع بها الوالدان بعد وفاتهم، وينعمان في الجنة نعيمًا زائدًا، كأنهما ما زالا في عمل الصالحات والطاعات، وهذا يعني أيضًا أن دعـوات الأبناء غير الصالحين، لا قيمة لها، ولا ينتفع الآباء بها.


    بل ومِن البُشريات العظيمة: أن الله -عز وجل- يرفع الآباء لدرجات أعلى مِن درجاتهم التي سكنوها في الجنة، وكأنهما ما زالا حيين يعملان الصالحات، وذلك إذا واظب الأبناء على الدعاء والاستغفار لهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ -عز وجل- لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ , فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)؛ مما يعني أن إهمال تعليم الأبناء الدين والإيمان وإقامة الفرائض الربانية فيه الحرمان والخسارة الفادحة للآباء قبْل خسارة الأبناء.

    هدى الله -تعالى- أبناءنا وبناتنا وأزواجنا. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (7)









    رمضان... لتجديد الإيمان


    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فالإيمان يزيد في القلوب بالطاعات، وينقص منها كلما ابتعد العبد عن الطاعات والقربات والصالحات، واجترح السيئات والآثام، قولًا أو عملًا.

    وحرارة الإيمان في النفوس تعلو كلما علت الهِمة مع الله -تعالى-، وتخفت كلما خفتت الهِمة وانخفضت في الإقبال عليه -جل جلاله-؛ ولذلك وجهّنا القرآن الكريم بضرورة متابعة الإيمان والعمل على تقويته، والثبات عليه باستمرار، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) (النساء:136).


    وبيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإيمان يتذبذب في القلوب، ويحتاج أيضًا للتعهد والمتابعة والرعاية، والعمل على زيادته بالطاعات والصالحات، ودفع الهِمة إليه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

    ولقد كان الصحابة مع علو منزلتهم، يراقبـون ويلاحظـون مقياس الإيمـان في نفوسهم وقلوبهم، فكانوا يرتعدون ويخافون علي أنفسهم أشد الخـوف إذا ما لاحظـوا تغير قلوبهم عما كانت عليه، فيسرعون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرشدهم لإصـلاح القلوب والنفوس.

    وهذا الواجب علينا... نراجع إيماننا، نراقب قلوبنا، كما نراقب ونراجع أهم أولويات حياتنا.

    نسأل الله -عز وجل- أن يعمِّر قلوبنا بالإيمان والتقى. اللهم آمين.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (8)









    رمضـان... شهر القرآن الكريم تلاوة وتدبرًا

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).

    شاء الله -تعالى- أن ينزل القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان المبارك، وكان لهذا التنزيل المبارك في هذا التوقيت الفضيل عناية خاصة عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذا عند السلف الصالح -رضي الله عنهم-؛ وذلك لينتبه المسلمون إلى الارتباط الوثيق بيْن الصيام والعناية بالقرآن الكريم تلاوةً وفهمًا وتدبرًا.

    فإن كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وهو المنزّل عليه كتاب الله -تعالى- العزيز، له عناية ودراسة خاصة به في شهر رمضان المبارك كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ" (متفق عليه)؛ فمِن باب أولى بنا نحن، أن نترك كل شواغلنا -غير الملحة بالطبع- مِن أجل القرآن الكريم؛ فلا صحف، ولا قنوات تلفازية، ولا تضييع للأوقات مع الحواسب أو صفحات اجتماعية، إلخ، ما لم يكن في ذلك كسبًا للأجر الأخروي أو منفعة عملية دنيوية ضرورية؛ تأسيـًّا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن ناحية.

    ومِن ناحية أخرى: الفوز بشفاعة الصيام والقرآن الكريم معًا، وهما متلازمان؛ جعلهما الله -تعالى- سببًا مِن أهم أسباب فك العقبات الكؤود في الآخرة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ, مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ, فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ, فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    ومما لا شك فيه أن هذه الشفاعة لن تكون مِن نصيب مَن كان القرآن الكريم في يومه ليس أكثر مِن بضع آيات قصار يتلوها تلاوة مرور الكرام؛ فإن الأجر المنصوص عليه مِن نصيب مَن صاحب القرآن الكريم صُحبة حقيقية، صُحبـة تلازم وارتباط وثيـق، صُحـبة استئنـاس وسعادة، صُحـبة فرح وسرور وانشراح صدر، وانفتاح الوعي والقلب لآياته الكريمات، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْقَ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).


    فتلاوة القرآن الكريم مع تدبره مع عبادة الصيام والصلوات والقربات مِن آكد ما يؤجر به العبد، ويفوز به مِن رب العالمين، كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:29-30)؛ لذلك كان السلف الصالح وأئمة العلم أنفسهم كالشافعي ومالك وغيرهم -رحمهم الله- كانوا في شهر رمضان يتركون طلب العلم وبذله، وينشغلون بالقرآن الكريم لا غيره.

    نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (9)








    رمضان... وتأثير القرآن الكريم في النفوس!


    كتبه/ جمال متولي


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فنتلو القرآن الكريم تعبدًا وقربة لله -عز وجل- أولًا، ثم تهذيبًا للنفس وترقيقـًا للقلب، وارتقـاءً وسمـوًّا بالروح، وشفـاءً للصدور؛ هذا بالطبع لو أن النفس والقلب انفتحا لآيات الله -تعالى- ومقاصده، فإن الله -عز وجل- قال: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر:21).

    فلا شك أن قلب المؤمن أولى بهذه الخشية، وهذا التأثر!

    فللقرآن العظيم تأثيـر بليـغ في النفوس والعقـول التي تفهمه وتعي معانيه الغزيرة ومقاصده السيّالة، ولو كانت هذه العقول غير مسلمة ابتداءً؛ مثل هذه العقول والقلوب حين تسمع آيات الله -تعالى- على الفور تدمع عيونها، وتلين قلوبها، وتستجيب لنداء الإيمان دون تلكؤ، قال -تعالى- عن القساوسة: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83).

    وليس ذلك في البشر فقط، بل حتى مردة الجِـن، تأثرت أفئدتهم ولانت قلوبهم لآيات الله -تعالى- فور سماعها وآمنت، قال -تعالى-: (اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) (الجن:1-2).

    بل تعجب أشد العجب مِن تأثر المشركين أنفسهم وهم غِلاظ القلوب، ومتحجري النفوس، حينما سمعوا آيات الله -تعالى- تُتلى على مسامعهم تأثرًا قادهم إلى السجود وهم على الكفر؛ مِن شِدة تأثرِهم بجمال وجلال وعظمة، وإعجاز ما سمعوه مِن كلام الله -تعالى-.

    وما قصة عتبة بن ربيعة -وهي مشهورة- عنا ببعيدٍ؛ إذ اختارته قريش ليتفاوض مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعرض عليه ما لديه، ولما فرغ مِن عرضه وكلامه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَرَغْتَ أبا الوليد؟" قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، (حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (فصلت:2)، حَتَّى بَلَغَ: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثمُودَ) (فصلت:13)، ما سمعها عُتْبَةُ حتى أنصت لها: وألقى يديه خلف ظهرِه معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة منها فسجد حتى قال عتبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حَسْبُكَ حَسْبُكَ!". فقام مِن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعًا لرءوس المشركين فسألوه: ما وراءك؟! قال: "ورائي أني قد سمعت قولًا والله ما سمعتُ مثله قط! والله ما هو بالشعر ولا بالسِّحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بيْن هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننَّ لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كُفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكُه ملككم، وعزُّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به" (رواه البيهقي والحاكم بسندٍ صحيح).

    نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم نورًا لعقولنا. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

    حتى نفوز برمضان (10)






    رمضان... وتأثير القرآن الكريم في النفوس (2)
    كتبه/ جمال متولي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    قال الله -عز وجل-: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق:??).
    فالقرآن الكريم يربطنا بالآخرة ويبقيها ماثلة أمام أعيننا؛ يذكّرنا بجزاء المتعدِّين لحدود الله -تعالى-، ويصوِّر لنا مشاهد الأمم التي كانت عاقبتها الهلاك، وكذلك يذكّرنا بأصحاب البُشريات العظيمة، ويصب في قلوبنا ووعينا ما أعده الله -تعالى- لهم مِن عظيم إنعامه وإحسانه مما لا عين رأت، ولا خطر علي قلب بشر مِن نعيم الجنة، وبالرغم مِن ذلك؛ فإن (الآخرة) أبعد ما تكون عن أذهاننا؛ بسبب هجرنا لكتاب ربنا -تعالى-! مع أن القرآن الكريم هو أهم وسائل وأسباب ترسيخ الإيمان في القلب ودوام يقظته.
    ولقد كانت السورة الواحدة مِن سوره القِصار -مع قلة عدد كلماتها- كافية لاستقامة النفس والجوارح على ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، بل ملء القلب بالتعلق بالله -تعالى-؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر:
    سورة الزلزلة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ الر)، فَقَالَ: كَبُرَتْ سِنِّي، وَاشْتَدَّ قَلْبِي، وَغَلُظَ لِسَانِي، قَالَ: (فَاقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ حَم)، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ: (اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ)، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ... ) حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ) مَرَّتَيْنِ. (رواه أبو داود، وصححه الحافظ ابن حجر والشيخ أحمد شاكر).

    فإذا كان هذا هو تأثير سورة الزلزلة المكونة مِن ثمانِ آيات، وكلماتها لا تتعدي خمسة وثلاثين كلمة؛ فما بال مَن تتوفر لهم الأداة لقراءة القرآن الكريم كاملاً، ويتوفَّر لهم مِن النشاط والقوة ما يمكِّنهم مِن إعادة قراءته مرةً تلْوَ المرة، وسماعه في كل حين، ولا تتأثر قلوبهم ولا تتحرك لمعانيه السامية؟!
    وهذه سورة الكهف التي يصدح بها المسلون كل جمعة، كانت تهز قلب خيل يسمعها هزّا مِن قارئ يتلوها بقلبه قبْل قراءة لسانه وعينه، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ) (متفق عليه).
    نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم نورًا لعقولنا وبصيرتنا وأبصارنا. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

    حتى نفور برمضان (11)






    رمضان... لاستجلاب عبادة حب الله -تعالى-
    كتبه/ جمال متولي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-... كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) (رواه البخاري).
    هذا الجزء مِن الحديث الشريف الصحيح يدلنا على عبادة مِن أجلّ واهم العبادات القلبية التي ينبغي أن تسبق أي عبادة عملية أو قولية، وهي عبادة حب الله -تعالى-، والإقبال على أمره؛ محبة له -جلَّ جلاله-.
    لذلك قال -تعالى-: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي): أي محبةً لله -تعالى-، وفي سبيل رضاه -جل جلاله-.
    ويتربى القلب في رمضان بإقباله على ربه -جل جلاله- في سائر أوقاته تاركًا فتن الدنيا وشهواتها وهوى نفسه، مقدمًا على ذلك كل ما هو فيه مرضاة مولاه -سبحانه- على ما فيه رضا نفسه أو إشباع رغباته إن تعارض ذلك مع ما يرضي الله -عز وجل-؛ بذلك الحب المخلص يتحقق صِدق الإيمان وكماله كما في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).
    الطريق إلى الله -تعالى- يُقطع بالقلوب وليس بالأعمال فحسب؛ فلربما يعمل العبد أعمالًا كالجبال في الموازين، ولكنها في ميزان الله -تعالى- لا تساوي إلا صفرًا! ويكون ذلك بسبب غياب إخبات القلب لمولاه -جلَّ جلاله-، ولربما كانت نية القلب أخلص وعزيمته في الطريق لله -تعالى- أصدق، مع قليلٍ مِن العمل والتعبد، ثم يكن بهذا الصدق مع قلة العمل مِن أهل الفوز والنجاة.
    وعن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ أَعْرَابِيًّا، قَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)، قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) (متفق عليه).
    ولأهمية عبادة الحب لله -تعالى- وأنه أساس الإقبال على طاعاته ومرضاته؛ نجد أن الله -تعالى- علمّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- الدعاء والابتهال إليه -جلَّ جلاله- لملء قلبه بهذا الحب، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, إِذَا صَلَّيْتَ فَقُلْ: ... أَسْأَلُكَ حُبَّكَ, وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ, وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وروي عن أبي الدرداءِ -رضي الله عنه- قَال: قَالَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي وأهْلِي، وَمِنَ الماءِ البارِدِ" (رواه الترمذي، وضعفه الألباني).
    نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بمحبته ومحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

    حتى نفوز برمضان (12)






    رمضان... لتعظيم شعائر الله -تعالى- ومخافته
    كتبه/ جمال متولي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فنصوم مِن طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، ومَن صام احتسابًا لربه -سبحانه-، مهما اشتد عليه الجوع أو العطش أو الحاجة -مِن غير مرض- لأي مِن المفطرات يستحيل عليه أن يقدم على شربة ماء، ولو كان قبْل الغروب بطرفة عين، ويحتاج كذلك لشربة ماء فيرفع الإناء إلى فمه فيسمع نداء الفجر: (الله أكبر) فيسقط الإناء مِن يده.
    إنها عبادة التعظيم والتبجيل لأمر الله -عز وجل-، والوقوف عند حدوده -جلَّ جلاله-.
    هذه العبادة التي نحتاجها في سائر حياتنا، وفي كل أحوالنا، فإن الله -تعالى- قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، ولن تتحقق هذه غاية "التقوى المرادة" مِن وراء الصيام ورمضان إلا إذا استقر في القلب التعظيم لأوامر رب العالمين، والوقوف عند حدوده؛ لذلك قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
    فهذا التعظيم وهذا الإجلال ينبع مِن مخافة الله -تعالى-، ومِن ثَمَّ مخافة التعدي علي حدوده في كل حالٍ وكل آن؛ فخوف الله -تعالى- هو العبادة التي يجب أن تملأ القلب وتُشِبعه حتى تمنعه تمامًا مِن تضييع فرائض الله -تعالى-، أو التقصير في فعل القربات والطاعات، وكذلك تَحْجِزَه وتصده عن مجرد الاقتراب مِن محارم الله -تعالى-، فالخوف مِن الله -عز وجل- هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى، والطارق القوي المانع مِن الغفلة، وحائط الصد للشهوات والفتن.
    ولذلك وعد الله -تعالى- عباده المتصفين بالخشية منه -جل جلاله-، العارفين لمقام مخافته ومخافة يوم الحساب وشِدته، بأنهم وإن طال بهم أمد الاستضعاف، فلهم في النهاية التمكين في الأرض والسيادة في الدنيا، قال -تعالى-: (وَلَنُسْكِنَنَّ كُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:14).
    أما في الآخرة فأصحاب الخشية مِن الله -تعالى- والخوف مِن سخطه وعذابه، هم أصحاب الفرحة الكبرى والسعادة العظمي بخشيتهم لربهم -جل جلاله-، وخوفهم مِن عقابه الذي لازمهم في سائر شئونهم، في عباداتهم ومعاملتهم، وأقوالهم وأفعالهم، قال -تعالى-: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور:25-28).

    فهذا مِن أهم وأوثق علامات الإيمان؛ فلن يخشى الله -تعالى- ويخافه حق الخشية والمخافة إلا مَن وقر في قلبه تعظيمه لربه، وإجلاله حق التعظيم، ومعرفة قدر مولاه حق المعرفة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28)؛ لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أشد الناس خوفًا مِن الله -تعالى- وخشية له -سبحانه وتعالى-، فعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً) (متفق عليه).
    وكذلك مِن أوثق علامات التعظيم لله -تعالى- ومخافته: الإقبال على الطاعات والحرص عليها، وعدم تضييعها، عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خَافَ أدْلَجَ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، ألاَ إنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). (أدْلَجَ): أي سار مِن أول الليلِ، والمراد التشمير والهِمة في الطاعة والصلاح.
    وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:60-61).
    نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بتعظيمه والخشية منه. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (13)









    رمضان... لاستعادة عبادة المراقبة لله -تعالى-

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) (رواه مسلم).

    مرة أخرى مع هذا الحديث الصحيح المبارك.

    ما السر في قوله -تعالى-: (إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) في حين أن كل العبادات والقربات هي لله -تعالى- وحده، ولا يجزي أو يثيب عليها إلا هو -سبحانه وتعالى-.

    السر هو: أن سائر العبادات مهما كانت يمكن أن يطلع عليها البشر، ومِن الصعب إخفائها عنهم بشكلٍ حقيقي وعملي؛ إلا عبادة الصوم، هي العبادة الوحيدة -تقريبًا- التي يمكن إخفائها عن أقرب الناس إليك، وتتحجج بعدم تناولك لأي طعام أو شراب بأي حجج وتكون مقبولة، وتكون نيتك حينئذٍ الصيام، ولا يطلع على هذه النية إلا الله -جل جلاله-.

    وفي المقابل: مِن اليسير على البعض -عياذًا بالله تعالى- الإفطار سرًّا، وادعاء الصوم!

    الفارق: عبادة المراقبة لله -جل جلاله-

    هذه العبادة الهامة التي نحتاج لاستعادتها لقلوبنا في غير رمضان، وهي دوام عِلم العبد وتيقنه باطلاع الله -تعالى- على كل ما يصدر منه, وما تُخفِيه نفسه في كل وقتٍ وكل لحظةٍ؛ فما مِن كلمةٍ، ولا فعل في الخفاء أو في العلن إلا وهو تحت سمع وبصر مَن لا تخفى عليه خافية في الكون كله -جل جلاله-، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق:16)، وقال الله -جلَّ جلاله-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59)، وقال -سبحانه-: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:13-14)، وقبلها مدح الله -تعالى- مَن دامت مراقبتهم لله -تعالى- في السر قبْل العلانية، وجعل لهم أجرًا جزيلًا عظيمًا، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك:12).


    فالعبد يعلم يقينًا أن ما يجول بخاطره، وما يخفيه عن الخلق؛ فإنه لا يخفى شيء مِن ذلك على رب العالمين، قال الله -عز وجل-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19).

    وهذا هو مقام الإحسان الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام-، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ جبريل -عليه السلام- سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان؟ فقال: (أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ) (متفق عليه).


    نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا دائمي مراقبته وخشيته. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (14)









    رمضان... شهر الصبر

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153).

    قال بعض العلماء: إن الصبر في الآية مقصود به الصيام؛ فارتباط الصبر بالصيام ارتباط وثيق؛ إذ أن عبادة الصوم في أصلها صبر على الإمساك عن الطعام والشراب والشهوات، وسائر عبادات رمضان وأخلاقيات الصيام لا يمكن القيام بها مِن غير الصبر، فالصوم صبر، وقيام الليل يحتاج لصبر النفس على القيام خاصة لو كان قيامًا على الهدي النبوي الشريف، وتلاوة القرآن الكريم تحتاج إلى الصبر، وكذا سائر الطاعات.

    وأيضًا عبادات الانتهاء عن المحرمات تحتاج إلى الصبر؛ فغض البصر يحتاج للصبر، وحبس اللسان عن اللغو يحتاج إلى الصبر، وكظم الغيظ مع مَن يجهل على الصائم يحتاج إلى الصبر، وحبس النفس عن الانطلاق عمومًا في العبث وسائر الأفعال وتضييع الأوقات فيما لا طائل مِن ورائه أخرويًّا ودنيويًّا؛ كل ذلك يحتاج إلى الصبر.

    ومِن هنا كان الصيام، وخاصة في شهر رمضان تربيةً للقلب والنفس لتحقيق الصبر بأنواعه في سائر حياة العبد:

    صبره عن كل حرام ومكروه، بحبس نفسه وضبطها وكبحها عن عدم الاغترار والافتتان به.

    صبره على طاعة الله -تعالى- بحمل نفسه على القيام بها وإتيانها وفعل مستحبّاتها وتحمل مشقتها.

    صبره على ابتلاء الله -تعالى- له وقضائه فيه واستقباله بنفسٍ راضيةٍ مطمئنةٍ محتسبة الأجر مِن الله.

    صبره على أذى الناس حال دعوتهم للدين ونهيهم عن المنكر عمومًا، وخصوصًا أصحاب الحقوق منهم: كالوالدين، والأزواج، والأرحام، والجيران، والأولاد، واحتساب الأجر علي آذاهم له؛ إذ أن عبادة الصبر مِن عبادات القلب التي يجب ألا تفارق المؤمن، وكان الصبر أساس الفوز برحمة الله -تعالى- وجنته، قال -تعالى-: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35).

    والصبر خير مُعين للعبد على جميع عوائق الإقبال على الله -تعالى-، والتعلق بمعالي الأمور دينًا ودنيا، والتحرر الصادق مِن أسر الشهوات وهوى النفس المنحرف لا يمكن إلا بعبادة الصبر والتحمل في سبيل الله -تعالى-؛ لذلك قال الله -تعالى- مبشرًا أهل الصبر: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).


    فالمؤمن الصابر هادئ النفس مطمئن القلب في سرائه وضرائه، كما في الحديث الشريف عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (رواه مسلم).

    نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا مِن عباده الصابرين. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (15)









    رمضان... شهر القيام

    كتبه/ جمال متولي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وهكذا المؤمن الراغب في الفوز ببركات رمضان، ونفحاته وفضائله؛ فنهاره صيام، وليله قيام بيْن يدي الرحمن -جلَّ جلاله-.

    والحديث الشريف فيه البُشرى العظيمة مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل الصيام، والقيام الحقيقي المخلص لله -تعالى- كما كان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه مِن طول قيام، وكثرة تسبيح في الركوع، والإلحاح والافتقار لله -تعالى- في السجود، وحُسن تبتل لله -عز وجل-؛ فحري بصاحب هذا القيام أن يفوز بالجائزة، وهي مغفرة كل الذنوب السابقة، وخاصة مَن صلى قيامه مع الجماعة في بيوت الله -تعالى- إذ كانت صلاة التراويح في الأصل في المسجد؛ إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستمر عليها خشية أن تصير صلاة مفروضة على الأمة فتعجز عن أدائها.

    فعن عَائِشَة -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، فَقَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) (متفق عليه).


    ومع ذلك، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بشرى وجائزة أخرى لمَن صلى القيام في جماعة والتزمها حتى ينصرف الإمام مِن صلاته، ولا ينصرف القائم قبْل انصراف الإمام، وهي أن يكتب الله -تعالى- له قيام الليلة كلها، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا ممَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



    حتى نفوز برمضان (16)









    رمضان... شهر القيام (2)


    كتبه/ جمال متولي


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فالقيام في رمضان تربية لقلب المؤمن ألا يحرم نفسه مِن هذه العبادة الهامة لصلاحه واستقامته فيما بعد رمضان؛ إذ أن قيام الليل سبب في صلاح القلوب، ويكفر السيئات، ويمنع مِن ارتكاب المعاصي والآثام، وهو شهادة الصلاح الربانية للعبد، وعنوان إخلاصه الصادق لله -تعالى-، والحفظ والوقاية مِن الشيطان، وثمراته في الدنيا والآخرة عديدة وعظيمة، منها ما يلي:

    1- فمَن أراد أن يصلح قلبه وتستقيم نفسه على الطاعات، وتبتعد عن الذنوب والسيئات؛ فعليه التزام صلاة ما يتيسر له مِن الليل: فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    2- أفضل صلاة بعد الفريضة صلاة الليل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّه -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ اَلصَّلَاةِ بَعْدَ اَلْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اَللَّيْلِ) (رواه مسلم).

    3- قيام الليل واحد مِن اثنين يستحقان المنافسة والغبطة: عن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْانَ فَهُوَ يَتْلوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) (متفق عليه).

    4- قيام الليل يقرِّب مِن الجنة ويباعد عن النار، ومِن أبواب الخير ومِن سمات أهل القرب مِن الله -تعالى-: عن مُعَاذٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: (لَقَدْ سَألتَ عَنْ عَظيمٍ، وإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ... ثم قَالَ: ألاَ أدُلُّكَ عَلَى أبْوابِ الخَيْرِ؟... وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ) ثُمَّ تَلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:??-??) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني). أي يتباعدون عن المفارش وأماكن النوم مِن أجل الصلاة، والتقرب لله -تعالى-.

    5- قيام الليل هو شرف المؤمن: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَانِي جِبْرِيلُ -عليه السلام- فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزِّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

    6- صلاة الليل سبب مِن أسباب إجابة الدعوات لخيريّ الدنيا والآخرة:

    1- عن جابر -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) (رواه مسلم).


    2- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (يَنْزِلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا -نزولًا يليق بجلاله تعالى، وبالكيفية التي يشاؤها هو سبحانه دون استيعاب العقول لها- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ الَّليْلِ الْأوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُذْنِبٍ يَتُوبُ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ؟ فلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللهُ -عز وجل- لَهُ... فلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) (الحديث مجموع مِن عدة روايات صحيحة مِن مجمع الزوائد، والسنن، ومسند أحمد).

    نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا مِن القائمين القانتين. اللهم آمين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

    حتى نفوز برمضان (17)






    رمضان... شهر القيام (3)
    كتبه/ جمال متولي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    7- قيام الليل مِن أسباب سُكنى أجمل غرف الجنة وبيوتها:
    عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
    (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا) -لشفافيتها وزيادة في إمتاع أصحابها بالجنة وهم في غرفهم-، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
    8- قيام الليل صلاة القانتين القائمين الخاشعين لله -تعالى-:
    1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَّةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني). أي مَن قرأ في صلاته بالليل مائة آية أثناء القيام، وهذا لا يستغرق أكثر مِن 15 دقيقة، وليس كما يتوهم البعض أنها طويلة وشاقة!
    2- عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ، كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
    3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطَرِين َ) (رواه داود، وصححه الألباني).
    لتطبيق الحديث والعمل به:
    جزء تبارك (الجزء التاسع والعشرون)، والذي عدد سوره (11) سورة، تحتوي على 431 آية، وجزء عمّ (الجزء الثلاثون) وعدد سوره 36 سورة أغلبها مِن السور القصيرة، وعدد آيات هذا الجزء 564 آية؛ المجموع 995 آية، بقي لك أيها المقنطر 5 آيات فقط ربما لو قرأت سورة الناس مرة أخرى، وعدد آياتها 6 آيات تكون تجاوزت الألف آية؛ فيمكنك الآن أن تحقق هذا الحديث بأن تقرأ الجزأين اللذين يحفظهما أغلب الناس -ولله الحمد والمنة-، وإن لم تكن تحفظهما فيمكنك أن تقرأ مِن المصحف، ثم تنتهي صلاتك ومعك قنطار مِن الأجر -بإذن الله-!
    9- قيام الليل يحل عقد الشيطان ويطيب النفس ويزكيها:
    الشيطان يعقد على مؤخرة رأس النائم ثلاث عقد، ثم يضرب عليها؛ ليصده عن قيام الليل وصلاة الفجر بإنزال النعاس عليه، فيستيقظ بعدها خبيث النفس كسلان، فإن هو استيقظ وذكر الله وتوضأ وصلى ركعتين انحلت تلك العقد -بإذن الله-، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) (متفق عليه).
    10- قيام الليل يمنع تلاعب الشيطان بالعبد: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: (ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنِهِ) (متفق عليه).
    11- قيام الليل مِن أهم أسباب المنع مِن الحرام:
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ, قَالَ: (إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
    12- مَن ترك زوجته وفراشه وقام لصلاة الليل فهو حبيب الله -تعالى-:
    عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ قَاتَلَ وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْضَرَّاءٍ) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني).
    نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا مِن القائمين القانتين. اللهم آمين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •