الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
نقل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في تحقيقه لكتاب " قواعد في علوم الحديث " للتهانوي (100) كلام تلميذه الشيخ محمد عوامة في تعقبهم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في قوله أن الترمذي هو أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف .
قال : والذي حمل الشيخ ابن تيمية - ومن تابعه - على هذا التفسير لكلام الإمام أحمد رأي آخر له أي لابن تيمية بني على هذا التفسير وهو ادعاؤه أن الحديث عند المتقدمين ينقسم إلى صحيح وضعيف فقط وأن الحسن اصطلاح أحدثه الترمذي بل نقل ابن تيمية الإجماع على هذا الادعاء كما في فتح المغيث للسخاوي (5).
وهذا غير صحيح إذ أن إطلاق ( الحسن ) على الحديث وعلى الراوي وارد على لسان عدة من العلماء السابقين للترمذي ومن طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه بل ورد هذا الإطلاق على لسان الإمام أحمد نفسه ... ثم نقل كلاما طويلا في بيان أن الحسن كان معروفا قبل الترمذي ..
والسؤال هل نفى شيخ الإسلام أن الحسن لم يكن معروفا قبل كلام الترمذي أم أنه قصد أمرا آخر ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبوعيسى الترمذى ,ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله , وقد بين أبوعيسى مراده بذلك فذكر أن الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن فيهم متهم بالكذب ولم يكن شاذا وهو دون الصحيح الذى عرفت عدالة ناقليه وضبطهم وقال الضعيف الذى عرف أن ناقله متهم بالكذب ردىء الحفظ فإنه إذا رواه المجهول خيف أن يكون كاذبا أو سىء الحفظ فإذا وافقه آخر لم يأخذ عنه عرف أنه لم يتعمد كذبه وإتفاق الاثنين على لفظ واحد طويل قد يكون ممتنعا وقد يكون بعيدا ولما كان تجويز إتفاقهما فى ذلك ممكنا نزل عن درجة الصحيح .
ثم قال رحمه الله :
وأما من قبل الترمذى من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثى لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف .
والضعيف عندهم نوعان :
ضعيف ضعفا لا يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن فى إصطلاح الترمذى .
وضعيف ضعفا يوجب تركه وهو الواهي وهذا بمنزلة مرض المريض قد يكون قاطعا بصاحبه فيجعل التبرع من الثلث وقد لا يكون قاطعا بصاحبه وهذا موجود فى كلام الإمام أحمد وغيره ,ولهذا ليقولون هذا فيه لين فيه ضعف وهذا عندهم موجود فى الحديث .
مجموع الفتاوى (18|25)
يتبين من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يلي :
1- أراد أن الترمذي هو أول جعل الحسن قسما خاصا (كاصطلاح خاص) , ولم يرد أن ينفي أن الحسن لم يكن معروفا في عرف من سبقه من العلماء ؛ ويوضح ذلك أنه أعقب كلامه بمعنى الحسن عند الترمذي فقال :
وقد بين أبوعيسى مراده بذلك فذكر أن الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن فيهم متهم بالكذب ولم يكن شاذا وهو دون الصحيح الذى عرفت عدالة ناقليه وضبطهم وقال الضعيف الذى عرف أن ناقله متهم بالكذب ردىء الحفظ .
فقد كان المتقدمون يطلقون الحسن على الصحيح ويريدون بذلك المعنى اللغوي لا المعنى الاصطلاحي .انظر فتح المغيث (1|26)
وربما أرادوا بالحسن المنكر
قال السخاوي :قد وجد إطلاقه على المنكر قال ابن عدي في ترجمة سلام بن سليمان المدايني حديثه منكر وعامته حسان إلا أنه لا يتابع عليه .
وقيل لشعبه لأي لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي وهو حسن الحديث فقال : من حسنه فررت وكأنهما أراد المعنى اللغوي وهو حسن المتن.
وربما أطلق على الغريب قال إبراهيم النخعي كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه فقد قال ابن السمعاني : أنه عني الغرائب
ووجد للشافعي إطلاقه في المتفق على صحته ولابن المديني في الحسن لذاته وللبخاري في الحسن لغيره ونحوه فيما يظهر قول ابي حاتم الرازي فلان مجهول والحديث الذي رواه حسن وقول إبراهيم بن يعقوب الجوزاتي في الطلحي إنه ضعيف الحديث مع حسنه على أنه يحتمل إرادتهما المعنى اللغوي أيضا .
فتح المغيث (1|86)
وربما أطلقوا على الحديث الصحيح أنه ضعيف وهم لا يريدون الضعيف بالمعنى الاصطلاحي بل يريدون كما تقدم عن شيخ الإسلام ضعفا لا يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن فى إصطلاح الترمذى .
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان أصول مذهب الإمام أحمد
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه وهو الذي رجحه على القياس وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن , ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف بل إلى صحيح وضعيف وللضعيف عنده مراتب .
إعلام الموقعين (1|31)
قال شيخ الإسلام :
قال أبو اسحاق الجوزجاني قال ابن أبي شيبة ثبت لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وضوء لمن لم يسم .
وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين:
إما أنها لا تثبت عنده أولا لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب , ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رباحا ولا أبا ثفال وهكذا تجئ عنه كثيرا الإشارة إلى انه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها فإن النفي سابق على الإثبات .
وإما أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين .
فإن الاحاديث تنقسم الى صحيح وحسن وضعيف وأشار إلى إنه ليس بثابت أي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله وذلك لا ينفي أن يكون حسنا وهو حجة ومن تأمل الحافظ الامام علم أنه لم يوهن
الحديث وإنما بين مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة .
وكذلك قال في موضع آخر أحسنها حديث أبي سعيد ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها أحسنها , وهذا معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف وقوله ربما أخذنا بالحديث الضعيف وغير ذلك من كلامه يعني به الحسن .
شرح العمدة (1|171)
وقال ابن الملقن :ونقل عن أحمد أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد غيره ولم يكن ثم ما يعارضه . وقال مرة : الضعيف عندنا أولى من القياس .
وقد يحمل على ( الحسن ) فإن المتقدمين يطلقون عليه ( الضعيف ) .
المقنع (1|104)
وهذا الذي فهمه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن الترمذي هو أول من قسم الحديث إلى (صحيح وحسن وضعيف) أشار إليه علماء فحول
قال الحافظ الذهبي رحمه الله : وأما الترمذي فهو أول من خص هذا النوع باسم الحسن وذكر أنه يريد به : أن يسلم راويه من أن يكون متهما وأن يسلم من الشذوذ وأن يروى نحوه من غير وجه .
الموقظة (27)
2- لايعكر صفو هذا التوجيه ما ذكره ابن الصلاح لما ذكر الحديث الحسن
قال :" كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذى نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه
ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله ( كأحمد بن حنبل ) و ( البخاري ) وغيرها .
مقدمة ابن الصلاح (20)
فقد تعقبه ابن حجر رحمه الله بقوله :لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك .
النكت على كتاب ابن الصلاح (1|424)
وهذا التعقب من ابن حجر لكلام ابن الصلاح يفهم منه أن من أطلق الحسن قبل الترمذي لم يرد المعنى الاصطلاحي في الأغلب , وأن الترمذي هو أول من أفرد هذا القسم باصطلاح خاص .
3- أن كبار العلماء تتابعوا على نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولم يتعقبوه .
قال الشيخ إبراهيم اللاحم في شرح الباعث الحثيث (24)
في سؤال وجه إليه من أول من قسَّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف؟
ج : هو موجود في كلام العلماء -رحمهم الله تعالى-، تقسيمهم للحديث إلى صحيح وحسن -يعني- موجود في كلام البخاري، وكلام ابن المديني، وكلام الشافعي، أنه يصف بعض الأحاديث بأنها حسنة.
لكن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أطلق كلمة ووافقه عليها الذهبي، ووافقه عليها السخاوي وابن حجر -رحمه الله-، وهؤلاء فحول -يعني- ما يتركونها بدون نقد إلا ولها حظ من الصواب، حظ كبير.
يقول ابن تيمية -رحمه الله-: إن أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف هو من؟ الإمام الترمذي.
ومراد ابن تيمية، ليس مراد ابن تيمية أن الترمذي هو أول من أطلق كلمة "حسن"، ليس مراده هذا فيما يظهر؛ وإنما مراده هذا التقسيم، وأن الحسن قسم غير الصحيح وغير الضعيف.
أما الأولون فيطلقون كلمة حسن، وربما كان الحديث في أعلى درجات الصحة، يعني: لم يتمخض عندهم مصطلح الحسن بشيء خاص به كما فعل به مَن؟ كما فعل به الترمذي.
فالذي قسمه هذه القسمة الثلاثية، الذي كل واحد له تعريف هو مَن هو؟ الترمذي، هذا فصل الكلام في هذا الموضوع فيما أرى، يعني: بعض العلماء اعترض على ابن تيمية، بعض الباحثين، وصار يبحث في كلام للأولين، أطلقوا وصف ماذا ؟ الحسن وهذا لا إشكال فيه، ما يمكن يخفى أصلا على ابن تيمية، قصدي ليس معصوما.
ولكنه باطلاعه على كلام العلماء سيجد الأمر يسيرا أن يقف على أن إماما قال في حديث إنه حسن، ولكن مراده هذه القسمة الثلاثية التي كل قسم له خصائصه، وله يعني تعريفه، فهو الترمذي -رحمه الله تعالى-.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .