المزح والمَزْه: نَقيض الجِدّ، وفيه المُداعبة والمُضاحكة، والمُِلْحة، والهَزْل.
قال النووي: "اعلم أن المزاح المنهي هو الذي (فيه إفراط) ويداوم عليه فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر الله والكفر في مهمات الدين، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار. فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على الندرة، لمصلحة تطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهو سنة مستحبة، فاعلم هذا فإنه مما يعظم الاحتياج إليه" انتهى.
نزيدُ على ذلكَ "إنّه ينبغي أنْ نراعي في المزاح: (تحديد المكان) و (توقيت الزمان) و (طريقة المزاح) و (عين الأشخاص) هذا؛ لا شكَّ فيه، ولا يعترض عليه إلا مكابر، مثال الأوّل (العزاء) فالمزاحُ فيه –إنْ سلّمنا وقوعه- فقد يكون خفيفًا، ومثال الثّاني (السّاعة السّادسة صباحًا) يكون المُمازَحُ حينها بليدَ الحسّ عند تيقّظه من النّوم، ويُذكّرني هذا بحادثة قامَ بها بعض المُهرّجين الحمقى في الأردن وكانَ توقيت برنامج الكاميرا الخفيّة في رمضان (عندَ أذان المغرب) وتقوم على الاعتراض في وجه النّاس الرّاجعين إلى منازلهم، فكانت المشاكل تترى حينئذ، لا أبالغ إنْ قلتُ كانت أقلُّ ردّة فعل ماء مُطيّب للجسم، ومثالُ الثّالث (مخاطبة الكبير) لا شكَّ أنّها تختلف عن مخاطبة الصّغير، ومثال الرّابع (المازح والممزوح) ما هي صلاحيّات المازح، وما هي رتبته، هل تسمحُ له بأنْ يضع قدميه أمام كلِّ النّاس، بجميع أصنافهم وألوانهم، هل يستطيعُ أنْ يُمازح من لم يعرف كما يمازح أصحابه، هل تستطيعُ هي أنْ تُمازحَ الطالبة التي عرفتها في المدرسة لأوّل مرّة؛ لا شكَّ إنّ الأمر لا يحتاج لتفصيل، فإن لم يُراعَ ما زعمنا، فستكون المزحة حينئذ حمقًا" انتهى
هذا كلام جيّد إلى الآن؛ لكن؛ ماذا نفعل به في هذا القسم الذي يُعنى بالأدب الإسلاميّ. لقد جئنا إلى هنا لنشرحَ "أمثالَ العرب" التي وردت في المزح والمداعبة، ورسمنا خطًّا يلقي ضوءا حقيقيّا على طبيعة هذه الأمثال.
والآن؛ سأعرضُ ما ذكره الأستاذ الثّعالبيّ منها:
ذَكَرَ الثّعالبيُّ:
المزاحة تذهب المهابة، وتورث الضغينة. المزاح سباب النوكي. لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيّ فيجترىء عليك. المزح يجلب الشر صغيره والحرب كبيره. المزح أوله فرحٌ وآخره ترحٌ. لو كان المزح فحلاً لم ينتج إلا شراً. المزاح هو السباب الأصغر، إلا أن صاحبه يضحك. الإفراط في المزح مجونٌ وجنونٌ، والاقتصاد فيه ظرفٌ، والتقصير عنه فدامةٌ. ابن المعتز: المزح يأكل الهيبة، كما تأكل النار الحطب. من كثر مزحه لم يسلم من استخفافٍ به أو حقدٍ عليه. من كثر مزاحه تنازعه الحقد والهوان. ربّ مزحٍ في غوره جدٌ وكدٌ. أول أسباب القطيعة المراء والمزح.
الشّرح: الملاحظ أنّ الأمثال التي أوردها الثّعالبيُّ تقدح فيمن خرجَ عن بعض الشّروط التي زعمناها وخمّناها في حديثنا السّابق، فبالنسبة إلى عدم مراعاة الأشخاص، فقد جاء "لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيّ فيجترىء عليك" وأشيرُ هنا إلى أنّه ليس كلُّ شريفٍ يحقد ُإثر المزاح، إنّما يكون ذلكَ في ما لم يراعَ فيه (طريقة المزاح)، أمّا المزاح مع الدّنيء فلا شكَّ أنّه يجترئ عليكَ، ويكون اجتراؤه بأن يُصعّد من شدّة المزحة، ويستخدم وقاحات هي عنده بمنزلة المزح.
أقتصر على هذا، لأنّ التّطويل يأتي بالملل، ويُذهب بالقارئين، وأملنا أنْ نستفيد من الأدب الإسلاميّ، لا أنْ نردده بلا وعيٍ.
لا يظنَّ أحدٌ أنّي أقصد بهذا قومًا معيّنين، لكن هذا تفصيل جيّد ينبغي أنْ يُعرف.