عقد مركز التأصيل للدراسات والبحوث حلقة النقاش الثامنة ، وكانت بعنوان ( التداول المعاصر لقضية التعايش )، وذلك يوم الأربعاء 19/11/1431هـ.

وقدم الورقة فضيلة الشيخ الدكتور سليمان بن عبدالله الماجد، القاضي بالمحكمة العامة بالرياض وعضو مجلس الشورى.

وابتدأ ورقته ببيان حقيقة التعايش ، وذكر أنه إعطاء المخالف حقوقه المادية والمعنوية بمقتضى الشريعة ، وأوضح أن مصطلح التعايش من الألفاظ التي لا تُذم بإطلاق ولا تُمدح بإطلاق وإنما يُحكم عليها بحسب المعنى الذي يريده المتكلم منها ، فإن كان حقا قُبِل وإن كان باطلا رُدَّ.

وركز في ورقته على " التعايش بين المسلمين عند الاختلاف " ، وبين الدكتور الماجد أن من أبرز الأسباب التي جعلت أهل القبلة في دوائر ملتهبة تتنازع فيما بينها إلى درجة القتال هو عدم التفريق بين النوع والعين ، وأوضح أن إطلاق الاسم المذموم على فعلٍ ما لا يستلزم تحققه في الفاعل ، كما أشار إلى مثال إنكار صفة الباري بأنه كفر ، وأن صلاة الرغائب بدعة ، وأوضح أن هذا لا يقتضي لزاما أن يكون فاعل ذلك كافرا أو مبتدعا.

وبين أنه لو علم المسلمون ذلك وطبقوه لأمكن أن يتعايشوا فيما بينهم في حالة بعيدة عن العدوان على بعضهم.

وبين سبب الخطأ في مسألة النوع والعين بأن القائلين بالكفر بمجرد فعل ذلك أو قوله قد أصابهم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع مستشهداً بتقرير ابن تيمية في ذلك.

وذكر أنه لا بد من بيان الحقائق الشرعية في وجوب نشر العلم الذي يتأكد في مواضع الاختلاف لأن نقض الشبهات والمخالفات لا يتوقف على رضا أحد أو سخطه حيث إن الله أنزل الكتب وبعث الرسل وحمَّل العدول هذا العلم للقيام بواجب نشره ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

وبين أهمية العلم واليقين في حكم المرء على شيء من خلال التثبت والتبيين واجتناب التقليد في الحكم على الآخرين وتحقيق المسائل.
ثم أوضح فضيلته مراحل الحكم على المعين بتخريج المناط وتنقيحه وتحقيقه والتحقق والتثبت فيما نُسب إلى محل الحكم وقيام الحجة ووجود الشروط وانتفاء الموانع ووصف الفاعل المعين بآثار فعل المخالفة ، ثم أشار إلى اعتبار المصالح والمفاسد واختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص الحاكمين والمحكوم عليهم في إظهار هذه الأحكام أو إخفائها.

ثم أكد على أن كل مرحلة تحتاج إلى جمع علمي وتأمل وموازنة قبل إصدار الحكم .

وتساءل هل استقصى الناس في مخالفاتهم للآخرين هذه المراحل أو أن واقع كثيرين هو ارتجال إصدار الأحكام والتسرع في تطبيقها عليهم؟
ثم ذكر مسائل تطبيقية كثيرة أدى ضعف التحقيق فيها إلى مواقف خاطئة في التعايش والحكم على المخالفين كاعتبار مسائل البدع العملية من قضايا الاعتقاد ، ومثَّل لذلك باختلاف السلف في مسائل رآها بعضهم بدعة ورآها آخرون مشروعة ولم يفض ذلك إلى تقاطع وتهاجر كرأي ابن عباس في التعريف بالأمصار ورأي ابن عمر في تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم تبركا بها ، ورأي بعضهم في القنوت في الصلوات الخمس في غير النوازل ، وقول الشافعي بمشروعية ركعتين للسعي كالطواف وغيرها..

ثم بين مواضعَ هجر المخالف وضوابطَه، كما أوضح شواهد من السنة وعمل العلماء على مشروعية التعاون في البر مع المخالفين ، وحذر من المبالغة في ذلك ، وبين أسباب الممانعة في التعاون على البر مع المخالفين كإضفاء الشرعية بما يؤدي إلى إغراء الضعفاء من أتباع المنهج الحق إلى متابعتهم ، وإقرار الباطل وإغراء أتباعه بالبقاء عليه ، وردَّ عليها ، وذكر أنها ليست أسبابا قريبة للتزكية وإضفاء الشرعية بل هي من جنس معاملة الكافر والفاسق بأنواع المعاملات الخيرية ، وأكد على أهمية جمع المسلم بين بيان الدين بحسب الإمكان وبين تحقيق مصلحة التعاون على البر .

وبين في آخر ورقته آثار التعايش المشروع كمحاصرة الانحراف ، وتمكين المحايدين من الاختيار ، وضمانة حفظ حقوق الغير ، وغيرها.

وختم الدكتور الماجد ورقته بذكر تجارب تاريخية لبعض مظاهر العداوات والشحناء في التاريخ الاسلامي التي نشأت بسبب غياب فقه التعايش.

بعد ذلك أضاف الدكتور عبدالرحيم السلمي استاذ العقيدة بجامعة أم القرى معنى التعايش الذي تم تداوله في الفكر الليبرالي والفكر التنويري العصراني ، وبين أن التعايش في الفكر الليبرالي هو مساوٍ لمعنى التسامح لديهم وهو نفي التعصب الديني ، وذلك في عدم اعتقاد الانسان بأن لديه حقا مطلقا ولدى غيره باطلا مطلقا حتى في أصول العقيدة ، وبين أن نسبية الحقيقة والشك في أصول العقيدة هو التسامح الذي يعنونه، كما أوضح أن التعايش لدى الفكر التنويري العصراني يقوم على أساس وطني، وبين أثر ذلك في تضعيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعطاء الحق للمخالف في أصول العقيدة بنشر باطله علنا.

تلا ذلك مداخلة للدكتور صالح الحميدي استاذ العقيدة بجامعة الطائف أوضح فيها أهمية بحث التعايش عند جميع الأطراف المتناولين لهذه القضية ، كما أشار أيضا إلى أهمية مناقشة الزوايا التي ينطلق منها الآخرون لمفهوم التعايش وأهمية الرد على القواعد الخاطئة التي أسسوا عليها نظرتهم للتعايش ، وبين أن التعايش يجب بحثه مع جميع الأصناف.

وفي مداخلة للأستاذ سلطان العميري المحاضر بجامعة أم القرى أوضح فيها أن هجر المبتدع ليس الهدف منه رجوع المصلحة على المبتدع ذاته ، وإنما الهدف من هذا الهجر هو رجوع المصلحة على عموم الناس كهجر صاحب المرض المعدي.

وقد حضر الحلقة عددٌ من النخب العلمية والفكرية وطلاب الدراسات العليا.