متى تستخدم القرعة؟ ومن الذي استخدمها من الأنبياء ؟
فإن القرعة لا تكون إلا عند السَفاح والخلاف: ولا تكون في الرضا أبدًا لأن التراضي يحسم المسألة ، بخلاف إذا ما اختلف الناس في شيء فيمكن أن تجري القرعة بينهم .
الدليل علي جواز القرعة:هذا الحديث :" كان النبي - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرجت معه " ، وهذه القرعة فعلها ثلاثة من الأنبياء .
الأنبياء الذين استخدموا القرعة :استخدام القرعة في المشكلات استخدمها ثلاثة من الأنبياء,1- يونس - عليه السلام – 2-، وزكريا - عليه السلام - ،3- ونبينا - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - .
أما يونس عليه السلام: فقصته معروفة في آخر الصافات ، وفيه قول الله عز وجل :﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ (الصافات:141) القصة: أن يونس - عليه السلام - لما فرَّ وركب البحر أوشكت السفينة علي الغرق فقال القبطان قائد السفينة: أيها الناس فيكم فليخرج ,ما خرج أحد فقالوا إذًا نعمل قرعة ، فإذا خرج السهم علي واحد من الذين في السفينة فهذا يحضر نفسه لأننا سنلقيه في البحر ، عملوا القرعة فوقع السهم علي يونس - عليه السلام - فاستعظموا أن يلقوا بنبي في البحر قالوا لا نجري القرعة مرة أخرى ، فأجروا القرعة مرة أخري فجاءت علي يونس أيضًا فاستعظموا أن يلقوا بنبي في البحر ، فصنعوا القرعة مرة ثالثة فجاءت علي يونس :﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ أي من المغرقين فألقوا به في البحر﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ (الصافات : 142) ، وقد وقع عليه اللوم ، ووقعت عليه القرعة فالقوه في البحر , .
استخدام زكريا عليه السلام للقرعة: واستخدمها زكريا عند الخلاف في كفالة مريم - عليها السلام - ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾(آل عمران:44) ، اختصم زكريا - عليه السلام - وقال مريم هذه خالتها تحتي فأنا أولي بها ، لأن الخالة كما في الحديث الصحيح " الخالة بمنزلة الأم "فيقول: خالتها تحتي فهي كأمها فأنا أولي بكفالتها . وبني إسرائيل يقولون: هذه أم نبينا فنحن أولي بها . فماذا يفعلون ؟ هيا بنا نأتي بالأقلام التي نكتب بها التوراة كتاب الله المقدس ، ونأتي علي الماء الجاري في الجدول ، ونضع أقلامنا يلقون أقلامهم فأيما قلم وقف ولم يندرج مع سيل الماء فهذا الذي يكفل مريم ، فعلًا أتوا بالأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة وألقوها في الماء الجاري فوقف قلم زكريا وكان نبياً وهذه آية له ﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾، فاقترعوا فخرج السهم لزكريا - عليه السلام - فكفل مريم .
حكم الأخذ بشرع من قبلنا :هذا يدل علي أن القرعة كانت في شرع من قبلنا من الأنبياء ، وأنهم كانوا يستخدمونها وجاء شرعنا فأقرها ، وهنا مسألة مهمة يخلط فيها بعض الناس خلطًا تبع هواه , شرع من قبلنا لا يحتج به عندنا إلا إن كان شرعنا موافقًا لهم ، لأن العبرة بشرعنا وما شرع لنا نبينا - عليه الصلاة والسلام - ، لا بما شرع موسي لليهود، أو شرع عيسي لبني إسرائيل العبرة بشرعنا نحن ، فإن كان في شرع من قبلنا حكم شرعي وكان في شرعنا شيء يخالف هذا الحكم الشرعي فالعبرة بشرعنا نحن لا بشرع من قبلنا , ولذلك في قصة يونس - عليه السلام - أنهم ألقوا رجل في البحر لأن السفينة تغرق.
هل يمكن أن نحتج بقصة يونس عليه السلام في موقف مشابه؟ العلماء فرضوا هذه الصورة قالوا إذا كان قوم في سفينة ، وكانت الحمولة ثقيلة بحيث أننا لو القينا بعض الناس ، أي السفينة كان فيها ألف رجل , يمكن أن نلقي مائة رجل بحيث ننجي التسعمائة ، لا يمكن أن يقال نلقي بعض الناس أو واحد فقط في البحر من أجل نجاة الكثير ، ولا يحتج أحد بقصة يونس ، لماذا ؟ لأن في شرعنا ما يخالف هذا الفهم ، وهو قوله - صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم –: "المسلمون تتكافأ دماءهم " لأن الدماء معصومة بعصمة الإسلام فلا يجوز لك أن تهدر دم رجل لتحفظ دم رجل آخر إما أن يموتوا جميعًا ، وإما أن يحيوا جميعًا ، لا يجوز لك أن تعتدي علي دماء الخلق لأجل أن تنقذ دم آخر "المسلمون تتكافأ دماءهم " .
قال الإمام الطحاوي - رحمه الله -: ما أعلم بين العلماء خلافًا أن هذا الحديث خاص بالديات والقصاص والدماء ، إن جاء الأمير فقتل رجلاً من سواد الناس قُتل بهم لا يُقال هذا دم أمير ، وهذا دم فقير الدماء واحدة أمام الشرع ، لذلك لا يجوز لك أن تلقي برجل في الماء لتحفظ دم رجل آخر .
من الشريط الأول من الدروس المستفادة من حادثة الإفك لشيخنا أبي إسحاق الحويني حفظه الله وشفاه