الشعر العربي في العصور الراكدة
او المظلمة



بقلم فالح الحجية الكيلاني


الاوضاع السياسية والاجتماعية


التتر او المغول اقوام من اواسط اسيا ومن هضبة الصين وغربيها ومسكنهم الاصلي في مدن ياءجوج وماءجوج في الصين او هكذا يخيل الي تجمعوا بقيادة ملكهم هولاكو ضاقت عليهم سبل العيش في بلادهم فغزوا العالم
يتميزون بوحشية عنيفة وحب للقتل والموت ويفرحهم رؤية الدماء تسيل والارواح تزهق بين ايديهم قلوبهم قاسية قساوة الدهر عليهم فصبوا جام غضبهم وحقدهم على البشرية
قادهم هولاكو باتجاه الغرب فعاثوا في الارض فسادا الفساد والقتل والدمار حل في البلاد اينما توجهوا فنهبوا كل البلاد التي دخلوها من الهند الى مشارف البحرالمتوسط دمروا البلاد ونهبوها وقتلوا العباد واكثروا فها الفساد
فقد احتلوا كل الامارات والممالك بين بلادهم والبحر المتوسط بمافيها خوارزم وسمرقتدوبلاد ماوراء النهر وبلاد فارس والعراق والشام وكثير غيرها
دخل المغول بغداد سنة 656 هجرية و في هذا العام دخلها الخراب فاحرقوا الاموال و الممتلكات والمؤن وعاثوا في البلاد فسادا قتلا وتجويعا ودمارا وقد وصف المؤرخون ذلك خير وصف ولاحاجة لذكر مافعلوه فانه كله كان في الاخبار مسطورا
قيل ان من وحشيتهم احراق المكتبات والكتب ورميها في الانهر والشوارع والازقةوان دجلة النهر العظيم بقي سبعة اوعشرة ايا م تجري ماءا احمرا او اسودا لكثرة ما القي فيها من كتب ذابت احبارها وامتزجت بماء دجلة فتغيرت الوانها فاي وحشية هذه وكم من العلوم والاداب ذهبت وذابت فيها وراحت مع المياه
دامت الفترة المظلمة – كما يسميها المؤرخون- قرابة السبعة قرون من منتصف القرن السابع الهجري الى القرن الثالث بعد الالف هجرية حكم البلاد العربية المغول والفرس والترك العثمانيين وشكلوا دويلات كثيرة تقاتلت فيما بينها و اهالي البلاد واموالهم واحوالهم اصبحوا وقود هذه النار فدمرت كل مالديهم من ممتلكات واحرقت الحرث والنسل واشتد بالناس الفقر وغلب عليهم القحط حتى قيل ان الناس اخذت تنبش المزابل للبحث عن لقيمة لسد الرمق فاكلت الحيوانات النافقة او الميتة وبيعت الاعراض وهتكت جراء لقمة العيش
وكتب التاريخ خير شاهد على ذلك


الشعر في الفترة المظلمة او الراكدة


1- الشعر في العصر المغولي




استولى التتار المغول على البلاد وجثموا على رقاب الناس بعد ان اذاقوهم العذاب الشديد فقيد هذا الاستيلاء السنتهم واسكتها و جمد عقولهم و قرائحهم جمودا شديدا فلم ينبغ من الشعراء من يستحق الذكر في داخل مملكة التتار الا خارجها وخاصة في مصر وسوريا اذ لاتخلو البلاد الاخرى من شعراء مجيدين الاانه بالاجمال يمكن القول ان حالة الشعر اصابها الخمول او الجمود وان وجدت في شخصية معينة اوفي بلد ما فقد اصبح الشعر صناعة لفظية
من سمات هذا العصر ان اختلط الشعر بالادب وقلما ظهر شاعر الا جمع الشعر والادب لذا فقد الفت الكتب في الادب وجمع الشعر والنكات والحكم والمواعظ وابتذلت الصناعة الشعرية وانتشرت بين الناس فتبارى الناس بينهم على قول الشعرالمصنوع وحشرت الكلمات حشرا في قوالب الشعر وموازينه حتى اصبح الشعر يقال لقتل ساعات الفراغ وكثر الناظمون من اصحاب الحرف كالنجارين والخياطين والدهانين والعطارين وما اليهم وعلى العموم كان الشعر كاسدا ويقال للتسلية فقط فاذا نبغ شاعر ممن يقولون الشعر فلايجد اذنا صاغية اليه ولا يوجد من يشجعه اويسمعه من الخلفاء والامراء فيشحذ قريحته وليهجر مهنته لذا يبقى في مهنته وسبيل عيشه اضافة الى قوله الشعر اوقل نظمه الشعر واذا ظهر وان قرب احد الخلفاء او الملوك او الامراء شاعرا فانهم يقربونه ليؤلف لهم الكتب في التاريخ او الادب او العلوم الاسلامية وليست يقرب لشعره لذا فقد كسدت سوق الشعر
وفي هذا العصر ونتيجة للظروف القاسية التي المت بالشعراء فقد وجد ضرب من الشعر اقتضته تلك الظروف ونشأ من فساد اللغة الفصحى الذي استشرى نتيجة اختلاط اهل البلاد بالاعاجم فتولدت طبقة من الشعراء نستطيع ان نطلق عليهم المستعجمة عن اللغة العربية الفصحى لدخول الالفاظ العامية في شعرهم وبخلوه من الاعراب
في المغرب العربي في تونس والجزائر والمغرب اشتهرت طوائف من هؤلاء ويسمون قصائدهم الاصمعيات واهل مصر والشام يسمونها البدويات ومنها هذين البيتين \

تقول فتاة الحي سعدى وهاضها
لها في ظعون الباكين عويل

ايا سائلي عن قبر الزناتي خليفه
خذ النعت منى لا تكون هبيل

وقد تولدت ضروب من الشعر كثير ة منها المربع والمخمس الذي يلتزم فيه القافية الرابعة في المربع والخامسة في المخمس وكذلك ظهر ما يسمى عروض البلد وهو ضرب من الموشح كقول ابن عمير الاندلسي الذي هاجرالى المغرب وسكن مدينة فاس ونشر شعره \

ابكاني بشاطي النهر نوح الحمام
على الغصن في البستان قرب الصباح

وكف السحر يمحو مداد الظلام
وماء الندى يجري بثغر الاقا ح

فاستحسنه اهل فاس ونظموا على طريقته مع اغفال الاعراب او قواعد اللغة في نظمهم واختلفت الاسماء فيه مثل الكاري والملعبة والغزل ومن المزدوج قول شاعرهم ابن شجاع وهو من فحول شعرائهم \

المال زينة الدنيا وعز النفوس
يبهي وجوها ليس هي باهيا

فها كل هو كثير الفلو س
ولوه الكلا م والرتب العالية


وهذ النظم كثير الشيه بنظم العامة في الشام ومنها انتقل الى مصر ويقال له المواليا ومنها القوما والكان كان وغيره من الاسماء الاخرى و مثل الدوبيت ومنه قول الشاعر

طرقت باب الخبا قالت من الطارق
فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق

تبسمت لاح لي من ثغرها بارق
رجعت حيران في بحر ادمعي غارق


وكذلك ظهر التاريخ الشعري وهو ضبط تاريخ معين لواقعة او حادثة معينة يريد الشاعر ان يثبت تاريخها وخاصة في القرون المتاخرة من هذا العصر واستمر في العهد العثماني وكثر وهو اتخاذ من حساب الجمل والحروف اساسا في قيمةهذه الحروف الحسابية اذ وضع السريان والعبريون لحروفهم اقياما حسابية ونتيجة جمع هذه الحروف يظهر التاريخ المطلوب وهذا ما استخد مه اهل الحسا ب في صدرالاسلام كانوا يستخدمون الحروف العربية ويرموزون لكل حرف عدد معينا وهو ما استخدمه المنجمون بكثره في زمن الدولة العباسية ولاءيضاح ذلك - فان حرف الهمزة ا اتبتواله قيمة حسابية \ 1 والباء \2 والتاء\3
وهكذا ومنهم من استخدم حساب الجمل الصغير وحساب الجمل الكبير وهذا ما استخدمه اصحاب التنجيم والحظ والابراج والسحرة وغبرهم
ولايزال لحد هذا التاريخ موجودا فاذا ا ردت ان تعرف برجك ولا تعرف متى ولدت فما عليك الاان تقيد اسمك واسم امك وتحسب قيمة احرفهما جمعا ثم تقسم مجموع قيمة الحروف على 12 والباقي من خارج القسمة هو برجك واعتذر ان خرجت عن الموضوع قليلا فهوفقط للتسلية او الاستراحة


الشعر في العصرالعثماني

اصاب الشعر الوهن بل مات مثلما اصاب سائر الاداب العربية فاستولى الجمود على قرائح ا الشعراء وذلك لتوالي الذل والهوان على البلاد في هذه الفترةايضا الا انه وجد قلة من الشعراء المجيدين ومع ذلك كانت هذه الاجادة تقليدية ساروا بها على نهج الاقدمين من الشعراء يقلدونهم في الاساليب و المعا ني والالفاظ وكثر اهتمامهم باللفظ فقط حتى اصبح الشاعر لايهمه شيء الا التنميق في العبارة اوفي البيت الشعري لفظا فقط لذا كثر الجناس في الشعر والمطابقة والتورية وغيرها من المحسنات البلاغية اللفظية حتى خرج الشعراءعن المالوف فاضاعوا اوقاتهم في الركض اواللهاث وراء تنميق الالفاظ فذهبت المعاني الشعرية وتلاشت في تلك الاساليب الباردة واختلفت عن الامر الذي قصدت لاءجله فبعد ان كان الشعر المتين هو المرا د بالالفاظ التعبير عن المعاني وتصوير الافكار وما يعتمل في النفوس والافئدة بها اصبحت الشغل الشاغل للشعراء والادباءفي هذا العصر فاهتموا بتنميق اللفظ المقال على حساب المعنى المراد
فاضاعوا المعا ني وهبط الكلام

ولي عود انشاء الله تعالى
-

فالح الحجية الكيلاني
موقع اسلام سيفلايزيشن


****************************** ********************