القول البهي في الرد علي شبه كلمة بري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


كلمة "بريئا " اختلف القراء في جواز إبدالها لأبي جعفر ويلزم من هذا الإبدال إدغام الياء في الياء ووجه الإدغام أنكره قوم ، ورضيه قوم ، وتوقف فيه قوم ، وكلٌ يدّعي الحجة والدليل .
فذهب الشيخ الزيات وصاحب فريدة الدهر والشيخ عبد الرزاق علي موسي ود/ أيمن سويد والشيخ الزغبي ـ رحم الله ميتهم وحفظ حيهم ـ إلي منع الإدغام .
وذهب آخرون إلي جواز هذا الوجه منهم الشيخ النشار(ت938) والعلامة الإبياري (كان حيّا عام1250) والشيخ محمد عبد الرحمن البنا ( كان حيّا عام 1291) والشيخ أحمد المعصراوي ـ كما في مصحفه " مصحف الكامل المفصل " ـ جمال شرف كما في ـ مصحف الصحابة فى القراءات العشر ـ وكذا الشيخ المقرئ المعمَّر: إسماعيل عبد العال أحمد وغيرهم من مشايخنا الكرام .
تحرير محل النزاع :
المانعون يمنعون الإدغام لأبي جعفر بتمامه ، وليس لراوٍ من الرواة ، بل وذهبوا إلي عدم ثبوت هذه الكلمة في قراءة أبي جعفر من النشر .
المجيزون يجوزن الإدغام للإمام أبي جعفر ويلحقون كلمة "برئيا" بأخواتها "برئ ـ بريئون " .
قال صاحب فريدة الدهر حيث يقول: "وليس في (بريئاً) إبدال الهمز لأبي جعفر للتقييد بـ(بريء) و(بريئون)، ولم يذكر (بريئاً)، وقد ناقشت المقرئ فقرر ذلك عند القراءة، وهي سنة متبعة، وكذلك في النشر لم يُذكر". وذكر أيضا أن "هنيئا " مقيدة بـ "مريئا" فليس في " هنيئا بما كنتم تعملون" إبدال ) اهـ.2/492
و سأل بعض الطلبة فضيلة الدكتور أيمن سويد عن الخلف الذى ذكره العلامة الإبيارى فى متنه المذكور آنفًا فبين أن الهمز مذهب أبى جعفر وأن الإبيارى أخطأ و هذا أيضًا رأى فضيلة الشيخ محمد تميم الزعبى حفظه الله .) وهذا مانقل عنهما ـ حفظهما الله ـ

حجة المانعين للإدغام :
قد نقلت سابقا ما قاله صاحب الفريدة من أن ابن الجزري قيد "برئ ـ بريئون " فقط ولم يذكر "بريئا " وكذا استدلوا بما قاله ابن الناظم والنويري والأزميري وغيرهم ـ رحمهم الله ـ كما سيأتي .
وفي الحقيقة هذا الكلام كله من المانعين رجمٌ بالغيب ، ونظرة غير صائبة ، وفهم عجيب .
وبالنظر لأقوال من استدلوا بهم لا يوجد فيه ما يطلبونه ، إذ الخطب بعيد جدا .
قال ابن الجزري في النشر : .... :"وإن كان الساكن قبل الهمزة ياء فقد اختلفوا فى ذلك فى "النسئ" وفى "برئ" وجمعه و"هنيئًا" و "مريئًا" و"كهيئة" و"ييأس" وما جاء من لفظه فأما "النسئ" وهو فى التوبة فقرأ أبو جعفر وورش من طريق الأزرق بإبدال الهمزة منها ياء وإدغام الياء قبلها فيها وقرا الباقون بالهمز وانفرد الهذلى عن الأصبهانى بذلك فخالف سائر الرواة والله اعلم .
وأما (بريء وبريئون) حيث وقع (وهنيئاً ومريئاً) وهو في النساء ، فاختلف فيها عن أبي جعفر فروى هبة الله من طرقه والهذلي عن أصحابه عن ابن شبيب كلاهما عن ابن وردان بالإدغام كذلك وكذلك روى الهاشمي من طريق الجوهري والمغازلي والدوري كلاهما عن ابن جماز وروى باقي أصحاب أبي جعفر من الروايتين ذلك بالهمز وبذلك قرأ الباقون)ا.هـ صـ302
وقال ابن الجزري فى تقريب النشر:"وإن كان الساكن ياء فاختلفوا ،منه فى "النسئ " فى التوبة فأبو جعفر وورش من طريق الأزرق بالإبدال والإدغام فيصير ياء مشددة .
وانفرد الهذلى بهذا عن الأصبهانى وفى "برئ" و"بريئون" حيث وقعا وفى "هنيئًا"و"مريئ ا" فأبو جعفر عنه من الروايتين بالإدغام كذلك
وفى كهيئة فى آل عمران والمائدة فاختلف عن أبى جعفر أيضًا فى إدغامه كذلك وانفرد الحنبلى عن هبة الله عن ابن وردان بمد الياء توسطًا كالأزرق فى أحد وجهيه والباقون بالهمز فى ذلك كله"أ.هـ تقريب النشرصـ66ـ.
وقال الإزميرى رحمه الله فى تحرير النشر:

"424-وقرأ "هنيئًا مريئًا" بالإدغام من غاية ابن مهران وبالإدغام لابن جماز من المصباح وللحنبلى من الإرشاد.
425-وقرأ "برئ" و"بريئون" بالإدغام من غاية ابن مهران وللحنبلى من الإرشاد .
426-وقرأ بالهمز فى "هنيئًا" و"مريئًا" و"برئ" و"كهيئة" من الروضة.
427-وقرأ "كهيئة بالإدغام من غاية ابن مهران والشطوى بالادغام والحنبلى بأدنى مد والنهروانى بالتحقيق من الإرشاد."أ.هـ تحرير النشر صـ272ـــ.




والمتأمل في استدلالهم يعجب كيف أخذوا منع " بريئا " ولم ينص أحد علي منعه ، بل غاية ما ذكروه أنهم تمسكوا باختصار ابن الجزري لباب "برئ " واكتفائه بذكر كلمتين فقط "برئ وبريئون" وسكت عن " بريئا " .
ولو تأملنا ما قاله صاحب الفريدة :..وذكر أيضا أن "هنيئا " مقيدة بـ "مريئا" فليس في " هنيئا بما كنتم تعملون" إبدال )ا.هـ نجد أن هذا القول حجة عليه لا له ، لقد قال ابن الجزري : (وهنيئاً ومريئاً) وهو في النساء" أي قيد " هنيئا " بسورة النساء فيخرج غيرها تلقائيا ، بينما عبارته الأولي يقول فيها : (بريء وبريئون) حيث وقع) فحيث وقع كلمة مطلقة غير مقيدة ، ويوضحها لك أكثر ما قاله ابن الناظم في شرحه للبيت "هيئة أدغم مع بري هني مري .." حيث قال : أي أدغم هيئة من قوله تعالي " كهيئة الطير " من آل عمران والمائدة مع "بري" حيث أتي ، مريئا وهنيئا أبو جعفر بخلاف عنه في الأربعة ..)ا.هـ 106
انظر كيف أطلق "بري" ولم يذكر جمعا ولا غيره دلالة علي أن مفهومه من كلام أبيه الإطلاق وليس المفرد والجمع فقط .

أما ما قاله الأزميري فإثبات للقائلين بالإدغام وليس كما ظن المانعين وقال الإزميرى رحمه الله فى تحرير النشر: وقرأ "برئ" و"بريئون" بالإدغام من غاية ابن مهران وللحنبلى من الإرشاد .
426-وقرأ بالهمز فى "هنيئًا" و"مريئًا" و"برئ" و"كهيئة" من الروضة.."أ.هـ تحرير النشرصـ272ـــ.
فهو يثبت الإدغام من كتاب الغاية لابن مهران ، وإليك نص الغاية : وزاد يزيد (يقصد أبا جعفر واسمه يزيد ابن القعقاع المخزومي المدني) ترك المز من قوله " بري ، بريا ، بريون، هنيا ، مريا ....)ص49
وهذا نص صريح من ابن مهران بزيادة وجه الإدغام مع وجه الإظهار ، وما ذكره ابن مهران زيادة بيان عما تركه غيره من الذاكرين لباب "برئ" .
قال ابن الجزري : " طريق ابن مهران وهي الخامسة عنه من كتاب الغاية له وقرأ بها ابن مهران والوراق والخبازي وابن العلاف والنهرواني على أبي القاسم زيد بن علي بن أحمد بن محمد بن أبي بلال البزاز الكوفي وقرأ بها على أبي بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني وقرأ بها على أبي بكر أحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب الرازي، فهذه أربع وعشرون طريقاً لابن شبيب.)ا.هـ
أي أن كتاب الغاية مما أسنده ابن الجزري في النشر ، وإن تجوَّزنا في القول وقلنا : إن طريق الغاية طريق لابن وردان وليس ابن جماز .
الجواب : أنتم تمنعون الإدغام لأبي جعفر بكماله ، ولم تخصصوا راويا من الراويين ، وقد جزم ابن الجزري لأبي جعفر بالوجهين . فليس أمامكم إلا التسليم !!.
وقال صاحب كتاب المبسوط : وزاد أبو جعفر ترك الهمز من قوله تعالي "ثم يرم به بريئا " "وأنا بري " "وأنتم بريون" وهنيا مريا " ....)ا.هـ 52
ما ذكره صاحب المبسوط لا يحتاج إلي كثير نظر ولا إلي طول كلام .
وقد يحتج البعض بأنه ليس من طرق النشر .
الجواب : ما ذكره من باب الأمثلة ، ويعضده قول صاحب الغاية ، وقد تقدم أن ابن الجزري لم ينف دخول "بريئا" بل أطلق القول في "برئ" وقيده من بعدهم من تلقاء أنفسهم .
فهؤلاء من سبقوا العلامة ابن الجزري ، ولم يأت احد منهم بواحد ينفي أن " بريئا " خارج من باب "برئ " فما قول الذين جاؤوا بعد ابن الجزري ؟
قال النشار (توفي عام 938 هـ) : قوله تعالي " خطيئة " قرأ أبو جعفر بخلاف عنه بإبدال الهمزة ياء وإدغام الياء في الياء وكذا يفعل حمزة في الوقف ،والباقون بالهمزة .
قوله تعالي " بريئا" : مثل خطيئة .))
ا.هـ ص78 طبعة دار الصحابة .
ومعني قوله " بريئا" : مثل خطيئة .. أي قرأ أبو جعفر بخلاف عنه بإبدال الهمزة ياء وإدغام الياء في الياء وكذا يفعل حمزة في الوقف ،والباقون بالهمزة .
قال الإبيارى فى متنه منحة مولى البر بما زاده النشر فيما زاده كتاب النشر للقراء العشر على الشاطبية والدرة فقال فى باب الهمز المفرد:
وأدغم هنيئًا وبريئًا ومرى****ثبت وها أنتم بمد زر جرى ))ا.هـ
والشيخ محمد عبد الرحمن البنا ( كان حيّا عام 1291) قال في منظومته (الكوكب الدري ..زيادات علي التسير والشاطبية ) :
هنيئًا مريئا مع بريئًا برئ ادغم **** بريئون ثق خلفا كهيئة في كلا )
ا.هـ من كتاب مجموعة من المتون المهمات للشيخ جمال السيد رفاعي ص 155
وبهذه الأدلة تنجلي هذه الشبهة ، ويظهر الحق الذي لا مرية فيه وهو جواز الوجهين في "ثم يرم به بريئا " .

وأقول أيضا : إذا كان المثبت أولي من النافي ، فما بالك إذا كان هناك إثبات ولم يكن هناك نفي ؟!!!
هذا ما من الله به علينا وأسأل الله السلامة من الزلل ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين .
والحمد لله رب العالميـــــــن
أبو عمر عبد الحكيم