ورجائي أن يتفضّل بنقلها إلى هذا الموضوع، وأن يتفضّل أيضًا بإضافة ما فتح الله عليه به من نظائرها.
أبشر!
(1)
ما أعجب المصادفات!
بعيداً عن الجدل، ولكن في صميم الموضوع!
كنتُ أحضرتُ طبعات الأسرار إلى غرفة الجلوس لأجل هذا الموضوع، فلما نظرت في ص 391 من طبعة الشيخ لأجل كلمة (يهرف)، وجدتُ أنني استدركت بقلمي شيئاً على الشيخ في الصفحة التي بعدها 392 !
فلننظر ما هو!
استشهد عبدالقاهر بقول الشاعر:
أتيناهمُ من أيمن الشقّ عندهم *** ويأتي الشقيَّ الحَيْنُ من حيث لا يدري
فكتب الشيخ في الحاشية: غاب عني موضعه وقائله.
وكتبتُ أنا في أيمن الصفحة: شتيم بن خويلد الحيوان 5/516
والشيخ يخرِّج الأشعار أحياناً بمثل هذه العبارة، فيقول: أذكر البيت ولا أعرف مكانه.
فبدا لي، والحاسوب أمامي، أن أمتحن علم الشيخ وتحقيقه وتخريجه وذاكرته!
كما امتحنوا حفظ البخاري!
فلعل الشيخ توهَّم أن البيت نادر وهو مشهور سائر!
أو غاب الموضع عنه وهو يوجد في عشرات المواضع!
وليس لهذا الامتحان موضع أحسن من هذا المقام!
فلم أجد في (موسوعة الشعر العربي)، وفيها أمهات كتب التراث، مورداً لهذا البيت إلا كتاب الحيوان!
فرحم الله أبا فهر، وبرَّد مضجعه، وأسبغ عليه شآبيب الرحمة والرضوان!
كأنما زُويت له كتب التراث، أو جُمعت له في ذاكرته، فعلم أن البيت إنما يوجد في موضع واحد، ولم يذكر ما هو!
وهذا ما تيسر من الإضافات
(2)
قال الشيخ شاكر في حاشية الأسرار 206، معرِّفاً بشاعر:
... هو أبو الحسن العلوي الحماني ...
فانظر كيف اختصر كلاماً طويلاً في كلمتين!
وقارن صنيعه بمن يكتب الحاشية الواحدة في عدة صفحات،
والغالب أن تكون من فضول الكلام الذي لا يحتاج إليه المتن!
بنو حمِّان بطن من بني تميم، نُسب إليهم هذا الشاعر العلوي لنزوله فيهم، واشتهر ذلك حتى صار يعرف بالحماني كأنه تميمي!
فجمع الشيخ له النسبتين، كأنه يكتب بالشفرة!
(3)
قال عبدالقاهر (ص 382): كقول أبي دلامة يصف بغلته:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا *** برجليها وتخبز باليمينِ
فكتب الشيخ:
لم أقف عليه في شعر أبي دلامة في بغلته، وهي التي سماها بالشهباء. والذي في المخطوطة والمطبوعتين "باليمين"، وكلام الشيخ [عبدالقاهر] يدل على أنه "باليدَيْنِ"
قول الشيخ "لم أقف عليه": اتضح من الحاسوب أن البيت لا يوجد إلا في الأسرار (وهو في إيضاح القزويني نقلاً عن الأسرار بالتأكيد)
منهج أكثر المحققين هو تصحيح الشعر بناء على ما يفهم من شرح المصنف، ولا سيما مع تثنية الرجلين. وهو أيضًا منهج الأستاذ شاكر في كثير من تحقيقاته. فلو فعل لكان معذوراً ما دام أن الشعر لم يرد في كتاب آخر. ولكنه أدرك بذوقه المرهف أن ورود القوافي بلفظ المثنى قليل في الشعر، وأن "اليمين" - على ما فيها - أسلس لفظاً، فتركها كما في الأصل!
لم يفطن جامع شعر أبي دلامة إلى الاحتمال الذي أشار إليه شاكر، مع أنه منصرف إلى ضبط شعره القليل! وفطن إليه شاكر على كِبَر كتاب الأسرار واختصار التعليق إلى الحدّ الأدنى!
(4)
من مطربات التحقيق ما رواه الدكتور محمود الطناحي رحمه الله، في كتاب (مدخل إلى تاريخ نشر التراث 315 ):
وقفا [المحققان: أحمد أمين وأحمد الزين] في قول أبي حيان [الإمتاع والمؤانسة 1/35] في وصف مسكويه : " فقير بين أغنياء ، وغبي بين أنبياء ". وواضح أن هذه الجملة الثانية غير مستقيمة، فما هي الصلة بين الغباوة والنبوة؟! وانقضى المجلس دون أن يصلا في العبارة إلى حل.
فلما كان الغد أقبل الشيخ الزين متهللاً فرحًا قائلا : وجدتها ! لا بد أن يكون : عَيِيٌ بين أَبْيناء!
وإن تعجب فعجبٌ أن الشيخ أحمد الزين هذا كان كفيف البصر ، وصدق أحكم الحاكمين : ( فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) " .
بارك الله فيك، وشكر لك طرح هذا الموضوع!
فطالما قرأنا عن إساءات المحققين دون إحسانهم!
وإن جاز لي أن أقترح، فليكن العنوان:
من إحسان المحققينّ