تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: درر عقدية تيمية (2): لماذا إذا نفى أهل العلم أن يشرك أحد بالله خصوا الأنبياء بالنفي؟

  1. #1

    Post درر عقدية تيمية (2): لماذا إذا نفى أهل العلم أن يشرك أحد بالله خصوا الأنبياء بالنفي؟

    لماذا إذا نفى الأئمة أن يشرك أحد بالله خصوا الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام بالنفي؟
    قال شيخ الاسلام في الرد على البكري( ص230-235):
    إذا كان النفي لا يصلح لمخلوق فذكرتَ الأنبياء والملائكة على سبيل تحقيق النفي العام؛ كان هذا من أحسن الكلام وكان هذا من باب التنبيه كما يقال: لا تجوز العبادة إلا لله تعالى لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل؛ فينبه بنفيها عن الأعلى على انتفائها عمن هو دونهم بطريق الأولى
    وكذلك إذا كان المخصوص بالذكر ممن قد حصل فيه غلو كما يقال: ليس في الصحابة معصوم لا علي ولا غيره وليس في النبيين إله لا المسيح ولا غيره؛ فهذا أحسن
    فالمخصص إذا كان فيه فائدة مطلوبة كان حسنا، ومنه قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى)
    فنفى سبحانه أن تغني شفاعة الملائكة الذين في السماء إلا من بعد إذنه تنبيهاً بذلك على أن من دونهم أولى أن لا تغني شفاعتهم؛ فإن المشركين كانوا يقولون عن الأصنام إنها تشفع لهم؛ قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون)
    ولا يجوز أن يكون الكلام تنقيصا بالملائكة ولذلك قال تعالى: ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبرفسيحشرهم إليه جميعا)؛ فإنه لما كان الكلام في إثبات توحيد الله تعالى والنهى عن الغلو في الدين الذي فيه تشبيه المخلوق بالخالق قال: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) بعد أن قال: (إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)
    وقال في الآية الأخرى: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) الآية فنسبه إلى أمه- وهذا قد جرى في القرآن في غير موضع- فنسبه إلى أمه؛ لينفي نسبته إلى غيرها؛فلا ينسب إلى الله تعالى أنه ابنه ولا إلى أب من البشر كما زعمت النصارى الغالية فيه ولا كما زعمت اليهود الكافرة به
    وأبلغ من هذا قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا)؛ فذكر أهل الأرض جميعا وخص المسيح وأمه بالذكر من أنه إن أراد إهلاكهم لن يملك أحد لهم منه شيئا؛ لأن المسيح وأمه اتخذوا إلهين كما قال تعالى: (وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله)؛ فكان التخصيص بالذكر لينفي هذا الشرك و الغلو الذي وقع في المسيح وأمه ولم يكن ذلك من باب التنقيص بالمسيح و أمه، بل كان التخصيص لأجل أن الكلام وقع في ذلك المعين؛ فالتخصيص للحاجة إلى ذكر المخصوص و العلم به أو لأجل التنبيه به على ما سواه ، و لهذا لا يكون التخصيص في هذا مفهومه مخالفة بنفي نقيض الحكم عن ما سواه و حتى الذي يسمى دليل الخطاب للتخصيص؛ لم يكن للاختصاص بالحكم
    وقال تعالى: ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)؛ فتخصيص الملائكة و النبيين بالذكر تنبيه على من دونهم فإنه أن لا يأمر باتخاذ الصالحين أربابا بطريق الأولى
    ومن هذا الباب: قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح: " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه و فضل" فكان تخصيصه بالذكر لتحقيق العموم وإن هذا النفي يتناول أفضل الخلق فلا يظن أحد غيره أن يدخل الجنة بعمله
    و كذلك قوله في الحديث الصحيح: " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة وقرينة منه الجن قالوا و إياك يا رسول الله قال و إياي إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم" و منه قوله تعالى: ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين)؛ فذكر هذا الوعيد في الملائكة و خصهم بالذكر تنبيها على أن دعوى الإلهية لا تجوز لأحد من المخلوقين لا ملك ولا غيره و أنه لو قُدّر وقوع ذلك من ملك من الملائكة لكان جزاؤه جهنم فكيف من دونهم و هذا التخصيص أفرد الله تعالى بالإلهية
    ومنه قوله تعالى في الأنبياء: ( ومن آبائهم و ذرياتهم و إخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)؛ والأنبياء معصومون من الشرك ولكن المقصود بيان أن الشرك لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله فكيف بغيره
    وكذلك قوله لنبيه عليه الصلاة و السلام: ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)؛ مع أن الشرك منه ممتنع لكن بين بذلك أنه إذا قدر وجوده كان مستلزما لحبوط عمل المشرك وخسرانه كائنا من كان، وخوطب بذلك أفضل الخلق لبيان عظم هذا الذنب لا لغض قدر المخاطب كما قال تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين)؛ ليبين سبحانه أنه ينتقم ممن يكذب في الرسالة كائنا من كان وأنه لو قدر أنه غيّر الرسالة لانتقم منه والمقصود نفي هذا التقدير لانتفاء لازمه
    وكذلك قوله تعالى: ( أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته)، وفي الحديث المعروف: "إن الله تعالى لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم" ؛فهذا من بيان عدل الرب سبحانه وتعالى وإحسانه وتقصير الخلق عن واجب حقه حتى الملائكة والأنبياء وغيرهم وأنه لو عذبهم لم يكن ظالما لهم فكيف بمن دونهم، وهذا باب واسع انتهى.


  2. #2

    افتراضي رد: درر عقدية تيمية (2): لماذا إذا نفى أهل العلم أن يشرك أحد بالله خصوا الأنبياء بالن

    رحم الله تعالى شيخَ الإسلام ابنَ تيميَّة
    جزاك الله خيراً

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •