بداية النصر... في صفات الطير؟!!
بقلم /أحمد زكريا عبداللطيف
- لقد تأملت كثيراً في حال أمتنا وما تتوالى عليها من نكبات ومصائب... ونظرت إلى كثرة المصلين والمتصدقين والرافعين الأيدي بالدعاء والرجاء ، فإذا هم كثر... فتساءلت فأين تكمن المشكلة ، وما هي المفاتيح الحقيقية التي أغفلتها الأمة في عمومها حتى يتخلف النصر والتمكين... ويتسلط علينا الأراذل والسفلة من الناس... فإذا بي مع بعض التأمل والنظر في آيات القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.. أقول لنفسي :إن أمتنا تحتاج إلى قلوب قبل الأبدان .. إلى بصيرة قبل الإبصار،إلى إنصات واستماع واستجابة قبل الأسماع .
- ولقد حرك في نفسي كل هذه المعان ، وأنا أتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير".
- وهذا الحديث العجيب البليغ الذي يعد من جوامع الكلم النبوي... قد وقفت معه قديما ً أيام محنة الاعتقال... وكان مشايخنا قد وضعوا لأبناء الجماعة الإسلامية منهجاً علمياً وتربوياً رائعاً... حتى لا تؤثر فيهم عوادي المحنة ومصاعب وآلام السجن وما أكثرها.
- وكان من ضمن هذا المنهج المبارك حفظ حديث صحيح يومياً،وتسميع تلك الأحاديث آخر الأسبوع... وعمل المسابقات المستمرة في القرآن والسنة... وهذه وربي كانت من حسنات المحنة - فقد أتينا على حفظ سنة النبي- بعد حفظنا المتقن للقرآن-.. وكنا نحفظ كل ما تيسر لنا.. بداية من الأربعين النووية، ومرورا برياض الصالحين، واللؤلؤ والمرجان، وانتهاء بالصحاح والسنن.
-فوقفت متأملاً في كلمات هذا القبس النبوي الشريف ، وقلت لماذا شبه النبي هذه القلوب بأفئدة الطير... وتذكرت كلام شيخنا الدكتور ناجح إبراهيم ، وهو يشرح لنا خواطره حول بعض آيات القرآن... وبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم،وكانت تحت عنوان إيمانيات... وأتمنى لو فرغ الدكتور بعض وقته لهذا الجانب... وأمتعنا به على صفحات الموقع... أو أخرجه في كتاب ففيه خير كثير ونفع عميم للأمة جميعاً.. نسأل الله أن يبارك في علمائنا - فكان من القواعد التي تعلمناها من مشايخنا في هذا الباب، أن الكلام طالما صح لغة، وينضوي تحت الأصول العامة للشريعة، فكل المعاني التي يحويه اللفظ لها وجاهتها وأثرها في إثراء المعنى للنص.
- وإذا تأملت معي أيها القارئ الكريم - رحمك الله - في تعبير النبي صلى الله عليه وسلم:"أفئدتهم مثل أفئدة الطير"
- فهل هذه القلوب مثل أفئدة الطير في صغر الحجم... فلا مكان فيها لغير الخير، أم هي كما يقول النووي رحمه الله : ( شرح صحيح مسلم للنووي 17 177).
- قوله صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير... قيل مثلها في رقتها وضعفها... كالحديث الآخر:"أهل اليمن أرق قلوبا ً وأضعف أفئدة"... وقيل في الخوف والهيبة والطير أكثر الحيوان خوفا ً وفزعا كما قال الله تعالى" إنما يخشى الله من عباده العلماء"... وكان المراد قوم غلب عليهم الخوف كما جاء عن جماعات من السلف في شدة خوفهم وقيل المراد متوكلون.. والله أعلم)
- والنووي رحمه الله يشير إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا ً ،الإيمان يمان والحكمة يمانية" أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
- ويقول النووي معلقا على هذا الحديث :( والمعنى أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الشدة والقسوة والغلظة)
- والشاهد من كل ذلك بيان أن هناك علاقة ، بين الرقة و الإيمان والحكمة والفقه،ولهذه الرقة النابعة من الإيمان سمات كثيرة،وإليك بعضها.
أهم سمات الرقيق
- وهي تشمل كل المؤمنين رجالاً ونساءً، وشباباً وأطفالاً وهي:
- سرعة التأثر وسرعان ما تذرف العين.
- سرعة الاستجابة للحق.
- سرعة الاتعاظ والتذكير ، وكره الظلم بشدة.
- مراعاة مشاعر الغير واحترامها والاجتهاد في التلطف والحذر في أن يمسها بسوء.
- التفاعل مع من حوله والاهتمام بمشاعرهم فرحا وحزنا.
- التفكير في الآخرين، فإذا عجز عن مد يد العون، فلا أقل من أن يحمل همهم في قلبه وعقله.
- وهذه الصفات العامة التي يتسم بها أصحاب القلوب الرقيقة ، والتي هي كأفئدة الطير،لها ضوابط مهيمنة،ومن أبرزها:
- لين من غير ضعف ، وقوة من غير عنف ،أي هيبة أو حزم من غير شدة... ثقة بالنفس من غير غرور أو تكبر.
- أن يحب ويبغض ويعطي ويمنع لله... ردود أفعاله ينبغي أن تكون متزنة دون إفراط أو تفريط... وفقا للضوابط الشرعية.
- كذلك من أعظم المعاني في هذا الحديث أن صفة التوكل من أعظم ما نتعلمه من الطير، فالطير تحقق التوكل الكامل والصادق ، فلا أسباب لها تعتمد عليها إلا السعي، لذلك على الأمة أن تعلم أنه كلما تحققت في القلب منزلة التوكل ،كلما تحققت الكفاية من الله والنصرة لهذه الأمة،وتأمل معي في قوله تعالى:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه ".
- فهي معادلة كلما زاد التوكل زادت الكفاية والحماية... وكلما قل التوكل الحقيقي قلت الكفاية... وتخلف النصر... ووكلنا الله إلى أنفسنا وأعدائنا... فعلى عموم الأمة - ونحن من أولهم،أعني أبناء الحركة الإسلامية - أن تعيد حساباتها في قضية التوكل.
- وهذا المعنى جاء واضحا جليا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب،فيما رواه الترمذي:" لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ".
- فأزمة الأمة الحقيقية في حسن التوكل على الله عز وجل... وهو أمر في غاية الأهمية... فعلى الدعاة والأئمة،والمصلح ين والمفكرين،أن يحيوا في الأمة معاني التوكل الحقيقية... مع الأخذ الأسباب الممكنة و المتاحة... لأننا لا نشك بحال في كفاية الله لعباده المؤمنين،وقد قال سبحانه:"أليس الله بكاف عبده".
- وفي قراءة:"عباده"،فإ ا تخلفت هذه الكفاية... فلابد أن نعيد حساباتنا في مسألة التوكل على الله سبحان في كل قضايانا... لأن التاريخ يؤكد أنه إذا تحقق التوكل كان النصر... وما يوم حمراء الأسد ببعيد:"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ".
- ومعارك المسلمين في القديم والحديث شاهدة على ذلك... فكلما تعلقت القلوب بربها... وتمسكت بدينه... وأقامت شريعته... ولم تلتفت إلى الأسباب المادية كأسباب فاعلة بنفسها... بل تيقنت تمام اليقين أن الله ينصر بالسبب وبعكس السبب وبغير السبب... كل ذلك تحتاج الأمة إلى تعلمه من الطير... فتتحقق السعادة الأخروية... والعز والتمكين في الدنيا.
- وما أجمل أن نضع هذا الحديث أساسا ً لحياتنا،ونتعلم من الطير هذه الصفات الرائعة... ونحن نردد دائماً: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير".