من قصيدة أبي صخر الهذلي يقول فيها
أَمَا وَالَّذِي أَبْكَى وَأَضْحَكَ وَالَّذِي
أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالَّذِي أَمْرُهُ الْأَمْرُ
لَقَدْ تَرَكَتْنِيَ أَغبَطُ الْوَحْشِ أَنَّ أَرَىَ
أَلِيْفَيْنِ مِنْهَا لَا يُرَوِّعَهُمْ الزَّجْرُ
إِذَا مَا ذُكَرْتَ يَرْتَاحُ قَلْبِيْ لِذِكْرِهَا
كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُوْرُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ
تَمَنَّيْتُ مِنْ حُبِّيْ عُلَيَّةَ أَنَّنَا عَـلَىَ
رَمْسِ فِيْ الْشَّرْقِ لَيْسَ لَهُ وَفْرٌ
تَكَادُ يَدِيَ تَنْدَى إِذَا مَا لَمَسْتُهَـا
وَتَنْبُتُ فِيْ أَطْرَافِهَا الْوَرَقُ الْخُضْرُ
وَصَلَتُكِ حَتَّىَ قِيَلَ لَا يَعْرِفُ الْقِلَى
وَزُرْتُكِ حَتَّىَ قِيَلَ لَيْسَ لَهُ صَبْرٌ
فَيَا حُبَّهَا زِدْنِيْ هَوَىً كُلِّ لَيْلَةٍ
وَيَا سَلْوَةٌ الْأَيَّامِ مَوْعِدُكِ الْحَشْرُ
عَجِبْتُ لِسَاعِيّ الْدَّهْرِ بَيْنِيْ وَبَيْنَهَا
فَلَمَّا انْقَضَىَ ما بيننا سَكَنَ الْدَّهْرُ
قصيدة جميلة طويلة ومعروف عن الهذليين أنهم يقولون الشعر في أجزل ما أنت سامع ، لما وصل أبو محمد عبد الله بن بري إلى البيت الذي يقول:
تَكَادُ يَدِيَ تَنْدَى إِذَا مَا لَمَسْتُهَـا
وَتَنْبُتُ فِيْ أَطْرَافِهَا الْوَرَقُ الْخُضْرُ
ضحك ثم قال هذا البيت كان سبب تعلمي العربية ، قيل له وكيف ذلك ، قال: رأى أبي قبل أن أولد أن في يده رُمحًا وعلى رأسه قِنديل ، وقد وُضع هذا الرمح أو غُرس هذا الرمح في صخرةٍ في بيت المقدس فصادف أن جاء ظافر الحداد وبن أبي حصينة وكلاهما مشهور بالأدب ، فجاء الدكان عند أبي ، فقال أبي ، وذكر أبيات أبي صخر ، فلما وصل إلى هذا البيت قرأه هكذا.
تَكَادُ يَدِيَ تَنْدَى إِذَا مَا لَمَسْتُهَـا
وَتَنْبُتُ فِيْ أَطْرَافِهَا الْوَرَقُ الْخُضْرِ
الْخُضْرِ وليس الخُضرُ ، فضحك منه للحنه ولغلطه ، قال أبو محمد فلما بلغت خمسة عشر سنة قال أبي يا بني إني أريد أن تحقق لي أمنية ، وذكر له الحكاية ، فقال أبو محمد: أي علم تريدني أن أتعلم ؟ قال: تعلم العربية حتى تعلمني فلا أقع في اللحن .قال: فتعلمت العربية وكنت أذهب إلى أبي بكر بن السرَّاج أحد أئمة العربية الكبار اسمه محمد بن عبد الملك أتعلم منه ثم أرجع إلى أبي فأعلمه ،.هذا خطأ وقع فيه ، لحن وقع فيه ، وهذا اللحن صادف ابنًا وفيًا لأن الولد ما تعلم ما يريد ، إنما أراد أن يعين أباه ، أبوه يريد أن يتعلم العربية ، وقع في لحن أو وقع في معرة اللحن ، فقال الابن البار لأبيه أي علم تريدني أن أتعلم ؟ ، ولذلك بورك له فيه بدعوة أبيه ، لأن أباه كان يدعوا له كما قلت في مطلع الكلام حتى صار إمامًا منقطع القرين في زمنه تُشد إليه آباط الإبل لتعلم اللغة العربية على يديه ,حتى أنه إذا ذُكر كتاب سيبويه يُذكر أبو محمد بن بري – رحمه الله- لأنه كان قيمًا بهذا الكتاب مع ما يعرفه أهل العربية من صعوبة هذا الكتاب حتى أن رجلًا أتى أبا العباس بن المبرِّد فقال له( إني أريد أن أقرأ عليك كتاب سيبويه ، قال: أي بني هل ركبت البحر ، )وكان البحر مرعبًا عند العرب ، أي يريد أن يقول له: إن كتاب سيبويه ، إن الذي يريد أن يتعلم كتاب سيبويه ليس لنا معه طوق نجاة سوف يغرق .
حرف من اللحن صير رجلًا إمامًا : وأنا إنما أضرب مثلًا بهذه الحكاية حتى أستثير نخوتك ومروءتك ، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالديانة كما بدأت كلامي ، يقول النبي- صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزيد:" إِنِّيَ أَخْشَىْ عَلَىَ كِتَابِنَا " فيتعلم زيدٌ لغةً غير لغته في خمسة عشرة يومًا ، حتى صار قيمًا به .
من الشريط الثاني من الباعث الحثيث للشيخ أبي إسحاق الحويني