تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: وجوه الإعجاز في الفاصلة القرآنية

  1. #1

    افتراضي وجوه الإعجاز في الفاصلة القرآنية

    وجوه الإعجاز في الفاصلة القرآنية

    بقلم/ أحمد زكريا

    أثار البعض كثيراً من الشبهات حول الفاصلة القرآنية.. فقد تساءل بعضهم:

    ما العلاقة بين الآية القرآنية ونهايتها؟

    ويقولون إننا لا نرى كبير ارتباط بينهما.. فقد يكون الحديث في الآية حول فكرة.. وتأتي الفاصلة بفكرة أخرى.. فلا نجد ارتباطاً بين الأولى والثانية.. أو بين المقدمة والنتيجة.

    ولذلك نسوق هذا المقال لهذه الفئة المتسائلة.. وكذلك نسوقها لعموم المسلمين ليروا وجها من وجوه الإعجاز في هذا الكتاب الخالد:

    (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)

    قال د/ فضل عباس:

    "الفواصل هي أواخر كلمات الآي كالقافية آخر كلمات البيت.. وكالسجعة في الكلام المسجوع.. وقد أطلقوا على آواخر آي القرآن فواصل أخذاً من قوله تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) [فصلت:3].. وابتعاداً عن أن تسمى أسجاعاً.

    وقد دار خلاف بين العلماء أيجوز أن يقال إن في القرآن سجعاً؟.

    فمنعه بعضهم منهم الإمام الرماني المعتزلي.. والقاضي الباقلاني ـ رحمهما الله ـ وأجازه الأكثرون.. وتعريفات القدماء والمحدثين للفاصلة لا تخرج عن هذين التعريفين".

    الكلمة القرآنية مقصودة لذاتها:-

    إن من مظاهر إعجاز القرآن الكريم أن الكلمة فيه تقع موقعها اللائق بها.. فلا يمكن استبدالها بكلمة أخرى.. وإلا أدى ذلك إلى اضطراب في الكلام.

    وإنما كان ذلك كذلك.. لأن القرآن في أعلى طبقات البلاغة.. وعمود البلاغة ـ كما يقول الإمام الخطابي ـ:

    "هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به.. الذي إذا بُدّل مكانه غيره جاء منه.. إما تبدّل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام.. وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة.

    ذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني.. يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب.. والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك.. ولأن لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا قد يشتركان في بعضها".

    ويقول القاضي ابن عطية:

    "إن كتاب الله لو نزعت منه لفظة.. ثم أُدير لسان العرب على لفظة غيرها لم يوجد.. ونحن يتبيّن لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهه في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب ـ يومئذِ ـ في سلامة الذوق، وجودة القريحة".

    ونجد الرافعي عندما يتحدث عن الجمل القرآنية يقول:

    "إن كلماتها قد قُدرت لها تقديراً محكماً.. بحيث لا تجد كلمة زائدة أو معنى فيه شيء من النقص".

    وكذلك نجد د/ محمد دراز وسيد قطب يوليان الكلمة القرآنية كثيراً من العناية.. ويبيّنان سر اختيارها.

    فالفاصلة في الآية عنصر متميز.. وهي ترد محملة بشحنتين في آن واحد:

    1- شحنة من الوقع الموسيقي.

    2- وشحنة من المعنى المتمم للآية.

    وظيفة الفواصل:-

    لم تأتِ الفواصل عبثاً أو لتتميم السجع.. بل جاءت لتؤدي معنى تتم به الفائدة.. ويطلبه السياق.

    وقد عرض الدكتور فضل عباس لهذه القضية في ردّه على دائرة المعارف البريطانية.. حيث قال:

    وقد استدلت دائرة المعارف البريطانية على أن القرآن مجرد إنشاء بطريقة عشوائية استدلت على هذه الدعوى بالفواصل القرآنية.. حيث جاء فيها:

    "وكان القرآن يعطي للقارئ أنه مجرد إنشاء جاء بطريقة عشوائية.. ويؤكد صحة ذلك طريقة ختم هذه الآيات.. بآيات مثل: (إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ).. إن الله حكيم (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).. وأن هذه الأخيرة لا علاقة لها مع ما قبلها.. وأنها وضعت فقط لتتميم السجع والقافية".

    ثم قال:

    "الفاصلة القرآنية لم تأتِ لغرض لفظي فحسب.. وهو اتفاق رؤوس الآي بعضها مع بعض.. وهو ما يعبرون عنه بمراعاة الفاصلة.

    إنما جاءت الفاصلة في كتاب الله لغرض معنوي يحتمه السياق، وتقتضيه الحكمة، ولا ضير أن يجتمع مع هذا الغرض المعنوي ما يتصل بجمال اللفظ وبديع الإيقاع".

    وأثناء ردّه على هذه الشبهة في كتاب آخر.. قال:

    "الدقة في الفاصلة القرآنية والترتيب المحكم والنظام البديع لا يقلّ عما في هذا الكون.. فخالق الكون ومنزل القرآن هو الله الذي أتقن كل شيء.. وكان حريّاً بأولئك أن لا يصدروا أحكاماً على ما لا يعلمون.. وهذا ما تقتضيه بديهيات البحث العلمي".

    إذن الفاصلة القرآنية لها وظيفتان:

    الوظيفة الرئيسة: معنوية يحتمها السياق.

    ووظيفة أخرى: لفظية تتصل بجمال الإيقاع.. ولا يجوز أن نقول إن الفاصلة جاءت لتتفق مع رؤوس الآي الأخرى فقط دون الانتباه للغرض المعنوي.

    وهذا ما قررته أيضاً د/ عائشة عبد الرحمن في كتابها (الإعجاز البياني للقرآن)

    والغرض المعنوي للقرآن هو المعنى الذي تؤديه الفاصلة.. قال علي الجندي:

    "من مزايا معاني الفواصل في القرآن الكريم شدة ارتباطها بما قبلها من الكلام.. وقوة تعطّف الكلام عليها.. كأنهما معاً جملة مفرغة يسري فيها روح واحد، ونغم واحد ينحدر إلى الأسماع انحداراً.. وكأن ما سبقها لم يكن إلا تمهيداً لها لتتمم معناه.. حتى لتبلغ من وقوعها موقعها، واطمئنانها في موضعها أنها لو حذفت لاختل معنى الكلام، واضطرب فهمه، واستغلق بيانه.. ولو سُكت عنها لاستطاع السامع أن يختمه بها انسياقاً مع الطبع الملهم والذوق السليم".

    ثم يتابع فيقول ـ:

    "بل قد يبلغ من تعيّنها في مكانها وفرض نفسها عليه.. أنها لو بدّل بها غيرها لأدرك السامع الحصيف الثاقب الفطنة أن كلاماً غريباً ينقصه التناسب حلّ محلها، فأنكر ذلك سمعه وضاق به صدره.

    من ذلك أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ:

    (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ).. قرأها بفتح الكاف.

    فقال الأعرابي: لا يكون!!.. فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء.

    فقال: يكون".

    واتصال الفاصلة مع السياق قد يكون ظاهراً لا يحتاج إلى مزيد نظر.. وقد يحتاج إلى تأمل وتفكّر ودراية بمعاني الكلمات الدقيقة.. وهذه الدراية هي التي تبيّن تمكّن الفاصلة من موقعها وتنفي الترادف عن بعض الكلمات.

    فلا يُقال حينئذٍ: إن الآية لو خُتمت بـ (الرءوف) بدلاً من (الرحيم) لا بأس.. فالكلمتان تدلان على الرحمة.

    وقد قُرر العلماء أن الكلمة أو الفاصلة مختارة ومقصودة دون غيرها من الكلمات التي قد يُظن بها الترادف.. وهذا يعني أنه لا ترادف في القرآن.. كما أنه لا ترادف في العربية بشكل عام.

    نفي الترادف:-

    لكل لفظة في اللغة العربية معنى خاص به يميّزه عن غيره من الألفاظ.. فهناك فروق بين الكلمات.. هذه الفروق هي التي جعلت لكل كلمة موقعها الذي لا يناسبه غيرها.. وهذا هو نفي الترادف.

    وقد تحدث عن هذا العلماء قديماً وحديثاً، يقول د/ محمد المبارك في كتابه (فقه اللغة وخصائص العربية) عن موضوع الترادف تحت عنوان: (آفة الترادف والعموم والغموض).. أنقل كلامه باختصار.. قال:

    "لقد أصاب العربية في عصور الانحطاط المنصرمة مرض العموم والغموض والإبهام.. كما أصابت هذه الآفات التفكير نفسه، فضاعت الفروق الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة فغدت مترادفة".

    ثم قال:

    "وقد كان كتّاب العربية في العصور الزاهرة يحرصون على دقة التعبير ووضع الألفاظ في مواضعها.. ونحن اليوم بحاجة للتحرر من آفات عصور الانحطاط في ميدان اللغة.. والعودة إلى خصائص العربية في استعمال اللفظ الخاص والعام، وكل في موضعه اللائق به، ومكانه المناسب له".

    وردّ الإمام محمد عبده بشدة القول بوجود كلمات مترادفة.. حيث قال:

    "وأنا لا أجيز لمسلم أن يقول في نفسه أو بلسانه إن في القرآن كلمة تغاير أخرى.. ثم تأتي لمجرد تأكيد غيرها بدون أن يكون لها في نفسها معنى تستقل به.

    نعم قد يكون معنى الكلمة هو عين معنى الأخرى تقريراً أو إيضاحاً.. ولكن الذي لا أجيزه هو أن يكون معنى الكلمة هو عين معنى الأخرى بدون زيادة، ثم يؤتى بها لمجرد التأكيد لا غير.. بحيث تكون من قبيل ما يُسمى بالمترادف في عرف أهل اللغة.. فإن ذلك لا يقع إلا في كلام من يرمي في لفظه إلى مجرد التنمق والتزويق.. وفي العربية طرق للتأكيد ليس هذا منها".

    وعلى هذا.. فلا يقال مثلاً في قوله تعالى: (إن الله كان عفواً غفوراً) إن (عفو) و(غفور) بمعنىً.. وجاء اسم (الغفور) لتوكيد (العفو) دون زيادة معنى، فلا بد من زيادة فائدة.

    وهكذا في كل الفواصل القرآنية.. بل وكل كلمات القرآن، حيث جاءت كلها في مكانها اللائق بها.

    أمثلة عملية:-

    ونضرب بعض الأمثلة لبيان الإعجاز والبلاغة في استخدام الفاصلة القرآنية،اقرأ قوله تعالى:

    (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118).

    إنك تتساءل سراً:

    لماذا لم تنته الآية "فإنك أنت الغفور الرحيم".. مع أن السياق يوحي بالغفران؟

    ولكن إذا ما أمعنت النظر في الآية وجدت أن الذي استحق العذاب لا يستطيع أن يغفر له إلا من كانت سلطته أعلى السلطات.. وقوته أعظم القوى.. وعزته فوق كل عزة.

    ومن كان كذلك وجب أن يكون متصفاً بالحكمة التي يرفضها العقل والمنطق السليم.. وينأى عنها الحمق والتسرع والظلم والتهور.

    وإذا وجدت الفاصلة جاءت بالعزة مقرونة بالحكمة.. فاعلم أن القادر على العقاب عزيز دائماً.. ولكن ليس كل عزيز عادلاً.

    فكم من ملوك وحكام ورؤساء ومن بيدهم سلطان على الناس في هذه الدنيا ملكوا العزة.. إلا أنهم فقدوا الحكمة التي يسندها العدل والعقل والسلوك المستقيم.

    أفلا تجد الآن أن ربط الحكمة بالعزة تعبير رائع.. وتصوير جامع.. وبيان قاطع لخالق عزيز حكيم؟

    (التعبير الفني في القرآن للدكتور/ بكري شيخ أمين دار الشروق).

    وأنا أرى فيها وجها آخر من الإعجاز.. وهو أن عيسى عليه السلام لما غالى النصارى فيه وجعلوه إلها فأراد أن يبرأ ساحته ويعلن أن أمر هؤلاء بيد الله.. فلا شأن له بهم.. ولا عاطفة تجاههم.. فإن شئت يا رب عذبهم أو ارحمهم.. فهم عبادك أنت وحدك وأنا مثلهم لا أملك لأحد ضراً ولا نفعاً.. وهذا يدل على قمة التوحيد والعبودية لله عز وجل.

    ولو أردت زيادة بيان فقارن بين دعوة إبراهيم:

    (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

    وبين دعوة عيسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام -فلما اختلفت المواقف اختلفت العبارة.

    فعيسى عليه الصلاة والسلام قالها في موقف الحساب وتبكيت الكفار بذنوبهم وقد علم حكم الله تعالى في من مات على الشرك.. فجاءت عبارته مظهرة الأدب مع الله تعالى ومؤكدة الإرادة المطلقة لله تعالى فكأن المعنى:

    "إنك لو غفرت لهؤلاء مع سبق حكمك فيهم فمن يحول بينك وبين ذلك وأنت العزيز الذي لا غالب لك وأنت الحكيم الذي ليس في أفعالك ما هو عبث".

    فهو يقول:

    أما إبراهيم عليه الصلاة والسلام السلام فكلامه هذا في تقرير حال الدعوة والمدعوين في الحياة الدنيا:

    "إن من تبعني على توحيدك وعدم الإشراك بك فهو مني وعلى طريقتي وملتي التي هديتني إليها.

    أما من خالفني وعصاني فأمره إليك إن غفرت لهم ورحمتهم فهذه صفتك".

    وهذا من النبيين الكريمين في غاية الأدب مع الله تعالى.

    ولأن إبراهيم -عليه السلام - لم يغال فيه قومه.. ولم يرفعوه فوق البشر كان مناسباً أن يستمطر لقومه رحمة الله -عز وجل - بخلاف موقف عيسى عليه السلام.

    وفي هذا القدر كفاية.. على أمل مواصلة التدبر في بعض الفواصل القرآنية إن قدر الله ذلك.. وأعان.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    في أرض الله
    المشاركات
    68

    افتراضي رد: وجوه الإعجاز في الفاصلة القرآنية

    جزاك الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •