بارك الله فيك أخي أمجد الفلسطيني على الموضوع وعلى طريقتك المميزة في عرضه ..لكن عندي ملاحظة صغيرة و هي أنّ:
كل الأسماء التي ذكرتها هي لعلماءَ في العللِ، مشهورين غير مغمورين
- أما في عصورهم: فهم كذلك؛ فقد أطبقت شهرتهم الآفاق و سارت بأخبارهم الركبان، وذكرهم الناس في كتبهم و نقلوا كلامهم ..و لولا ذلك (=شهرتهم) ما عرفنا نحن شيئا عن أخبارهم وما وصلنا شيئا من آثارهم ..
أما في عصرنا: فهم مشهورون كذلك بشهرتهم القديمة.. فهذه كتبهم بين أيدينا.. ومن لم يصلنا كتابه منهم ؛ هذه كتب القوم لا يكاد تخلو صفحة من صفحاتها من ذكر أسمائهم وحكاية أقوالهم-بحسب إكثار كل واحد منهم و إقلاله-
فأين الحديثي العصري الذي لا يعرف: الذهلي، أو ابن نمير، أو دحيم، أو ابن واره، أو جزرة، أو البرديجي، أو أبو أحمد الحاكم،أو ابن صاعد، أو الطحاوي، أو ابن عقدة، أو الأزدي أو الخليلي أو ...-جميع الأسماء التي ذكرتها -(1)
كيف لا يأنس إليها، ويستوحش منها؛ وقد أَلِفَهاَ وانطبعتْ حروفُها في عينيه، وقلبه من كثرة سماعها و قراءتها في كتب العلل و الجرح و التعديل..
منْ انتسب إلى الحديث من طلبة العلم ثم فغر فاه إذا سمع بجزرة ، فألقمه جزرة ، وأرحنا منه..
نعم هي للأجنبي عن هذا العلم، أسماءٌ غريبةٌ، لم يألفها، ولم يسمع بها من قبل.. فهي عنده من قبيل "الوحشي" من الكلمات عند "اللّغوي"، لأنها بعيدة عن تخصّصه، لا يمكن أن يلتقيَ بها إلا إذا فتح عينيه على كتبٍ مثل: علل الدارقطني و إكمال ابن ماكولا و الجرح لابن أبي حاتم و تواريخ البخاري و كتب الخطيب البغدادي و ابن عدي و العقيلي و ابن حبان و الحاكم ..و...وابن القطّان و ابن المواق و الذهبي و مغلطاي و ابن حجر.. وأنىّ له ذلك ..إلاّ إذا كان موسوعيا، نهِِما ؛ قد أخذ من كل فن بطرف، وجلس إلى كل طائفة يلقف ما ينثرون .
فينبغي تقييد عدم الشهرة التي شرطتَها في تلك الأسماء، بالنّظر إلى طلبة العلم الأجانب عن علوم الحديث وما يقاربها من العلوم الشرعية الأخرى المتعلّقة بها..
فالإطلاق الذي ذكرته في قولك :(..ولكن لا يعلم كثير من الطلبة أنه من أئمة هذا العلم _علم العلل_ ) أو قولك :( ..إلا أنهم جميعا يندرجون تحت اسم الخمول وعدم الشهرة عند كثير من المشتغلين بالعلوم الشرعية) ، غير جيّد؛ لأن كلّ طلبة علم الحديث وغالب طلبة العلوم الشرعية ( الفقه و الأصلين و التفسير) يعلمون أنهم من أئمة هذا الشأن ..
أما الأجانب عن الحديث، والعلوم الشرعية؛ كطلبة اللغة و الأدب أو التاريخ و الاجتماع و الفلسفة و علم النفس و .. فهي أسماء لم يسمعوا بها من قبل و إن سمعوا بها مرة أو مرتين لا تعلق برؤوسهم و لا يكلفون نفوسهم الرجوع إلى تراجمهم و معرفة أخبارهم..لأنهم لا تعنيهم.. فهي عندهم غير مشهورة -كما ذكرتَ-
نعم ، هي (= القائمة التي ذكرتها) بالمقارنة مع أسماء أُخر فرضتْ نفسَها-لحيثياتٍ، وأسبابٍ، وظروفٍ لا تخفى عليك-: كالبخاري، ومسلم والتّرمذي، والنسائي ،وأبي داود .. أو مالك و ابن عيينة و أحمد ...= أقلّ شهرة، لكن هذا بالنظر إلى الرأي العام أعني جمهور الناس، بما فيهم الطلبة (المتخصصين منهم و غير المتخصصين في العلوم الشرعية)، وغير الطلبة من عامة الناس .. لكنْ في حقيقة الأمر، أعني: في عصورهم و عند المتخصيصين في هذا العلم (علم العلل)، يوجدُ فيمنْ ذكرتَ من الأسماء مَنْ هو أشهر في هذا العلم، وأقعد به، من بعض من فرض شهرته و عرفه جمهور الناس عامتهم و خاصتهم.
فالشّهرة، وعدمها في علماء كلّ فنٍّ، أمران نسبيان؛ لا يمكن إطلاقهما دون تقييدهما بجماعة معينة؛ يغلبُ عليها ذلك الفن، أو عدمه.. فكم من مشهور عند أهل اللغة أو النحو ، لا يعرفه أهل الحديث، وكم من عَلَمٍ -أشهر من نار على علم- في الحديث، وعلومه- يجهله اللّغويون و النّحويون .
__________
(1) مع أن الحديث ليس من تخصصي في دراستي الجامعية، وإنما شدوت منه طرفا بالمطالعة .. جميع الأسماء التي ذكرتها مشهورة عندي، إلا اسمين :
- محمد بن محمد الحجاجي أبو الحسين
- محمد بن حيدرة بن مفوَّز المعافري أبو بكر الشاطبي