قال الله – عز وجل - : " وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) " البقرة الآيات 58 – 59 .

وقال تعالى : " وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) " الأعراف 161 – 162 .

إذا تأملنا هذه الآيات في سورتين من سور القرآن الكريم نجد أن ّ هذه الآيات قد جاءت في سياق قرآني يتحدث عن موضوع واحد وهو الحديث عن بني إسرائيل ، وقصتهم مع نبي الله موسى – عليه الصلاة والسلام – ومع أن المعنى واحد إلا أن ثمة اختلاف في ألفاظ هذه الآيات وهذا الاختلاف له دلالات ، فكل لفظة من هذه الألفاظ لها دلالة تختلف عن اللفظة الأخرى .وعليه ؛ فإن نظرية الإعجاز القرآني تقوم على فكرة عدم وجود الترادف في القرآن الكريم .

وقد اختلف المفسرون في هذه القرية منهم من قال : إنها أريحا ، ومنهم من قال : إنها بيت المقدس ، وقد رجح ابن كثير أن هذه القرية هي بيت المقدس إذ يقول : " والصحيح الأول هي بيت المقدس "[1].
فألفاظ هاتين الآيتين تخالف ألفاظ الآيتين 161 ، 162 في سورة الأعراف ، من وجوه :

ففي سورة البقرة يقول الله – تعالى - " وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة " بينما في سورة الأعراف يقول – تعالى – " وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية " ، فالآية الأولى خطاب من الله – تعالى – إلى بني إسرائيل ، وترغيب لهم في دخول هذه القرية بعد أنْ مكثوا مدة من الزمن وهم مشردون في الأرض ، فالدخول " نقيض الخروج ويستعمل ذلك في الزمان والمكان والأعمال "[2] ، فدخول بني إسرائيل هذه القرية بعد التجوال في الأرض نعمة من الله عز وجل ؛ ليستمتعوا بالعيش الكريمة في هذه القرية ، وكلمة " قرية " مشتقة من القَرْى وتعني الجمع ، وهي البلدة المشتملة على المساكن المبنية من الحجارة .
وإذا ما نظرنا في سورة الأعراف الآية 161 نجد أن المعنى يختلف تمامًا عن المعنى في الآية السابقة في سورة البقرة ، فنجد أن فعل الأمر في هذه الآية " اسكنوا " ، وهو يختلف في دلالته عن الفعل " ادخلوا " ، كما أن ضمائر في هذه الآية ضمائر غيبة ، ولم تكن ضمائر خاطب كما في الآية السابقة في سورة البقرة .
وعليه ؛ فإن الفعل " اسكنوا " يدل دلالة واضحة على الاستقرار ، والإقامة ، بخلاف الفعل " ادخلوا " الذي لا يدل على الإقامة والسكنى ، فالسكون " ثبوت الشيء بعد تحرك ، ويستعمل في الاستيطان ، والسكنى أنْ يجعل له السكون في دار بغير أُجرة "[3] .

[1]
- تفسير ابن كثير : 1 /141 .

[2]
- المفردات في غريب القرآن : 172 .

[3]
- المفردات في غريب القرآن : 242 .