الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ والاهُ وَبْعدُ :

فهذهِ أبياتٌ قد سَطَّرْتُها عَلَى وَجْهِ الإيجازِ والاخْتِصارِ ، وكَلِماتٌ قَدْ حبَّرْتُها على وَجْهِ الإعْوازِ والاضْطِرارِ ؛ لِيَنْتَفِعَ ِبِهاالرَّاغِبُ ، وَيَقْتَنِعَ بِها الرَّائِبُ ، أُبَيِّنُ فِيها وُجُوبَ إعْفاءِ اللِّحَى بالدَّليلِ ، واللهُ الهاديِ إلى سَواءِ السَّبيلِ .

حَمْداً لِرَبِّي أَوْضَحَ الأَحْكاما
وَبَيَّنَ الحَلالَ والحَرام
وَأَنْزَلَ الكِتابَ وَالمَثانِي
مُبَيَّناً بِسُنَّةِ العَدْنانِ
صلَّى عَلَيْهِ رَبُّنا وَالآلِ
والصَّحْبِ ثُّمَّ مَنْ لَهُمْ بِتالي
فالنَّظْمُ ذا يَكْشِفُ للإلْباسِ
عَنْ مَنْكَرٍ قَدْ شاعَ بَيْنَ النَّاسِ
أَعْنِي بِهِ حَلْقَ اللِّحَى الّذِي انْتَشَرْ
كَأَنَّهُ قَدْ سَنَّهُ خَيْرُ البَشَرْ
بَلْ صارَ حَلْقُها مِنَ الكَمالِ
لِزِينَةِ الشَّبابِ وَالرِّجالِ
وَباتَ إعْفاءُ اللِّحى مُسْتَنْكَراً
وَحَلْقُها مُسْتَحْسَناً لَدى الوَرَى
وَما دَرَوا بأَنَّهُ حَرامُ
مَنْ قالَ هَذا عِنْدَهُمْ يُلامُ
وَها أَنا مُبَيِّنٌ بِالاكْتِفا
تَحْريمَ حَلْقٍ وَوُجوبَ الإعْفا
واللهُ حَسْبِي وَهُوَ اعْتِمادِي
ما خابَ مَنْ كانَ لَهُ يُنادِي
حَدِيثُ إعْفاءِ اللِّحَى قَدِ اشْتَهَرْ
أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةٍ وَابْنِ عُمَرْ
وَغَيْرِهِمْ أَيْضَاً مِنَ الأَصْحابِ
وَكُلُّها أَلْفاظٌ ذُو اقْتِرابِ
تَدُلُّ كُلُّها عَلَى إيجابِ
إعْفاءِ لِحْيَةٍ عَلَى الصَّوابِ
فَالأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى وُجُوبِهِ
ما لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَجِي بِهِ
تَصْرِفُ ذا الأَمْرَ للاسْتِحْبابِ
إلاَّ فَنُبْقِيهِ عَلَى الإيجابِ
وَلِلْحَدِيثِ أَلْفاظٌ وَعَدَّها
النَّوَوِيُّ خَمْسَةً فَعُدَّها
أَعْفوا وَأَوْفوا ثُمَّ بَعْدُ وَفِّرُوا
أَرْخُوا وَأَرْجُوا وَالمَقْصُودُ كَثِّرُوا
فَهَذِهِ الأَلْفاظُ باجْتِماعِ
دَلَّتْ عَلَى الوُجُوبِ بالإجْماعِ
وَفِي حَدِيثٍ خالِفُوا الكُفَّارا
= أَيْ خَالِفُوا اليَهُودَ وَالنَّصارَى
يَدُلُّ أَنَّ حَلْقَها مُحَرَّمُ
مَنْ قَلَّدَ الكُفَّارَ فَهْوَ مِنْهُمُ
رَوَى الإمامُ مُسْلِمٌ عَنْ جابِرِ
قالَ عَنِ النَّبِي ذِي المَآثِرِ
كانَ النَّبِي كَثِيرَ شَعْرَ اللِّحْيَةِ
مَعْ قَوْلِهِ عَلَيْكُمُ بِسُنَّتِي
وَسُنَّةٍ لِلْرَّاشِدِينَ الخُلَفا
لَمْ يَحْلِقُوا بَلْ كُلُّهُمْ قَدْ أَعْفَى
وَحَلْقُها ضَرْبٌ مِنَ التَّشَبُهْ
أَيْ بالنِّساءِ عَدَّهُ مَنْ قَدْ نَبُهْ
وَفِي الحَدِيثِ مِنْ خِصالِ الفِطْرَةِ
مِنْ ضِمْنِها إعْفاؤنا لِلِّحْيَةِ
وَاتَّضَحَتْ دِلالَةُ المَفْهُومِ
عِنْدَ أُولِي العُقُولِ وَالفُهُومِ
مِنْ كَوْنِ حَلْقِها يُخالِفُ الفِطَرْ
فَحَلْقُها نَقِيصَةٌ لِما ذُكِرْ
وَأَجْمَعَ الأَئِمَّةُ الأَعْلامُ
بِأَنَّ حُكْمَ حَلْقِها حَرامُ
أَيْ مالِكاً وَالشَّافِعِي وَأَحْمَدا
ثُمَّ أَبا حَنِيفَةٍ أَهْلَ الهُدَى
بَلْ قَدْ يَرُدُّ الحَلْقُ للشَّهادَةْ
وَالخُلْفُ فِيهِ قَدْ رَآهُ السَّادَةْ
قالَ الغَزالِي فِي كِتابِ الإحْيا
عَنْ عُمَرٍ فِي ناتِفٍ لِلِّحْيَةْ
وَابْنِ أَبِي لَيْلَى بأَنَّهُ تُرَدّ
شَهادَةٌ لَهُ وَلا يُسْتَشْهَدْ
وَرُدَّ ما قالُوا بِكَرْهِ الحَلْقِ
حَتَّى وَلَوْ يَرْضاهُ كُلُّ الخَلْقِ
لأَنَّهُ عارٍ عَنِ الدَّليلِ
مُخالِفٌ قَوْلَ النَّبِي الجَليلِ
أَسْأَلُ رَبِّي أَنْ يَرُدَّ مَنْ خَلَفْ
لِسُنَّةِ النَّبِي وَسُنَّةِ السَّلَفْ
وَذا الَّذِي بَيَّنْتُ ذُو كِفايَةْ
لِطالِبِي الفَلاحِ وَالهِدايَةْ
وَأَحْمَدُ اللهَ عَظِيمَ النِّعَمِ
مُصَلِّياً عَلَى النِّبِيِّ الهاشِمِي
ما طَرَقَ اسْمُهُ لَدَى المَسامِعِ
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِ