من بساتين الكتب
بقلم أحمد خلاف
هو كتاب يجمع في سطوره ثماراً يانعة من أشجار العلم، وأفنان الحكمة، وحدائق المعرفة، فيه من الشعر والنثر، ويحوي أجمل الحكم والعظات، جمعه وأعدّه الشاعر والباحث مصطفى قاسم عباس.
لم يقتصر على كتّاب أو شعراء طبقة معينة أو زمن محدود، فهو رحلة يمتزج فيها الماضي مع الحاضر،وهو نحلةٌ تأخذ رحيق أزهار الكتب من شتى الأفانين والبساتين، لتصنع منه شهداً وعسلاً مختلفاً ألوانه لذةً للشاربين.
وعلى كل حال لكل كاتب أسلوبه ولكل قارئ مزاجه وحريته فيما يقرأ ويختار، ولكلّ رونقه ولكلّ جماليته، وللناس فيما يعشقون مذاهب ومن مقتطفاته:
- فقد الشبّاب وفرقة الأحباب
شيئان لو بكت الدّماء عليهما عيناي حتى تؤذِنا بذهاب
لم يبلغا المعشار من حقيهما فقدُ الشّباب وفرقةُ الأحباب
-في مدح كاتب
لك في المفاخر معجزاتٌ جمّة أبداً لغيرك في الورى لم تُجمعِ
بحران بحرٌ في البلاغة شابَهُ شعرُ الوليد ِوحسن لفظ الأصمعي
- ماذا يفعل الطبيب؟
يقول لك الطّبيبُ دواك عندي إذا ماجسَّ كفّك والذّراعا
ولو عرف الطبيّبُ دواءَ داءٍ يردُّ الموتَ ماقاسى النّزاعا
- من أجمل ماقيل في الفخر
قال هبة الله بن سناء الملك المتوفى سنة 532هـ مفتخراً:
سوايَ يهابُ الموت أو يرهب الرّدى وغيريَ يهوى أن يعيش مخلّدا
ولكنّني لاأرهب الدَّهر إن سطا ولا أحذرُ الموتَ الزّؤامَ إذا عدا
ولو مدَّ نحوي حادثُ الدّهر كفّه لحدّثت نفسي أن أمدّ له يدا
توقّد عزمي يترك الماءَ جمرةً وحيلةُ حلمي تتركُ السّيف مبردا
- رثاء محزن جداً
وقال بهاء الدين زهير المتوفى سنة 656هـ يرثي ابنه:
أراكَ هجرتني هجراً طويلاً وماعوّدتني من قبلُ ذاكا
عهدتك لاتطيق الصّبر عنّي وتعصي في ودادي من نهاكا
فكيف تغيّرت تلك السّجايا ومن هذا الذي عنّي ثناكا
- لماذا لانفكّر من جديد؟
لماذا لانفكر من جديد في كثير من الأمور التي تجري من حولنا؟ وفي كثير من الأفكار التي ترسبت مع مرور الزمن في عقولنا وقلوبنا.؟
لماذا لانفكر من جديد في كثير من الصداقات التي كوّناها خلال السنوات الماضية؟ والتي اكتشفنا أنها كانت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، أو كالباحث عن الغول والعنقاء!
هل فكرنا في الحسد ومايصنع في القلوب حتى نراها تكاد تميّز من الغيظ؟
وفي الضغينة وماتخلّف من أحقاد وعداوات ورزايا؟ وفي الرياء الذي أصبح فطرةً عند بعض الناس والغيبة، التي أصبحت جزءاً من لسان أقوام يحبون أكل لحوم إخوتهم وهم أمواتٌ؟ وفي النفاق الذي استشرى في صدور كثير من أبناء مجتمعاتنا، وكأن ابن أبي سلول له خلائق وأحفادٌ؟
لماذا لانفكر في الكاتب الذي يظن أن كتاباته عَقِمَ القلمُ بعد أن ولدت، وأن كلماته في رونقها يتيمة الدهر، وفي علوّها ورفعتها مُعلّقات هذا العصر، أمّا كتابات غيره وكلماتهم فهي قد أكل وشربَ عليها الدهر؟
لماذا لانفكر في الشاعر العجوز الهرم الذي يتحدث عن الغزل والحب زاعماً أنه خليفة عمر في زماننا ولكن ليس ابن الخطاب بل ابن أبي ربيعة.
وفي الشاعر الذي يحدثك عن التواضع وهو أول المتكبرين، وعن الوفاء وهو أول الخائبين، وعن الشجاعة وهو أول الجبناء الخائفين؟
دعونا نفكر معاً من جديد، لأن الأمر يتطلب منا تفكيراً جديداً بين الفينة والأخرى، حتى لاتتراكم وتترسب وتتربع على عرش عقولنا وقلوبنا رواسب الزمن وعاداته وتقاليده لنفكرفي كل ماحولنا، فما أشد حاجة الإنسان إلى لحظة يعيد فيها حساباته، ويفكر فيها من جديد.
وفي الختام نقول:
ماأجمل أن يكون للنفس الإنسانية ظلالٌ على ترائب الصحائف!
وماأجمل أن نضع القيم الأخلاقية، والمعاناة الإنسانية، والصور الجمالية في إطار الإبداع الفني للإنسان!
ماأروع أن نرسم بالكلمات! وماأحرانا أن نبذل لذلك أعذب الكلام؟
هذا الكتاب سِفرٌ أسفر عن مكنون جواهره، وقد أحسن المؤلف اختيار عنوانه «من بساتين الكتب» ليقدم للقارئ ثماراً متنوعة المذاق، من أدب ناظمٍ وحكمة ناثرة، أو طرفة نادرة،أو فكاهة مستطرفة، أو ومضة مشجية، أو حكايات مسلّية، أو فائدة تاريخية أو خبر مستغرب، أو نصيحة خُلقية.
فيه لفحاتٌ ونفحاتٌ، فيه ذكرياتٌ ومواقف، فيه ابتسامة مشرقة تبعث في النفس إشراقة أمل، وفيه زفرة ملهوف ودّعته الأفراح.
منقول