3- الإمالة عند المقلِّين منها من القرَّاء:
أقصد بالمقلِّين من الإمالة هنا:
1- مَن ليس عنده إمالةٌ أصلاً في أيٍّ من كلمات القرآن الكريم، وهما قارئان:
أحدهما من السبعة، وهو: ابن كثير المكي - رحمه الله - فلم ترد عنه الإمالة في أيَّة كلمة قرآنيَّة من الطرق المقروء بها الآن.
وقال ابنُ الجزري: وانْفَرَدَ أبُو القَاسِمِ الهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ شَنَّبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ بِإمَالَةِ "الكافرين" - بالياء - بَيْنَ بَيْنَ، وَلا نَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ.
وقال: وشَذَّ الهُذَلِيُّ، فرَوَى إمَالَةَ (ذَلِكَ، ذَلِكُمْ) عَنِ ابْنِ شَنَّبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ وَأَحْسَبُهُ غَلَطًا.
والثاني من العشَرة، وهو: الإمام المدني أبو جعفر يزيد بن القعْقاع، فليس عنده إمالة من طريق الدُّرَّة، بل قال ابنُ الجزري فيها:
وَافْتَحِ البَابَ إِذْ عَلا
فهمزة (إذ) رمزٌ لأبي جعفر، وقد أمر ابنُ الجزري بفتْح جَميع الباب له، والفتح ضدّ الإمالة.
2- مَن عنده إمالة أحرف قليلة لا تتجاوز خمسَ كلمات:
وهم: حفص عن عاصم.
وطريق الأصبهاني عن ورش.
ويعقوب الحضرمي، وراوياه.
وقالون عن نافع.
فأمَّا رواية حفص عن عاصم، فقد أمال كلمة (مجراها) في سورة هود، ولم يمل في القرآن سواها.
قال الشاطبي:
وَمَا بَعْدَ رَاءٍ شَاعَ حُكْمًا وَحَفْصُهُمْ يُوَالِي بِمَجْرَاهَا وَفِي هُودَ أُنْزِلا فقوله: (وحفصهم) هنا يراد به: الراوي حفص بن سليمان الذي يروي عن عاصم، وذلك أنَّ الشَّاطبي في مواضع أخرى يذكر حفصًا ويريد به: أبا عمر الدوري، فاسمه حفص أيضًا، ولكن المقام وشرَّاح الشاطبيَّة يبيِّنون.
وأمَّا طريق الأصبهاني عن ورش، وهو لا يكون إلاَّ من طرق "طيبة النشر"؛ إذ إنَّ الإمام الدانيَّ - رحمه الله - اختار في كتاب "التيسير" طريق الأزرق عن ورش، والشاطبيَّة تابعة له.
فأمال[20] موضعًا واحدًا، وهو كلمة: التوراة، قال ابن الجزري في "الطيبة":
... ..... .... تَوْرَاةَ مِنْ شَفَا حَكِيمًا مَيَّلا
وَغَيْرُهَا لِلأَصْبَهَانِي لَمْ يُمَلْ ..... .... ..... وأمَّا يعقوب: فأمال كلمة (أعمى) في هذا الموضع فقط {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى}[21]، وهو الأوَّل في هذه الآية، ولم يمل كلمة (أعمى) في غير هذا الموضع.
وأمال أيضًا كلمة (كافرين) في قوله تعالى: {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}[22].
وأمال رويس الراوي عن يعقوب كلمة (الكافرين) و(كافرين) حيث وقعتا.
وأمال روح الراوي الثاني عن يعقوب (يا) من (يس).
فهذا ما أماله القارئ يعقوب الحضرمي البصري، وراوياه.
وأمَّا قالون عن نافع:
1- فيُميل كلمة (هار) في سورة التوبة؛ قال الشاطبي:
... .... ...... وَهَارٍ رَوَى مُرْوٍ بِخُلْفٍ صَدٍ حَلا
بَدَارِ ... ..... ...
فالباء في (بدار) رمز لقالون.
2- ولقالون عن نافع التَّقليل في (ها) و(يا) في أوَّل مريم؛ قال الشَّاطبي:
.... ..... ..... وَنَافِعٌ لَدَى مَرْيَمٍ هَا يَا ..... ...... فشمل نافع كلاًّ من: قالون وورش.
3- ولقالون التَّقليل أيضًا في كلمة (التَّوراة) حيث وقعت بخلاف؛ قال الشاطبي:
وَإِضْجَاعُكَ التَّوْرَاةَ مَا رُدَّ حُسْنُهُ وَقُلِّلَ فِي جَوْدٍ وَبِالخُلْفِ بَلَّلا فالباء من (بَلَّلا) رمز لقالون.
ملاحظات:
1- ذكر الشاطبي ومن قبْلِه الداني - رحمهما الله - الوجهَين في (التوراة): التَّقليل والفتح، ولم يذكرا إلاَّ وجهًا واحدًا في هار، وها ويا[23].
2- أصحاب التَّحريرات يروْن أنَّ التقليل في (ها ويا) وأيضًا في (التوراة) من مواضع خروج الدَّاني والشَّاطبي عن طرق "التَّيسير".
فهذا ما تيسَّر إيراده هنا من مسائل الإمالة، ولنا عَوْدٌ - إنْ شاء الله - إلى مسائل أخرى، والله - عزَّ وجلَّ - أعلم وأحكم.