لَوْ سَاقَتْكَ رِجْلاَكَ دَقَائِقَ بَعْدَ الإِفْطَارِ، إِلى مَصَالحِ الإِسْتِعْجَالا َتِ (الطوارئ) بِالْمُسْتَشْفَ يَاتِ ، لَأَلْفَيْتَهاَ تَسْتَقْبِلُ - أَكْثَرَ مَا تَسْتَقْبِلُ - الَّذِينَ يَشْكُونَ مِنَ أَلَمِ بُطُونِهِمْ لاِمْتِلاَئِهَا الشَّدِيدِ بِالطَّعَامِ..وَ اسْأَلْ الأَطِبَّاءَ ، وَالمُمَرِّضِين َ المُدَوَامِينَ في تِلْكَ الْفَتْرَةِ.. وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ..
أُوْلَئِكَ هُمْ أَصْحَابُ الْبِطْنَةِ ، المَبْطُنُونُ.
وَلَوْ أَنْتَ مَرَرْتَ دَقَائِقَ قَبْلَ الْإِفْطَارِ، عَلىَ "مَطَاعِمِ الرَّحْمَةِ"، لَرَأَيْتَ طَوَابِيرَ بَشَرِيَّةَ أَمَامَ أَبْوَابِهَا، وَحُشُوداً ؛ تَتَهَاوَشُ لِحَجْزِ مَقْعَداً مِنْ مَقَاعِدِهَا المْحْجُوزَةِ مُبَّكَراً، تَنْتَظِرُ خَلاَءَهَا ، لِتَظْفَرَ تِلْكَ الْبُطُونُ الْخَاوِيَةُ، الطَّاوِيَةُ، بِوَجْبَةٍ سَاخِنَةٍ ، تَسُدُّ بِهَا رَمَقَ الجُوعِ ..
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ المَخْمَصَةِ ، الْمَخْمُصُونَ.
كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ يَضَعُ يَدَهُ عَلىَ بَطْنِهِ يَشْكُوْ الأَلَمَ ..هَؤُلاَءِ دَقَائِقَ قَبْلَ الإِفْطَارِ، وَ أُوْلَئِكَ دَقَائِقَ بَعْدَهُ..وَ لَكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ مُسَبِّبِ الألمَيْنِ ؛ أَصْحَابُ الْبِطْنَةِ يَأْلَمُونَ مِنَ الاِمْتِلاَءِ الْفَاحِشِ لِبُطُونِهِمْ بِأَصْنَافِ الطَّعَامِ ، وَالشَّرَابِ : اِبْتِدَاءاً بِالْمُقَبِّلاَ تِ، وَالسَّلَطَاتِ، وَتَثْنِيَةً بِـ (الشُّرْبَةِ) وَ(الْبُورَاكِ)، وَ(الحَرِيرَاتِ) ،وتَثْلِيثاً بِـ (الطَّاجِينِ)،وَ الأَطْبَاقِ الرَّئِيسِيَّات ِ ، وَتَرْبِيعاً بِـ (الْحُلْوِ)، وَالحَلَوِيَّات ِ، وَ تَخْمِيساً بِالْفَوَاكِهِ، وَالْعَصِيرَاتِ ، وتَسْدِيساً بِالْقَهْوَةِ، وَ(الأَتَيَاتِ)، وتَسْبِيعاً بِـ(قَلْبِ اللُّوزِ)، و(الزَّلابِيَات ) ، وَتَثْمِيناً.. وَ تَسْعِيناً .. وَ تَعْشِيراً ..
وَ أَصْحَابُ المَخْمَصَةِ يَأْلَمُونَ مِنْ خَوَاءِ بُطُونِهِمْ ، وَ مِمَّا يَتَجَشَّمُونَه ُ مِنْ مَتَاعِبَ فيِ سَبِيلِ مَلْءِ نِصْفَهَا ، بَلْهَ ثُلُثَهَا.. بَلْهَ رُبُعَهَا .. بَلْهَ خُمُسَهَا .. بَلْهَ سُدُسَهَا .. بَلْهَ سُبُعَهَا .. بَلْهَ ثُمُنَهَا .. بَلْهَ تُسُعَهَا .. بَلْهَ عُشُرَهَا .. مِنَ الْوَجْبَةِ الْمُتَوَاضِعَة ِ الَّتِي يَظْفَرُ بِهَا الْمَحْظُوظُونَ فَقَطْ ؛ نَظَراً لِلاِحْتْدَامِ الْكَبِيرِ عَلَيْهَا، وَمَحْدُودِيَةِ الْوَجَبَاتِ المُقَدَّمَةِ.
يَالِلْعَجَبِ مِنْ مُفَارَقَاتِ هَذَا الزَّمَانِ الْعَجِيبِ !! هُوَ بِحَقٍّ: أَبُو الْعَجَائِبِ !!..لَوْ أَعْطَى ذَلِكَ الْغَنِيُّ ذَاكَ الْفَقِيرَ مَا فَضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ مِنَ الطَّعَامِ، وَ كَانَ سَبَباً فيِ أَلَمِهِ،وَتَأَ لُّمِهِ.. مَا شَكَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَقَماً وَ لاَ أَلَماً..لَقَدْ كَانَ جَدِيراً بِهِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنَ الطَّعَامِ مَا يُشْبِعُ جَوْعَتَهُ وَ يُطْفِئُ غَلَّتَهُ ..وَ لَكِنَّهُ كَانَ مُحِبّاً لِنَفْسِهِ مُغَالِياً بِهَا ; فَضَمَّ إِلىَ مَائِدَتِهِ مَا اخْتَلَسَهُ مِنْ صَحْفَة ِالْفَقِيرِ؛ فَعَاقَبَهُ اللهُ عَلىَ قَسْوَتِهِ بِالْبِطْنَةِ ،حَتَّى لاَ يَهْنأَ لِلظَّالمِ ظُلْمُهُ ، وَلاَ يَطِيبَ عَيْشُهُ..
وَ هَكَذَا يَصْدُقُ المَثَلُ الْقَائِلُ: " بِطْنَةُ الْغَنِيِّ اِنْتَقَامٌ لِجُوعِ الْفَقِيرِ"