الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
قال الله تعالى:
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 63، 64].
في هاتين الآيتين الكريمتينِ يعيب الله - عزَّ وجلَّ - على المشركين، وينعَى عليْهِم شِرْكَهم وجحودهم، مع أنَّهم حين تغْشاهم ظلُمات البر والبحر، وتُحْدِق بهم المخاوف والمكاره، يلجؤون إليه سبحانه، ويدعونه تضرُّعًا وخفية، يطلبون منه النَّجاء، ويُعاهِدونه على أن يكونوا بعد ذلك من الصَّالحين الشَّاكرين.
لكنَّهم لا يصْدقون في عهدهم، فما يلبثون بعد النَّجاء وعند الرَّخاء حتى يعودوا إلى شركهم وصلَفهم وجحودهم - أعاذنا الله من ذلك - فهذا كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُوراً [الإسراء: 67]، وكما قال: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: 65]، وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس: 12].
وفي هاتين الآيتيْن أيضًا من المباحث اللُّغويَّة، وفي اختلاف القراءات علمٌ جمٌّ، وفوائد جليلة، هِي مقْصودنا في هذه المقالة.