منذ زمن ، ونحن أسمع من بعض الشباب وغيرهم ، من يقول عن صلاة ذاك الإمام الذي صلى معه ، في الحرم ، أوفي غيره : أبدع الإمام اليوم في قراءته ، أو في دعاء الوتر ، أو في قراءة السورة الفلانية .
أطربنا اليوم الإمام الفلاني .
ما أجمل قراءة الإمام الفلاني إذا مد المنفصل ، أو المتصل .. .
الإمام الفلاني ( مُرَوْق ) على الآخر ، أمتعنا اليوم بصوته ، قرأ بعدد من المقامات ، أجملها الحجازي .
ما أجمل صدى الصوت في مسجد فلان ، انسجمنا على صوت الصدى فيه .
إلى غير ذلك من العبارات التي تنم عن حقيقة حضور هؤلاء لهذه الصلاة ( صلاة التراويح ، أو القيام ) والتي أصبح الحضور إليها من أجل سماع الإصوات ، والمدود ، والصدى ، التطريب ، والإبداع ، والتلحين ، والمقامات ، وصدى مكبرات الصوت ، وتضخيم الأجهزة ، ومزاجات الأئمة ، وكأن الإمام يقرأ بمزاجه .
أين الاستماع إلى كلام الله ؟
وأين الخشوع لكلام الله ؟
وأين التأثر والتفكر والتدبر لكلام الله ومعانيه ؟
أين التفهم لمعاني الدعاء والتضرع لله به ، وبين يديه ؟
نحن نحضر – أحبتي في لله – للصلاة في مساجد الله ، لا إلى نوادي ، أو مسارح ، نبحث فيها عن الطرب ، والإبداع ، والمقامات ، وجمال الأصوات ، ولا ينبغي أيضاً هذا .
لنتق الله ، نحن نحضر عبادة نتقرب بها ، وفيها إلى الله تعالى في هذا الشهر الكريم ، نسمع كلام الله ، نتعلم من قراءة الإمام ، نخشع ونتدبر ، يكون لما يتلى علينا من هذا القرآن أثراً في حياتنا وواقعنا ، وهدى في سلوكنا وسبيلنا إلى الله . (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) [البقرة185] .
لا يلام بعض الأئمة من الشباب خاصة ، عندما يسمع مثل هذه الأقوال ، وهذا المديح للصوت ، أن يذهب إلى هذا ، أعني إلى تحسين صوته ، وتعلم المقامات ، والتلحين ، وعمل ( البروفات ) التمارين لذلك . وإذا وضعت آلة التسجيل أمامه خاصة ، وحصلت مقايضة على ذلك ! فالله المستعان !! .
أفسدتم علينا أئمتنا ، وأفسدتم علينا صلاتنا ، شغلتمونا بما ليس بشغل ، نخرج من الصلاة وحديثنا عن هذه الأصوات ، والتلحينات ، والمقامات ، وغيرها ، سبحان الله !!
القليل منا من يخرج وهو يتحدث عن الآيات التي قرأها الإمام في صلاته ، وما أثرها في نفسه ، وواقع حياته ؟
إن من أهم الأشياء التي تعرض عن تدبر كلام الله ، هوالاشتغال بهذه الأمور ، وهذا حقيقة .
صلوا أينما كنتم ، في أي مسجد بالقرب منكم ، أو في طريقكم ، فأئمة المساجد اليوم على درجة عالية من الخير وقراءة كتاب الله ، إلا ما ندر ، ولا تحرموا أنفسكم الأجر فربما يفتح الواحد منكم على الإمام في خطأ اعتاده ، أو لم يتنبه له ، فيكسب أجر ذلك ، كنوع من مدارسة القرآن .
أحث نفسي وإياكم على تدبر كلام الله عز وجل، وتفهم معناه ففيه الخير كل الخير، وسعادة الدنيا والآخرة .
وفي الختام : قال الإِمَامُ ، العَلاَّمَةُ ، الحَافِظُ ، العَابِدُ ، شَيْخُ الحَرَمِ ، أَبُو القَاسِمِ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الزَّنْجَانِيُّ :
تَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ وَاعتَمِدِ الخَبَرْ *** وَدَعْ عَنْكَ رَأْياً لاَ يُلاَئِمُهُ أَثَرْ
وَنَهْجَ الهُدَى فَالْزَمْهُ وَاقْتَدِ بِالأُلَى *** هُمُ شَهِدُوا التَّنْزِيْلَ عَلَّكَ تَنْجَبِرْ
وَكُنْ مُوْقِناً أَنَّا وَكُلَّ مُكَلَّفٍ *** أُمِرْنَا بِقَفْوِ الحَقِّ وَالأَخْذِ بِالحَذَرْ
سير أعلام النبلاء (18/387) .