الزوايا الحادة
فضيلة الشيخ /محمد بن إبراهيم الحمد...حفظه الله
يحدثني أحد الأصدقاء أنه إذا أراد طعاما معينا و لم يجده في المنزل لم يهدأ له بال حتى يجده، و لو اضطره إلى أن يسافر من أجل ذلك.
و يحدثني أحدهم أنه قد وطَّن نفسه إذا لم ينم في الساعة المعينة طار عنه النوم.
و آخر يحدث أنه إذا لم يشرب الشاي في ساعة معينة تكدر مزاجه طيلة يومه.
و آخر يحدث أنه إذا حدث خلاف بينه و بين أحد زملائه أو أقاربه-صرمه البتة- و قطع كل صلة به.
و يحدث أحدهم أن سيارته إذا حصل بها أي نوع من العطل تشاءم منها، و فكر في بيعها، و شراء أخرى.
و يحدث آخر أنه حصل من أحد أفراد بيته العقلاء خطأ يسير في استعمال الهاتف الجوال، فقرر أخذه منه، و عدم إرجاعه إليه ؛ آخذا بمبدأ " السلامة لا يعدلها شيء".
إلى غير ذلك من الزوايا الحادة التي يأخذ بها بعض الناس؛ فيحيط نفسه بسياج من الآصار و الأغلال التي تنال نيلها منه؛ فيخسر بسببها ما يخسر من المعارف و الأصدقاء، و يضيع عليه الكثير و الكثير من المصالح.
فالزوايا الحادة تصلح في طَرْقِ الحديد، و قطع الأشجار، و هندسة الإعمار، و إصلاح الطرقات، و ما جرى مجرى ذلك.
أما معاملة البشر فلا يصلح لها هذا النوع من المعاملة؛ لأنه تعامل مع أمزجة مختلفة، و ثقافات متباينة، و أحوال متغايرة.
و كذلك الحال في تعامل الإنسان مع نفسه التي بين جنبيه؛ فهي لا تثبت على حال؛ فإذا لم يرفق الإنسان بها أوشكت أن تتهاوى و تضعف؛ فالإفراط يقود إلى التفريط.
و العاقل اللبيب لا يضع نفسه في مضايق يصعب عليه الخلاص منها.
و إنما يفسح الطريق أمام الخيارات الأخرى؛ فإذا أُغلِقَ باب فتح آخر، و إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.