بسم الله الرحمن الرحيم
تباريح
لا تَظْلموا الموتى :
على سبيل المثال فخر الدين محمد بن عمر الرازي وشيخ الإسلام ابن تيمية كانا على طرفي نقيض في مسائل من المعتقد ، وكان المتأخر حادَّ العبارة أحياناً في نقده ، ولكنه ذو وزن دقيق للرجال : يتكلم بملء فيه عن مواهبهم وعلمهم ، ويعرف صدق تديُّنهم لربهم ، ولا ينبز أحداً منهم بتكفير أو تفسيق ؛ لسـعة مجال العذر .. ولكنه مثلهم يبيِّن ـ بعلمه ومعتقده ـ ما كان من الأفعال والأقوال والمعتقدات إيماناً أو كفراً أو فسقاً أو بدعة ؛ امتثالاً لما أخذه الله على العلماء من وجوب البيان .. وهؤلاء كلهم صف واحد في مواجهة عدوِّ الأمة ، ولم يُفرض عليهم حق الفيتو بعد ، وهم ذوو كلمة واحدة إذا كانت الأمة أمام خطر .. واليوم تبدَّلت الحال بأمرين :
أولهما : أن العرب والمسلمين لا يُحسدون على ما هم فيه من فرقة وشتات .
وثانيهما : أننا إن شاركنا هؤلاء العلماء في شيئ من الفكر فهم متفوقون علينا في العلم والعبادة .. علمهم الكثير في صدورهم ، وليس عندهم من لهو العصر الحديث ومشاغله ما يحول بينهم وبين قراءة مخطوطات مُدْمَجة غير مفهرسة ـ ؛ إذْ لا يعرفون المطابع ـ ؛ فهم في زهرة العمر يقرؤون المخطوطات على المشايخ ، ويحفظون ، وينسخون ، ويتملكون , ويُـعلِّقون ، ويختصرون ، ويشرحون ، ويُحشُّون ، ويهمِّشون .. وإذا تفرَّغ أحدهم لتحقيق مسألة كان إماماً عالماً في مئات المسائل ؛ فهذه هي الْمَلكة العلمية ؛ ولهذا يسهل عليهم الرجوع إلى بغيتهم .. وَ بُعْداً عن أناقة العصر الحديث في المنهجية فلا أظن معاصراً ينهض لشرح البخاري بمثل ما فعل الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري ؛ ولهذا قيل: لا هجرة بعد الفتح !! .. وكان آية في الرجوع إلى مئات المخطوطات باستفادة كاملة .
ونحن لا نشاركهم في العبادة ؛ فهم يُحيون الليل بالعبادة والتهجد ، وحفظ القرآن ، وتلاوته في أيام معدودة .. لم تشغلهم المرتبة التاسعة أو العاشرة ، ولا المحطات الفضائية للبرتقالة و ياليل الصب متى غده ؟ .
وإذا تفرغ أحدنا لمسألة فليس عنده إلا بضع مسائل ، فهو يستأنف علمه استئنافاً ، ويأخذه مُذَلَّلاً مِمَّن قبله ؛ فتطاوُلُ مُثَقَّفِ العصر ، وشبُّ نارِ الفتنة بين أهل القبلة من أسمج الأمور وأخطرها ؛ فهذا معاصر لا شغل له إلا ثَلْب الألباني رحمه الله ، وهولا يبلغ مقام تخصصه .. وآخر يُكفِّر ابن تيمية ، ومجلة تنشر سلسلة مقالات عن مدافع ابن تيمية ، ورابع لا يرى الحق إلا ما جاء في كتب ابن تيمية ، ويحمل الشنآن على بقية أهل القبلة !! .
قال أبو عبد الرحمن : ابن تيمية رحمه الله معترف نصّْـاً في المجلد الخامس أنه لا يُكفِّر أحداً من أهل القبلة ، ولازم مذهبه : أنه لا تلازم بين الكفر والتكفير ، والفسق والتفسيق ، والبدعة والتبديع ؛ لسعة أوجه العذر كما أسلفت .
هذه تبريحة طفحت بها شجوني أمام ما يُستأنف من تناول بعض التطاول على الأعلام كالأستاذ حسن بن علي السقاف والله المستعان .
وكتبه لكم :
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
ـ عفا الله عنه ـ
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تباريح
الورع قبل التَّمعْلُم !! :
راسلني الأستاذ حسن بن علي السقاف كثيراً ، وأهدى إليَّ جملةً من كتبه ، ولم أعطه اهتماماً ؛ لما رأيت في جملة كل كتاب من كتبه من أمور يقشعرُّ منها البدن .. وزارني في الفندق بعَّمان بالأردن ، وأهداني بعض مؤلفاته ، ووجهت له من النصيحة ما يلزمني أمام الله ؛ ولكن سوء الحظِّ تمادى به إلى تكفير ورثة علم النبي × وعلم الصحابة والتابعين رحمهم الله صراحة في إحدى المحطات .. وتكفيره لابن تيمية تكفير للسلف نسأل الله العافية.
وابن تيمية رحمه الله بشر يخطئ ويصيب ، وليس مقبولاً قوله بخلق آدم على صورة الله ، ولا إنكاره المجاز ، ولا تفرُّغه للجانب الفكري على حساب الحصيلة العلمية في مسائل فقهية مصدره فيها المصنف لعبد الرزاق ، والمصنف لابن أبي شيبة ، وسنن البيهقي ، والتمهيد لابن عبد البر ، والمحلى لابن حزم .. ثم يعود لبضعة مصادر من كتب الحنابلة ، ثم يَتَبَحْبَحُ في المسألة بفكره .. ولكنه والله البحر العباب في مسائل العقيدة ، وذو الذكاء اللامع ، والفكر الجبار .. ولا يُقبل التعصب له من أناس لا يفهمون قوله في عُضَلِ الفكر كالدور والتسلسل ، والحكم بعد التصور دائماً .. ولشيخ الإسلام محبة في القلب لصدقه وعبادته وجهاده وزهده وخلوصه للعلم .. وخالف ابنَ تيمية كثيرٌ من أهل عصره من أهل القبلة ، وشَنَّعوا عليه .. ولكن لم يقدح أحد منهم في دينه وعدالته ؛ لأن سيرته مشهورة بينهم لا يستطيعون تزييفها حتى جاء حسن بن علي السقاف في ذنب الدنيا ؛ فقال : إن ابن تيمية كذاب !! .. وهذا هو نص عبارته .
قال : «ومن الكذب المبين على الإمام الرازي ما نقله ابن تيمية : أن الإمام الرازي أنشد هذه الأبيات :
نهـاية إقـدام العقول عقـال
وأكثر سـعي العـالمين ضـلالُ
وذكـرت أنني لم أجـد هـذا الكلام فيما بين يدي مـن كتب الرازي المطبـوعة والمخطوطة .. وقـد أخذه مجسِّـمةُ
العصر من كتب ابن تيمية .. إن هذه الأبيات من نظم ابن تيمية وكأنه يصف بها نفسه»(1) .
قال أبو عبد الرحمن : واحَرَباه بغير حقٍّ !! .. وههنا أمور :
أولها : أنه جعل جَهْلَهُ وقصوره في البحث ذريعة للتطاول على إمام مثل ابن تيمية .
وثانيها : أن كتب الرازي ليست هي المخطوطة والمطبوعة ، بل منها كثير مفقود .
وثالثها : أن الشعر والرسائل قد لا يُضَـمِّنُها صاحبها كتبه .
ورابعها : أن ياقوتاً الحموي نسب القصيدة للرازي [ 543 ـ 606هـ ] ، وياقوت الحموي [ 574 ـ 626هـ ] معاصر للرازي ، ووفاته قبل مولد ابن تيمية [ 661ـ 728هـ ] بخمسة وثلاثين عاماً ؛ فكيف يكون ابن تيمية هو الذي نظمها ، ثم كذب ونحلها الرازي ؟! .. إن هذا هو البهتان المبين ، والتطاول على الأئمة .. ورواها موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة ابن أبي أصيبعة [ ـ 668هـ ] وقد توفي قبل مولد ابن تيمية بسبع سنين(2).. ورواها ابن السبكي وهو على مذهب الرازي ، والرازي من أحب العلماء إليه (3) .
وخامسها : أن الأبيات لا تشين الرازي ، بل هي من حسناته .. تأسف على صرف عمره في علم الكلام وغيره أولى منه ، ثم نثر حِكَماً لا مغمز فيها والله المستعان .
وكتبه لكم :
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
ـ عفا الله عنه ـ
______________________________
(1) صحيح شرح العقيدة الواسطية ص70ـ71.
(2) انظر عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص468، وقال : « أنشدني بديع الدين البندهي : مما سمعه من الشيخ فخر الدين بن خطيب الرازي لنفسه » .. ثم ذكر القصيدة .
(3) انظر طبقات الشافعية الكبرى 8/96 ـ ولم يدع كما ادعى هذا السقاف ـ : أن مصدرها ابن تيمية وحده ؛ فيردها !!.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
تباريح
رجوع الرازي عن علم الكلام بيقين :
لما فرغ حسن بن علي السقاف من تكذيب شيخ الإسلام ابن تيمية بغير حق ، شَرَعَ في تكذيب الحافظ الذهبي عندما نقل قول الذهبي عن الرازي : « وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول : لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية : فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً .. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن .. إلخ » .
وعلَّق السقاف : بأن الذهبيَّ عمَّى الكلام ، فلم يذكر عمَّاذا اعترف الرازي في آخر عمره ؟ .. وأن الرازي لم يقل هذا الكلام ، فهو من الكذب البحت ـ يعني أن الذهبي كذب عليه ـ .. وحجته أن ابن السبكي لم يورد الجملة السابقة في وصية الرازي (1) .
قال أبو عبد الرحمن : ههنا أمور :
أولها : أن الصواب : « بماذا اعترف » ، وأما « عمَّاذا اعترف » فلحن مبتدئ يتطاول على العلماء .
ثانيها : أن الذهبي أورد وصية الرازي لما حضرته الوفاة لتلميذه إبراهيم بن أبي بكر الإصبهاني .. أوردها كاملة ، ورواها بالسند ؛ فقال : « سمعت وصيته كلها من الكمال عمر بن إلياس بن يونس المراغي : أخبرنا التقي يوسف بن أبي بكر النَّسائي بمصر : أخبرنا الكمال محمود بن عمر الرازي قال : سمعت الإمام فخر الدين يوصي تلميذه إبراهيم بن أبي بكر .. فذكرها » (2).
وثالثها : أن الذهبي لم يعزو النص السابق إلى وصية الرازي ـ وإن كان معناها وبعض عباراتها في الوصية ـ ، بل ذكر أنه قالها في آخر عمره ؛ فالسقاف كَذَبَ على الذهبي ، وقوَّله ما لم يقل .
ورابعها : ليس في كلام الذهبي تَعْمِيَةٌ ، بل الاعتراف موجود في الكلام الذي سيسوقه
______________________________ ________
(1) صحيح شرح العقيدة الواسطية ص 68ـ69 .
(2) تاريخ الإسلام للذهبي أحداث 601ـ610هـ ص 220ـ222 ، وذكرها كاملة ابن أبي أصيبعة ـ وهو قبل الذهبي ـ في عيون الأنباء ص 466 ـ 468 .
عن ذم الطرق الكلامية التي أسرف فيها ، وأن أقرب الطرق طرق القرآن ؛ ولهذا قال الذهبي : « وقد توفي على طريقة حميدة »(3) .
وخامسها : أن كلام الرازي جميل ، ومفخرة من مفاخره .. يفخر بها محبُّوه ولا يتألَّمون منها ؛ لأنها اعتراف بالحق .
وسادسها : أن معنى هذا الكلام ثابت فيما لا ينكره السقاف من وصية الرازي ، وثابت من شعره « نهاية إقدام العقول عقال » ، وهو من شعر الرازي الصحيح .
وسابعها : أن رجوعه ثابت عنه أيضاً بما قاله الإمام أبو عمرو بن الصلاح : حدثني القطب الطُّوغاني مرتين : أنه سمع الفخر الرازي يقول : ليتني لم أشتغل بالكلام .. وبكى »(4) .
وثامنها : هل هذا السقاف أعلم من الذهبي بالتراجم ، ومصادر الإفادة عنهم .. أم أننا عالة على أمثاله ؟! .. فإن قال بالأولى فقد مَكَّن من نفسه نعوذ بالله من الغرور .
وتاسعها : لا حجة للسقاف في عدم ذكر الذهبي رحمه الله لهذه القصة ؛ بدعوى أن ابن السبكي لم يذكرها .. لا حجة له في ذلك ؛ لأن الذهبي لم يعزو الجملة إلى الوصية ، ولأن ابن السبكي لم يرو الوصية كاملة ، بل اعترف بالحذف منها (5)، ولأن الذهبي شيخ ابن السبكي وأمكن منه في العلم بالرجال .. ومع هذا فلم يختلفا حتى نبحث : أيهما أصح !! .
وعاشرها : أن الإمام الذهبي ـ حسب تكوينه العلمي ـ قد يخطئ ، وقد يقصر فكره عن فهم بعض العقليات .. ولكنه لا يكذب لحفظه وإمامته وعدالته ، وإجماع العلماء على ذلك .. وهو إجماع عدم علم في حكم العلم بالعدم ؛ لأن الحكم في محل محصور .
والحادي عشر : أن السقاف تطاول على الإمام الذهبي وكذَّبه بلا برهان أتى به ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وكتبه لكم :
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
ـ عفا الله عنه ـ
______________________________
(3) سير أعلام النبلاء 21/ 501 .
(4) تاريخ الإسلام /الجزء السابق ص 219.
(5) انظر طبقات الشافعية الكبرى 8/92؛ إذْ أورد بعض الوصية ثم قال : « ثم إن سرد وصيته في ذلك إلى أن قال » .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
تباريح :
إحالة المحال من دين الله :
مما يقشعرُّ منه الجلد قول حسن بن علي السقاف في حق ربنا سبحانه وتعالى : « إن الله تعالى لا داخل العالم، ولا خارجه » .. وقد بنى هذا المحال العقلي، وهذا الجحد لنصوص القرآن الكريم على دعاوى ادعاها على السلف فقوَّلهم ما لم يقولوا ، وادعاها على الشرع، وادعاها على العقل، وملخصها :
1ـ أن القول بسوى ما ذكره تشبيه لله بالجسم .
2ـ أن حذيفة رضي الله عنه ـ كما في صحيح مسلم ـ إذا مرَّ بآية فيها تنزيه الله سبَّح .
3ـ أن القول بسوى ما ذكره يقتضي نسبة المكان إلى الله وهذا مخالف للآية الكريمة من سورة الحديد.. ثم جاء الحديث يبين : أنه ليس فوقه شيئ وليس دونه شيئ .
4ـ سوَّغ المحال في القول « لا داخل العالم ولا خارجه » ؛ بأنه غير محال ؛ لأن ما ادُّعي أنه محال مبني على قياس الله بالعالم .
5ـ ليس في الشرع داخل عالم ، ولا خارجه .
6ـ وَسْوَسَ بهذا المحال بوجود متناقضات معقولة مثل : أتصوره بلا كيف ، ونفي الذكورة عن الله سبحانه (1).
قال أبو عبد الرحمن : ـ ونسأل الله السلامة والعافية ـ ههنا وقفات :
الوقفة الأولى : أن الجمع بين المتناقضين محال في فطرة العقول التي خلقها الله ، ومحال في معارف العقل المكتسبة .. على هذا إجماع المفكرين ؛ ولهذا تندَّروا بحفنة قالت بهذا ثم خرجت عنه بالادعاء كأبي حامد الغزالي الإمام الفحل رحمه الله تعالى .. ذلك أن الخارج والداخل نقيضان مرفوع عنهما الثالث الذي يسمونه الثالث المرفوع ، والوسط المرفوع .
والوقفة الثانية : أن السلف لم يبتدعوا خارج العالم وداخله، ولكن لما ابتدعه غيرهم دفعوه بدفع أحد معنييه، وهو النصوص الكثيرة بعلو الله وإحاطته ؛ وإذ هو عالٍ على خلقه محيط بهم
__________________________
(1) انظر صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص324ـ342 .
فهو ليس فيهم بل خارجهم .
والوقفة الثالثة : ما ركزه الله في فطرة العقل من المحال فنفيه من دين الله وشرعه؛ لأن الله جعل العقل شرط التكليف ، ولأن الله استحث ذوي الألباب ، ولأن الإيمان بالدين إجمالاً حصل بالعقل والحس بالبراهين في الآيات المكية، ثم حصل الإيمان بالشرع تفصيلاً بعد ذلك بالآيات المدنية .
والوقفة الرابعة : الجسم والمكان لم يرد نص شرعي بإثباتهما أو نفيهما ؛ لهذا لا يتكلم بهما السلف؛ لأن ما يتعلق بالله جل جلاله على التوقيف .. فلما استعملهما أهل الكلام قال السلف : نبحث فيما تريدون من المكان والجسم ؛ فإن أردتم تشبيهاً بمكان وجسم فنحن نبرأ إلى الله من ذلك .. وإن أردتم نفي ما أثبته الله من العلو والإحاطة فنحن نبرأ إلى الله أيضاً من ذلك.. بل نثبت باللفظ والمعنى ما دل عليه الشرع، ولا نثبت من اللفظ (وإن احتمل معنى صحيحاً وغيره) إلا ما أثبته الشرع .
والوقفة الخامسة : ما علاقة تنزيه الله بدعوى المحال : أن الله ليس داخل العالم ، ولا خارجه.. بل من نفى هذا المحال فقد نزَّه الله حقَّاً .
والوقفة السادسة : لا يقدر مخلوق مهما تفلسف أن يُفَرِّق بين « المعدوم » وبين « من هو لا داخل العالم ولا خارجه » تعالى الله عن ذلك ؛ لأن الثالث مرفوع .
والوقفة السابعة : ليس في نفي هذا المحال قياسٌ لله سبحانه بالعالم ، بل هذا المحال مما فطر الله العقل على معرفته ؛ لأن الشرع تنزيل الله ، والعالم خلق الله ، والله أعلم بنفسه ؛ فَخَلَقَ الله العقلَ بفطرته في إحالة المحال ليعلم به الحقائق التي هي من خلق الله وعلمه ، أو علمه فقط ، وهي علمه بنفسه سبحانه وتعالى .
والوقفة الثامنة : كذب على أهل السلف بدعوى « لا أتصوره بكيف، ولا أتصوره » .
قال أبو عبد الرحمن : قاتل الله الكذب وأهله ، والله ما قال السلف ذلك ، وإنما قالوا: لانتصور كيفيته سبحانه ، بل نؤمن بوصفه لنفسه سبحانه .. وفرقٌ عظيم بين « لانتصوره بكيف » وبين « لا نتصور كيفيته » .. وحسبنا الله .
والوقفة التاسعة : لم يدع السلف معنى محالاً ثالثاً غير ذكر ولا أنثى .. وإنما نفوا إطلاق اسم لم يرد به شرع مع إيمانهم بأن كل ضمير عن الله سبحانه في نصوص الشرع ، وكل وصف له فهو بصيغة المذكر .. ولكنهم نُهوا أن يُطلقوا على الله ما لم يصف به نفسه .
والوقفة العاشرة : أن الشرع المطهر أوجب علينا ردَّ المتشابه إلى المحكم.. وعلو الله وإحاطته من المحكم ، ومعنى الحديث : « فليس دونك شيئ » من المتشابه ؛ ولهذا بلغت الأقوال فيه سبعة عشر مذهباً ، فوجب رده إلى المعنى الذي يوافق المحكم ؛ لأن الشَّغَب على الشرع محرم ، وقد نهى الله عن ضرب الكتاب بعضه ببعض ، والله المستعان .
وكتبه لكم :
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
ـ عفا الله عنه ـ