الحمد لله والصلاة والسلام على النبي الكريم وبعد،،،
أقول المسألة مفيدة ودقيقة.
يقول: الكل منا يعلم أن مدار التكاليف الشرعية يتوقف صحتها وفسادها على النية، وهذا هو الأغلب في جميع التكاليف الشرعية، فإن التكاليف تنقسم إلى قسمين:
أوامر من الرب الكريم ونواه. فأما الأوامر لابد من القصد إلى فعلها تقرباً إلى الله وامتثالاً لأمره .
وأما النواهي، فإن المكلف يخرج من عهدتها بتركها وعدم القصد إليها، وإن لم يشعر بها.
وعلى ضوء هذا التقسيم لابد من تبيان ذلك في نقاط:
أ- أفعال التروك:
من مثل ترك الزنا وسماع الغناء وترك المحرمات كلها.
فهل يسمى تركها فعل أو لا يسمى فعل. الصحيح فيها ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الترك فعل، فإن العقلاء لا يمدحونه على شيء لا يكون في وسعه، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون في وسعه، بل إنما يمدحونه على امتناعه من ذلك الفعل، وذلك الامتناع أمر وجودي. فتقرر أن يكون هذا الترك فعل وهو ترك ما نهي عنه، وسمى الفقهاء ما نهى عن فعله بأفعال التروك.
ب – نية الترك: إذا كان القول المعتمد عند أهل العلم إن النواهي من باب التروك، وأن الترك فعل فهل يحتاج إلى نية؟ أو لا يحتاج إلى نية؟
الجواب: الراجح وهو الصحيح أن الترك لا يحتاج إلى نية، وهو ما تقرر عند عامة أهل العلم كما تضمنه كلام شيخ الإسلام وهو الحق. فترك المنهي عنه لا يحتاج إلى نية للخروج من عهدة النهي. وكما قرره السيوطي.
فلا نحتاج في إزالة النجاسة إلى نية وكذا ترك المحرمات من غيبة ونميمة وقذف و... .
ج - الثواب على الترك :
لا بد من التفرقة بين ترك المحرمات والكف عن المحرمات فهل يحصل الأجر على الترك أو على الكف؟؟ وهل من ترك المنهيات يتحصل على الأجر لكل المنهيات جميعا أو أنه يتحصل على الأجر العام لتركه المنهات ؟
الجواب: ترك النواهي من غير قصد ولا نية لا ثواب للمكلف فيها، لأن الإثابة إنما تكون على المقصود المنوي، ولا نية في هذا الحال. نعم تحصل إثابة على النية عامة، فإن المسلم من لازم عقيدته امتثال الأوامر واجتناب النواهي وأما إن قصد فعل المنهي عنه أو خطر بباله أو تيسر له فعله ثم كف نفسه عنه طاعة لله أثيب على ذلك، لأن الترك في هذه الحال قربة مأمور بها فالنواهي بالضرورة لها حالتان:
الحالة الأولى: أن لا تخطر بالمكلف ولا تدور في خياله، فاجتنابها لا يسمى تركاً فلا يحتاج إلى نية.
الحالة الثانية: أن تخطر النواهي في بال المكلف فيفكر فيها أو يعزم على فعلها، أو يشمئز عند تصورها واستحضارها في ذهنه، فيكف نفسه، ويعرض عنها خوفاً من العقاب ورجاء الثواب، فالنية في هذه الأحوال ملازمة للمكلف إذ لا يتصور كف نفسه عنها إلا بنية وإعراضه عنها وكف نفسه يسمى فعلاً.
قال ابن حجر في فتح الباري في بيان أن هناك فرق بين الكف عن المحرم والترك المجرد للمحرم : ((والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه، وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس فمن لم تخطر المعصية بباله أصلاً ليس كمن خطرت بكف نفسه عنها خوفاً من الله تعالى، فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه لا الترك المجرد))
قال السيوطي: ((وترك المنهي عنه لا يحتاج إلى نية للخروج من عهدة النهي، وأما لحصول الثواب بأن كان كفاً وهو أن تدعوه النفس إليه قادراً على فعله فيكف نفسه عنه خوفاً من ربه فهو مثاب، وإلا فلا ثواب على تركه، فلا يثاب على ترك الزنا وهو يصلي، ولا يثاب العنين على ترك الزنا، ولا الأعمى على ترك النظر إلى المحرم)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والنجاسة من باب ترك المنهي عنه فحينئذ إذا زال الخبث بأي طريق كان حصل المقصود، ولكن إن زال بفعل العبد ونيته أثيب على ذلك، وإلا إذا عدمت بغير فعله ولا نيته زالت المفسدة ولم يكن له ثواب ولم يكن له عقاب)).
((وبعد ذكر ما تقدم من عبارات هؤلاء العلماء وما تقرر في أول المسألة نستنتج الحقائق الآتية:
1 - الترك من قسم الأفعال لأن متعلقه في النهي كف النفس.
2 - المنهيات إذا لم تخطر ببال المكلف لا تحتاج إلى نية.
3 - المنهيات إذا قصد المكلف الكف عنها قربة لله صار عبادة وأثيب عليها))انظر كتاب النية للسدلان.
نقلت هذا مع تعديل وإضافة من كلام الكاتب د. عبود بن علي بن درع في مقال له بعنوان: القصد والنية في الشريعة الإسلامية