بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن تعبد وبعد،،،

اطلعت على كلامٍ لعالم فذ - يرحمه الله- وهو: عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني في كتاب له بعنوان: " روائع من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم دراسات أدبية ولغوية وفكرية" وفي شرح له للحد يث التالي قيدت واختصرت لكم هذه الدرر من كتابه والتي تبين أن القسمة ثنائية خير وشر، مع الرجوع لكلام النووي والسيوطي وبعض كتب التعريفات.

فلعلي أقف مع هذا الحديث البليغ وقفات دعتني أجعله في هذا القسم لنرى كيف كانت بلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي لا يجاريها بلاغة بليغ ولا أدب أديب ولا وعظ واعظ .. مع أني استسمحكم عذرا باختصاره لكن المقام يستدعي ذلك ... وأرجو أن تقرأ يا أخي قراءة المتأمل فهو قطعة نبوية أدبية بليغة مختصرة :
أولا الحديث : أن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ « لاَ وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلاَّ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « كَيْفَ قُلْتَ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْخَيْرَ لاَ يَأْتِى إِلاَّ بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ فَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ».


ثانيا معاني الكلمات: الْخَيْرُ: ضد الشر. الحبط: هو أن تأكل الماشية حتى تنتفخ ولا يخرج ما أكلته. يلم: يقارب القتل. الخضر: النبت الذي ليس هو من أحرار البقول وهو التي تكثر منه الماشية ولا يضرها. ثلطت :ألقت ما في بطنها. اجترت: مضغ الطعام.

ثالثا: دلائل هذا الحديث النبوي الشريف: إنها دلائل وأي دلائل :
أ/ يبشر الرسول الصحابة بأن الدنيا ستفتح عليهم ويخشى عليهم من هذا الانفتاح، وشبه الانفتاح بالزهرة لأنها سريعة الذبول وكذا الدنيا سريعة التغير.
ب/ قوله: " أيأتي الخير بالشر"، استشكل الصحابي هذا فقال كيف يأتي الخير بالشر وهذا الاستشكال نابع من تربيةٍ تربَّوْا عليها رضي الله عنهم وهو أنهم كانوا لا يستخدمون المال إلا في الخير لذا سموه خيرا ونطق القرآن بهذا العرف الصحابي فقال الحق: " وإنه لحب الخير لشديد" ، وفي بعض الروايات أنه صمت الرسول وكرر عليه الصحابي ذلك ثلاثا ثم قال له الرسول كيف قلت وأعاد عليه السؤال ثم أجابه الرسول بقوله: "إن الخير لا يأتي إلا بخير أوَ خَيرٌ هو "، فبهذا الجواب المختصر نأخذ منه فلسفة دقيقة تشفي الغليل ويا سبحان من أعطاه البيان فبين أن القسمة الفلسفية للخير والشر تتلخص في هذه الاجابة:
1- خير محض ونمثل له بالإسلام فكله خير.
2- شر ونمثل له بالمحرمات فكلها شر.
3- أمور لا توصف بالخير أو الشر بل هي وسيلة إما لهذا أو لهذا، من مثل زهرة الدنيا " المال " ونحوه.

ثم ضرب المثال للقسم الثالث في صورة تقرب للذهن المعنى وتثبته فيه، قال الأزهري موضحا ذلك:" فيه مثلان أحدهما: للمكثر من الجمع المانع من الحق، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ) ؛ لأن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر منه الدابة حتى تهلك.
والثاني : للمقتصد ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : (إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ) ؛ لأن الخضر ليس من أحرار البقول"ا.هـ
فزهرة الدنيا للناس تشبه الربيع للماشية فمن غفل عن الواجب واستحلى الدنيا وجمعها من غير ما حلله الله ولم يؤد ما افترضه الله عليه كان ذلك سبب هلاكه وقل عكس ذلك ينعكس لك الحكم تلقائيا!!!
ج/ النتيجة:" فَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
......