يقول ربنا جل جلاله في محكم كتابه الخالد : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
أيها المسلم :
بعد أيام ستمر علينا ليلة من الليالي الفاضلة ، ليلة يتجلى الله فيها على عباده بالمغفرة وبالرحمة فيغفر للمستغفرين ويجيب دعاء السائلين ، الليلة التي ينزل الحق فيها إلى السماء الدنيا فيغفر لجميع خلقه إكراما منه وتفضلا ، إنها ليلة المغفرة ،إنها ليلة النصف من شعبان .
فينبغي على كل مسلم أن يغتنم هذه الليلة لأنها فرصة ربما ستدركها في هذا العام ولكن ربما لا تدركها في العام القادم لذلك قال الإمام علي رضي الله عنه : (اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب) ... وتصور معي أيها المسلم لو أن احدنا وقع في شدة وقالوا له لن تتخلص من شدتك هذه إلا بعد أن تفعل كذا وكذا .. ألا يسارع إلى انجاز ما أمر به ...
وكذلك أنت أخي المسلم إذا ما أردت الرحمة والمغفرة من الله ، وإذا ما أردت أن تنال نفحة من النفحات التي لا تشقى بعدها أبدا ، وإذا ما أردت أن يكون دعاؤك مستجابا ، ما عليك إلا أن تجيب نداء الله تعالى حين ينزل في الثلث الأخير من الليل ...فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ لِنِصْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ أَوْ يَنْصَرِفَ الْقَارِئُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ) سنن الدرامي
فأنت ما عليك إلا أن تقف وتقول يا رب : ها أنا واقف ببابك ، يا رب : جئتك تائبا ومستغفرا من ذنوبي فتب علي يا ارحم الراحمين ، وحاشا الله أن يخيب من ناداه
قف بالخضوع ونادى يا الله.......ان الكريم يجيب من ناداه
واطلب بطاعته وضاه فلميزل ......بالجود يرضى طالبين رضاه
واسأله مغفرة وفضلا انه............مبسوطت ان للسائلين يداه
واقصده منقطعا إليه فكلمن...........يرجو منقطعا إليه كفاه
شملت لطائفه الخلائقكلها........ ......مال الخلائق كافل إلا هو
ها هو النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم – يقول فيما يحكِي عن ربهِ تبارك وتعالى : (( أذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ الله تَبَاركَ وَتَعَالَى : أذنَبَ عبدي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ ، فَقَالَ : أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبي ، فَقَالَ تبارك وتعالى : أذنَبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ...وقوله تَعَالَى : (( فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ )) أيْ : مَا دَامَ يَفْعَلُ هكذا ، يُذْنِبُ وَيَتُوبُ أغفِرُ لَهُ ، فَإنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا .
فينبغي على كل واحد منا أن يغتنم هذه الليلة في طاعة الله تعالى ...والله إنها فرصتنا جميعا لننال المغفرة من الله تعالى .. إنها ليلة المغفرة ... إنها ليلة النصف من شعبان ..
عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، عَن ِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"يَطَّلِعُ اللَّهُ الى خَلْقِهِ في لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) رواه ابن حبان قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح بشواهده
عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ لِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ[البيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:771].
فكيف حالك أخي الحبيب مع زوجتك ومع أبنائك ومع والديك وأقاربك؟! وكيف حالك مع جيرانك وأصدقاء العمل؟ بل كيف حالك مع الناس جميعًا؟ هل في قلبك شيء لأحد؟ هل في قلبك غلٌّ لأحد؟ هل بينك وبين أخيك خصومة؟ سَل نفسَك، وإن وجدت شيئًا من ذلك فطهِّر قلبك واذهب إلى خصيمك وصالحْه حتى وإن كان هو المخطئ،فابدأ أنت، واعفُ حتى يعفوَ الله عنك، فأنت في أشدِّ الحاجة إلى عفْوِ ربك ومغفرته، وتذكر :وخيرهما الذي يبدا بالسلام
فهذه دعوة لكل المسلمين انه من أراد مغفرة الله في هذه الليلة فليتب إلى الله وليصطلح مع خصمائه وليكن شعار كل واحد منا يا رب إني سامحت كل الناس من اجل أن تغفر لي ... وليستغل هذه الليلة بالدعاء والاستغفار وصلاة القيام وتلاوة كتاب الله .
وان اقل القيام ان يحافظ المسلم على صلاة العشاء والفجر بجماعة فمن صلى العشاء والفجر بجماعة فكأنما قام الليل كله .
ملاحظة : ليلة النصف من شعبان ستكون في ليلة الثلاثاء 14/ شعبان /1431