الشرك أفيون الشعوب


على عكس ما تتوقع او تظن ايها القارى لم يكن الشرك ظاهرة استثنائية فى تاريخ الامم ولم يكن ضيف الشرف الذى الذى يحل على مسرح الاحداث يلقى كلمة او كلمتان ثم يمضى لحاله فعلى العكس ففى تاريخ كل الامم والشعوب فى الاجيال المتعاقبة الدهور، كان التوحيد إستثناء والشرك هو القاعدة والاساس ضع بين عينيك استغاثة ابرهيم عليه السلام وهو يصيح رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاس فعلم ابراهيم ان الشرك هو الطاعون الذى استشرى فى الامم واهلك ذرية ادم وأودى بها ان هذا الداء الذى يحمل فى طياته التدنى الاجتماعى والظلم المقنن والاستضعاف وعلو طبقة فوق اخرى وتعبيد البشر بعضهم لبعض فى صورة من صور العبودية المتعددة هو اكثر الطواعين فتكا فى التاريخ وهو صورة من تخدير العقل الانسانى الا تستطيع ان تسمع القران وهو يهمس مرة ويصرخ اخرى الى تدنى مستوى الانسانية فى المشرك الى الحيوانيه بل الى ماهو اضل سبيلا يقول القران أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًااى مخدر ينزل بالانسان الى هذه الدرجه ان جعل الشرك افيون او مخدر هو تعبير مهذب عما هو اكثر انحطاطا ان الانسان لايتحول الى حمار او خنزير بتناول المخدر لكنه يتحول الى ماهو ابشع من ذلك بالشرك ان هذه الدونية فى درك الانحطاط كانت عاملا مؤثرا فى ناريخ الانسان فمنذ ان كان الانسان وكان الشرك لم تخلوا الارض من مأساة صاعدة الى مأساة بحيث يصدق على الشرك انه صانع مأساة التاريخ الانسانى


موجز فى تاريخ الشرك عقد الامام محمد بن عبد الوهاب فصلا فى كتاب التوحيد للغلو فى الصالحين وجعل منشأ الشرك هو الغلو فيهم وكان مما اورد فى هذا الباب قوله تعالى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وسبب ايراد الايه ان عيسى عليه السلام لما كان من الانبياءالذين هم رؤوس الصالحين فان النصارى غلو فيه حتى رفعوه لمقام الالوهية فصرفو له العبادات بكافة انواعها والغلو بطبيعته لا ينشأ دفعة واحدة ولكنه متطور يتحرك فى مسار متدرج فاول شرك نشأ فى العالم هو شرك قوم نوح عليه السلام ففى الصحيح عن ابن عباس ان ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا كانو من صالحى قوم نوح فلَّما هَلَكوا أَوْحى الشَّيطانُ إلى قَوْمِهِم : أنِ انْصِبُوا إلى مَجالِسِهِمْ التي كانوا يجلسون فيها أنْصابا ، وسَمُّوها بأسمائهم، ففعلُوا ، فلم تُعبدْ ، حتى إذا هلك أولئك، تنَسَّخَ العلمُ عُبِدَتْ. أخرجه البخاري. اما العلة التى زين بها الشيطان الطريق الى عبادة الشيطان ففى رواية اوردها ابن جرير عن محمد ابن قيس قال: كانوا قومًا صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم.
وفى بعض الرويات انهم كانوا من اولاد ادم عليه السلام اى انهم كانو ا متقدمين فى الفترة الزمنية عن مجئ نوح عليه السلام فذكر السهيلى فى التعريف ان يغوث بن شيث بن ادم وكذا سواع ومابعده وكلما مات منهم احد مثلوا صورته وتمسحوا بها الى زمن مهلاييل فعبدوها بتدريج الشيطان لهم ،،فيتبين ان منشأ الوثنية تعظيم الصالحين اما كيف وصلت الاصنام الى العرب رغم اتساع المسافة الزمنية بينهم فقد روى الفاكهى عن ابن الكلبى كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن، فأتاه فقال: أجب أبا ثمامة، وادخل بلا ملامة، ثم ائت سيف جدة تجد بها أصناما معدة، ثم أوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب، فأتى جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وفي الأصنام التي كانت عبدت على عهد نوح وإدريس، ثم إن الطوفان طرحها هناك، فاستثارها عمرو، وحضر الموسم، ودعا إلى عبادتها فأجيب )) وعمرو بن ربيعة هوعمرو بن لحي، أول من غير دين إبراهيم، وبذلك تتضح جوانب من شخصية عمرو بن لحى ذلك المفسد الوثنى الذى غير دين ابراهيم عليه السلام فقد قام بنفس الدور الذى قام به شاؤول اليهودى فى تبديل العقيدة الاسلامية التى جاء بها المسيح عليه السلام وهو نفس الدور الذى سعى للقيام به عبد الله بن سباء اليهودى فى الاسلام وهو المعروف بابن السوداء من خلال مزاعمه فى على بن ابى طالب رضى الله عنه وهذا الصنف من الناس يكون فى العادة مدعوم بالوجاهة الاجتماعبة او بالسلطه السياسية او بالقدرة الماليه او با لجميع ولكن اخطر داعميه واعوانه ومطرقته الحديديه هو الجهل والتحريف المتراكم وادعاء القداسه الدينيه وفى المقابل قد تتواجد سطحية الافراد والجماعات والشعوب التى تحسب كل سوداء تمره وكل حمراء جمره ،، اما الشرك فهو متشابه فى كل الحضارات والاقوام كما كان دعاته وانصاره متشابهون ويتحركون بنفس الوسائل والمتمدن والهمجى فى ذلك سواء ،ونظرة فاحصة فى التاريخ تعطيك اجابات حاسمة ،ففى العقيدة المصرية القديمة كان الملك ياخذ صفة الاله لما يمثله فى نظر قومه من البطولة وحماية الديار والعطف على الفقراء انه فى النهاية الشخص الصالح الذى تعطيه االالهة وساما بالحلول فيه او تعتبره ابنها على الحقيقة او على المجاز … بوذ ايضا فى نظر قومه هو شخص جيد انه رمز الحكمة والتفانى ورغم ان البوذية لاتحفل بفكرة الاله الا انها مالت الى تأليه بوذ ،بينما كان كرشنا هو التجسيد الارضى للاله فى الهندوسية فهو بشر متأله او الها متجسدا والفكرة تعود الى تمازج اللاهوتى بالناسوتى ، اما الشنتوية وهى الديانة اليابانية فقد تطورت من توقير الاسلاف وزعماء القبائل والابطال الذين صاروا سادة اليابان فيما بعد وكان زعيمهم الميكادوصاحب النصيب الاعظم فى التقديس ثم زعموا انهم يمتون بالقربى الى الشمس والميكادو هو ممثل الشمس والالهة السماوية على الارض و الكونفوشيوسية تخصص معبد لارواح الاسلاف ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل.وفى الثقافة الجاهلية يكاد يكون تأليه البشر صفة اساسية فلا تكاد تجد مذهبا او دين لايقوم على عبادة البشر او اعطائهم صفة الالوهية حتى اليهودية التى تميزت بكثرة الانبياء لم تنجو من هذا وعبادة عزير حكاها القران ، واقتباس الديانات الجاهلية بعضها من بعض ظاهرة معروفه تقوم عليها دراسات فى علم الاديان المعاصر وقد سبق القران الى تقرير هذه الحقيقة العلمية قبل الابحاث المعاصرة فتجد القران يقرر ان مافعله اليهود والنصارى من تأليه عيسى وعزير عليهما السلام هو مضاهاة لاهل الكفرمن قبل قال تعالى { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) }التوبة ،،
سلبية الاديان الجاهلية
ليس هناك دين جاهلى قديم او معاصر الا وقد ترك قضية التشريع فى الاقتصاد والسياسة لاهواء الملوك ورغباتهم فالنصرانية بكل ثقلها تؤمن بان ما لله لله وما لقيصر لقيصر واليهودية على وجود العديد من التشريعات فيها هى معطلة فى هذا الباب ومع ان دولة اسرائيل تنص على اليهودية كدين وهوية وسبب وجود الا انها علمانية فى مجال القانون الاجتماعى والسياسى والاقتصادى ورغم ذلك فهى دينية الهوى والاتجاه والعالم الحديث باكمله هو علمانى مارق من حدود التدين جاهلى كان اوغير جاهلى ، وهذه العلمانية هى فى الاصل ردة الفعل ضد السلبية الدينية القديمة التى تركت الملوك يهلكون الحرث والنسل باسم الدين ويستغلون الدين ابشع استغلال ضد الطبقات البائسة فى المجتمع وهو مادفع الملحد الشهير كارل ماركس الى اطلاق مقولته ذئعة الصيت الدين افيون الشعوب لانه فى دراساته للنصرانية الاوروبية لم يجد فى تاريخ الكنيسه الا القيام بدور الدجال الذى يحتال على البؤساء ويبارك الملوك والاقطاعيين ويمنح البؤساء مزيدا من الوهم والبؤس، والاديان فى نظره تتساوى جميعا فى هذا الدور فى حدود معرفته ، ولكن الفكر العلمانى لم يذهب بعيدا حتى انتج الرأسمالية وهى عبارة عن مذهب يقوم على فن الظلم بطريقة منظمة حيث تتكدث الثروة بطريقة اليه فى جيوب حفنه من الاحتكاريين المرابين ، اما الشيوعيه وهى الفكرالمضاد للرأسمالية تحول الحزب فيها هو السيد الجديد الذى يستأثر بكدح الطبقات الفقيره ،مع انها صاحبة دعوة عريضه فى النضال من اجل الكادحين شرك العلمانية
والعلمانية بشقيها الرأسمالى والشيوعى استعاضت عن الشرك القديم الموروث بنوع اخر من الشرك وهو فى ذاته لون من الوان عبادة البشر، وهو شرك التشريع فاصبح بعض البشر اربابا لبقية القطيع، حيث من مهمته ان يقرر اسلوبا فى الحياة وشريعة للمجتمع يختلقها وفق مايتصور انه عدالة ،ولايوجد انسان على الارض غير متحيز للهوى ،الا اذا كان قائما بشريعة سماوية ،لذاتجد ان اغلب التشريعات تذهب لحماية اصحاب السلطة السياسية والنفوذ الاجتماعى وارباب المال والصناعات، وهذه الحماية تكون بسن القانون لصالحهم ،او بتأويله لصالحهم، او بتعطيله لصالحهم، اى ان صالحهم هو الاساس، وكل ماعدا ذلك هوامش على دفتر الهوى ، تأمل مثلا قوانين حقوق الانسان ومواثيق الامم المتحدة ،كيف ان جميعها معطل وغير ذا قيمة، اذا تعلق الامر بامريكا و اوروبا واسرائيل ،ان هذا الفشل البشرى هو صفة اساسية فى صناعة القانون ان الدول التى صعدت القمر لا تستطيع ان تضبط الامن داخل شوارعها فالاغتصاب والسرقةاكثر انتشارا فى هذه الدول ،وعيوب الفكر البشرى واضحة جدا فالمجرم الذى قتل اسرة كامله وهو يغنى لا تسمح قوانين بعض هذه الدول باعدامه ولكن على المجتمع ان يتكفل بنفقات اعالته بالطعام والشراب والعلاج المجانى داخل سجنه الذى يدخن فيه المخدرات ،وفى النهاية فان العالم الحديث منقسم مابين دول الشمال التى تمتلك اغلب ثروات الكرة الارضية ودول الجنوب وهى الاغلبيه التى تعيش على الفتات المتبقى من مائدة الكبار وهى خاضعة لهيمنة الدول الشمالية المتقدمه وعليها ان تقبل ما يملى عليها من السادة اوان تواجه المجاعة او الحرب او المؤامرات الدولية وهذه الدول الجنوبية المتخلفة واغلبها فى العالم الاسلامى تنقسم بدورها الى طبقتين طبقة الحكام واعوانهم وكبار اللصوص وطبقات الجماهير الضائعة والتى يتجمع بلاء العالم الجاهلى كله فوق راسها حيث عليها دائما ان تدفع ثمن سيطرة الانظمة الشركية العالمية ،وقد بذلت الجهود الجبارة لتعبيد المسلمين لألهة العالم الجديد المادة والاهواء ومسميات العلمانيهالمزخر فة الليبرالية ،الديموقراطية،ا لحداثة وهلم جره فالى اى مدى نجح هولاء فى خطتهم الابليسيه
تجميع الخيوط
فى هذه القضية المتشعبة كلما امسكت بخيط ذهب بك الى اتجاه محدد ،عندما تبدأمن التاريخ لا تجد الا لشرك، وعقائد الامم لا تدلك الا عليه، والثورة على ظلم الاديان الشركية القديمة، وإحداث مذهب لايحفل بامر الدين والالوهية لاياتيك الا بالشرك، حيثما اتجهت رايت لونا منه، ان هذا العدو الضخم الرهيب الذى تحرسه قنابل امريكا النوويه وجيوش اوروبا، وزبانية تعذيب العالم الثالث، وجحافل الكفر المركزى هو تاريخ البشرية، وهو موزع الالام والأسى، وقصة انحطاط لاحدود لبشاعتها..
انور الزعيرى