موقف المتكلمين من آيات القرآن والأحاديث المشتهرة

1. موقفهم من ثبوت النص القرآني :

من المعلوم بالضرورة أن القرآن الكريم, كتاب أهل الإسلام, محفوظ من الزيادة والنقص بحفظ الله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

والذي يذكر هنا : أن المتكلمين مؤمنون بهذا القرآن وبحفظه من الزيادة والنقصان , كما هي عقيدة المسلمين كافة. لكن من العجب أن ينتسب قوم إلى الإسلام ويُنقل عنهم دعوى نقص القرآن أو زيادته. ومنهم :

الروافض :

إذ أن كثيرا منهم يزعم تحريف القرآن نقصا أو زيادة. بل حٌكي فيه الإجماع عندهم. وألف الطبرسي فيه كتابا أسماه : (فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب). وهذا ثابت عنهم عليهم من الله ما يستحقون.

الخوارج :

نٌسب إلى بعض الخوارج القول بأن سورة يوسف ليست من القرآن. إلا أن نسبة هذا القول إليهم لم تصح حيث حٌكيت عنهم بصيغة التمريض. قال الأشعري : (وحكي لنا عنهم ما لم نتحققه). وقال الشهرستاني : (ويحكى عنهم).

المقصد أن من قال بتحريف القرآن ليسو معنيين في هذا الباب. وإنما المعني في هذا البحث من يؤمن بحفظ هذا الكتاب ويظهر احترامه ولا يقول بتحريفه. لذلك نجد أن بعض المتكلمين يردون على دعاة التحريف من الروافض, كما رد عليهم القاضي عبدالجبار والزمخشري والرازي وغيرهم.

2. موقف غلاة المتكلمين من القراءات الشاذة والموضوعة.

لا بد أولا من معرفة أن القراءات على ثلاثة أقسام :

الأولى : الصحيحة. وهي ما توفر فيها ثلاثة أركان, أولا موافقة اللغة ولو بوجه, وثانيا موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا, وثالثا تواتر السند.

الثانية : الشاذة الضعيفة. وهي ما فقدت أحد أركان القراءة الصحيحة.

الثالثة : الموضوعة. وهي المكذوبة المختلقة.

نبين الآن مواقف لبعض المتكلمين وغلاتهم في إثبات بعض القراءات الشاذة. بل حتى الموضوعة أحيانا.

قال الباقلاني في بيان ذلك : ( قال قوم من المتكلمين : إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة و أوجه وأحرف إذا كانت تلك الأوجه صوابا في اللغة العربية, وإن لم يثبت أن النبي صلى الله عله وسلم قرأها, بخلاف رأي القياسيين واجتهاد المجتهدين, وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه, وخطئوا من قال بذلك وصار إليه.)

ومِن تلاعب الغلاة ببعض القراءات ما جاء عن عمرو بن عبيد حينما مر على أبي عمرو بن العلاء فقال له :

كيف تقرأ : (وإن يَستَعتبوا) ؟

فقال أبو عمرو : (وإن يَسَتعتبوا فما هم من المستَعتبين) بفتح التاء في (يستعتبوا) وبفتح التاء في (المعتبين).

فقال عمرو بن عبيد : ولكني أقرأ (وإن يٌستعتبوا فما هم من المعتِبين) بضم الياء في (يستعتبوا) وكسر التاء في (المعتبين).

ففال أبو عمرو : ومن هنالك أبغض المعتزلة, لأنهم يقولون برأيهم.

ومن ذلك قول عمرو بن عبيد لأبي عمرو أيضا في آية (وكلم الله موسى تكليما). وشهرة هذه القصة تغني عن إعادتها.

وقرأ بعض المعتزلة : (من شر ما خلق) بتنوين (شر) وجعل (ما) نافية.

وقراءة : (عذابي أصيب به من أشاء) بالسين بدل الشين. نبه على ذلك أبو حيان. وقال أبو عمرو الداني : (ولا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاووس. وعمرو بن فائد رجل سوء, وقرأ بها سفيان بن عيينة مرة واستحسنها, فقام إليه عبد الرحمن المقرئ وصاح به وأسمعه, فقال سفيان : لم أدر , ولم أفطن لما يقول أهل البدع).

وذكر ابن عطية أن المعتزلة يتعلقون بهذه القراءة من جهة انفاذ الوعيد وخلق المرء أفعاله.

تنبيه : موقف المتكلمين تجاه هذه القراءاة عبارة عن منهج متبع مقصود ولم يكن مجرد خطأ عابر أو اجتهاد مخلص يمكن أن يعذروا به كما حصل لشريح حين أنكر قراءة : (بل عجبت ويسخرون) بضم التاء وقال : (إن الله لا يعجب). فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إن شريح شاعر يعجبه علمه, كان عبدالله أعلم منه , وكان يقرأ (بل عجبت)). أي بضم التاء.

كما أنه عرف عن بعض شيوخهم قلة تعظيمهم لكلام الله كما وقع للجهم ولعمرو بن عبيد , مما أورثهم قبح السيرة وسوء الخاتمة كما وقع للنظام, إذ مات وهو سكران نسأل الله لنا ولكم العافية.

3. موقف المتكلمين من ثبوت الأحاديث المتواترة.

لا تخفى أهمية السنة ومكانتها في الشريعة, ومضى عمل اهل العلم على العمل بالسنة قولا وعملا. بل من المعلوم أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجه كفر وخرج من دائرة الإسلام. وقد جاء في بيان أهمية السنة أحاديث وآثار كثيرة جدا.

وقد قُسمت السنة إلى قسمين : متواتر وآحاد, ومع اختلافهم في ضبط المتواتر إلا أن كافة أهل العلم قالوا بأن المتواتر يفيد العلم القطعي. قال ابن حزم : (لم يختلف مسلمان على وجوب الأخذ به, وفي أنه حق مقطوع على غيبة). وعلى هذا القول عامة المتكلمين كما هو قول القاضي عبدالجبار والباقلاني والبغدادي والجويني والآمدي, ولم يشذ منهم إلا النظام وأبي الهذيل ولا يلتفت لخلافهم.

إلا أنك تعجب من مخالفة هؤلاء المتكلمين وإنكارهم لكثير من الأحاديث المتواترة إما زعما أنها لم تبلغ حد التواتر وإما بتحريف معناها وإما بإنكارها صراحة.

وعلى ذلك ثلاثة أمثلة :

الأول : الشفاعة, إذ نص جماعة من العلماء على أن أحاديث الشفاعة متواترة, وقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام : (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي).

قال القاسم الرسي المعتزلي : (فلا يغتر مغتر ولا يتكل متكل على قول من يقول من الكاذبين أن قوما يخرجون من النار بعدما يدخلونها, يعذبون بقدر ذنوبهم, هيهات, أبى الله جل ثناؤه).

الثاني : الرؤية, إذ نص العلماء أيضا على أن أحاديثها متواترة. وقد ورد فيها آيات وأحاديث كثيرة منها حديث : (سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر).

قال القاضي عبدالجبار : (ومما يتعلقون به أخبار مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأكثرها يتضمن الجبر والتشبيه, فيجب القطع على أنه لم يقله وإن قاله حكاية عن قوم, والراوي حذف الحكاية ونقل الخبر). وقال القاضي بأنه لم يأت فيه إلا حديث جرير وفيه قيس بن أبي حازم وفيه ضعف. ولا يخفى عليكم ضعف هذا الكلام من الناحية الحديثية.

الثالث : عذاب القبر, أنكره بعض الخوارج وحكي عن ضرار بن عمرو من المعتزلة نسأل الله لنا ولكم العافية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

اختصرته لكم من الكتاب الماتع : (موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة) للشيخ سليمان الغصن جزاه الله خيرا