بارك الله فيك..
من قال بهذا القول عن اجتهاد يُعذر فيه في الجملة= لا يكون فاسقاً من هذه الجهة ولا نزاع بين السلف من هذه الجهة،وهل يقول عاقل فضلاً عن فقيه أن الصلاة خلف ابن حزم لا تصح ؟
قال الشافعي : ((و المستحل لنكاح المتعة و المفتي بها و العامل بها ممن لا ترد شهادته و كذلك لو كان موسرا فنكح أمة مستحلا لنكاحها مسلمة أو مشركة لأنا نجد من مفتي الناس و أعلامهم من يستحل هذا و هكذا المستحل الدينار بالدينارين و الدرهم بالدرهمين يدا بيد و العامل به لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به و يعمل به و يرويه و كذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن فهذا كله عندنا مكروه محرم و إن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم و لم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم و نقول لهم : إنكم حللتم ما حرم الله و أخطأتم لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم و ينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز و جل)).
قال شيخ الإسلام : ((الصَّحِيحُ : أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يَفْسُقُ ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ)).
وقال الشيخ : (( ولكن من ذهب إلى القول المرجوح ينتفع به في عذر المتأولين ؛ فإن عامة ما حرمه الله مثل قتل النفس بغير حق ومثل الزنا والخمر والميسر والأموال والاعراض قد استحل بعض أنواعه طوائف من الأمة بالتأويل ، وفي المستحلين قوم من صالحي الأمة وأهل العلم والإيمان .. لكن المستحل لذلك لا يعتقد أنه من المحرمات ، ولا أنه داخل فيما ذمه الله ورسوله ؛ فالمقاتل في الفتنة متأولا لا يعتقد أنه قتل مؤمنا بغير حق ، والمبيح للمتعة والحشوش ونكاح المحلل لا يعتقد أنه أباح زنا وسفاحا ، والمبيح للنبيذ المتأول فيه ولبعض أنواع المعاملات الربوية وعقود المخاطرات لا يعتقد أنه أباح الخمر والميسر والربا ... ولكن وقوع مثل هذا التأويل من الأئمة المتبوعين أهل العلم والإيمان ، صار من أسباب المحن والفتنة ؛ فإن الذين يعظمونهم قد يقتدون بهم في ذلك ، وقد لا يقفون عند الحد الذي انتهى إليه أولئك ، بل يتعدون ذلك ويزيدون زيادات لم تصدر من أولئك الأئمة السادة ، والذين يعلمون تحريم جنس ذلك الفعل قد يعتدون على المتأولين بنوع من الذم فيما هو مغفور لهم ويتبعهم آخرون فيزيدون في الذم ما يستحلون به من أعراض إخوانهم وغير أعراضهم ما حرمه الله ورسوله ، فهذا واقع كثير في موارد النزاع )) .
وقال الشيخ : ((قَوْلُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ؛ وَالثَّوْرِيِّ ودَاوُد بْنِ عَلِيٍّ ؛ وَغَيْرِهِمْ لَا يؤثمون مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ وَلَا فِي الفروعية كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَابِيَّة وَيُصَحِّحُونَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمْ . وَالْكَافِرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَقَالُوا : هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ : أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ وَلَا يُفَسِّقُونَ وَلَا يؤثمون أَحَدًا مِنْ الْمُجْتَهِدِين َ الْمُخْطِئِينَ لَا فِي مَسْأَلَةٍ عَمَلِيَّةٍ وَلَا عِلْمِيَّةٍ)).
وقال الشيخ : ((المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من أئمة المسلمين )).
لكن للنظر جهتان :
الأولى : من لم يكن أهلاً للاجتهاد = فمثل هذا يأثم ،ولا شك ولا تُجرى عليه أحكام المجتهدين في الإعذار وعدم ترتيب الأحكام،ولكن هل يبلغ به إثمه درجة الفسق ؟
الذي عندي : أن هذا يتفاوت باعتبار الخلل في الأهلية وما يظهر من قرائن حسن القصد والاجتهاد.
وهل يُشترط أن يقرن فتياه بالعمل(بعد ثبوت كون ما أفتي بحله هو من المُفسقات أصلاً) أم قد يبلغ الإفتاء من غير المتأهل أن يكون فسقاً ؟
الصواب : الثاني.
الثانية : منع الصلاة خلف المفتي بالقول الشاذ زجراً وهجراً ،وهذا له وجه من الاجتهاد قوي،وهو أصح ما يُبنى عليه هذا الباب وأسلمه،ولكن الشيخ لم يبن عليه كما هو ظاهر.