تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: دليل الاستصحاب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    162

    افتراضي دليل الاستصحاب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
    فهذا بحث مختصر سهل في دليل ( الاستصحاب ) أرجو أن ينتفع به الإخوة الكرام

    أولاً : تعريفه لغةً واصطلاحاً :
    الاستصحاب لغةً : استفعال من الصحبة أي طلب الصحبة كقولهم : ( استغفر أي طلب المغفرة واستفهم أي طلب الفهم ) والصحبة يراد بها معانٍ :
    الأول : المقاربة والمقارنة ولذا يقال للقرين صاحب .
    الثاني : الملازمة وعدم المفارقة ومنه تسمية الزوجة صاحبة لملازمتها للزوج وطول صحبتها له في الغالب كما في قوله تعالى : ﴿ وصاحبته وأخيه ﴾.
    الثالث : الحفظ ومنه قولهم : أصحب الرجل واصطحبه أي حفظه .
    الرابع : الانقياد ومنه قولهم : أصحب فلان إذا انقاد .

    وأما اصطلاحاً : فعرف بعدة تعريفات نذكر منها :
    1 - تعريف الغزالي : ( التمسك بدليل عقلي أو شرعي وليس راجعاً إلى عدم العلم بالدليل بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير ، أو مع ظن انتفاء المغير عند بذل الجهد في البحث والطلب ) وبنحوه عرفه ابن قدامة .
    2 – تعريف ابن تيمية : ( البقاء على الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع )
    3 – تعريف ابن القيم : ( استدامة إثبات ما كان ثابتاً ، أو نفي ما كان منفياً )
    4 – تعريف البخاري : ذكر البخاري أربع تعريفات وهي :
    أ – الحكم بثبوت أمرٍ في الزمان الثاني بناء على أنه كان ثابتاً في الزمان الأول .
    ب – التمسك بالحكم الثابت في حال البقاء لعدم الدليل المغير .
    ج – الحكم ببقاء الحكم الثابت في الماضي للجهل بالدليل المغير لا للعلم بالدليل المبقي .
    د – الحكم ببقاء حكم ثابت بغير دليل غير معترض لبقائه ولا لزواله محتملٍ للزوال بدليله لكنه التبس عليك .

    يظهر مما سبق في التعريفات أن الاستصحاب يعتمد على عدة أمور :
    الأول : أن يستند الاستصحاب إلى دليلٍ عقلي أو شرعي ( كما يظهر في تعريف الغزالي وابن قدامة وغيرهما ) .
    الثاني : العلم أو الظن بعدم وجود الدليل المغير للحكم السابق ، ولا يكفي في ذلك الجهل بعدم وجود الدليل ، ويحصل العلم أو الظن عن طريق البحث والطلب ممن هم أهلٌ لذلك .
    الثالث : أن الدليل المغير لا بد أن يكون شرعياً كما يظهر في تعريف ابن تيمية .
    ولعلنا نختار تعريفاً يكون جامعاً مانعاً فنقول هو : ( التمسك بالحكم الثابت شرعاً أو عقلاً في الماضي للعلم أو الظن بانتفاء الدليل الشرعي المغير )

    ثانياً : استخدام مصطلح الاستصحاب عند الأصوليين :
    لم يكن مصطلح ( الاستصحاب ) مستخدماً في العصور المتقدمة لا العصر النبوي ولا عصر الصحابة والتابعين بل ولا عصر الأئمة الأربعة وإن كان معمولاً به عند الأئمة المجتهدين لكن ليس بهذا المصطلح ، ومن أوائل من ذكر هذا المصطلح ابن القصار المالكي في مقدمته والباقلاني ثم الجويني والشيرازي والدبوسي والباجي وابن حزم وأبو الحسين البصري المعتزلي وكانوا يطلقون عليه مصطلح ( استصحاب الحال ) .
    وكان المتقدمون يذكرون للاستصحاب نوعين هما : استصحاب الحال واستصحاب الإجماع ، ثم أضاف المتأخرون أنواعاً أخرى سيأتي بيانها إن شاء الله .

    ثالثاً : حجية الاستصحاب :
    اختلف في حجية الاستصحاب على أقوال أهمها :
    القول الأول : أنه حجة مطلقاً ويصلح للدفع والإثبات وبهذا قال جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والشيعة والمتقدمون من الحنفية .

    القول الثاني : أنه ليس بحجة مطلقاً وهو قول بعض الحنفية كالدبوسي وابن الهمام وبعض الشافعية وأبي الحسين البصري من المعتزلة وكثير من المتكلمين .

    القول الثالث : أنه حجة يصلح للدفع لا للإثبات وبهذا قال جمهور المتأخرين من الحنفية بمعنى أنه يصلح دليلاً يدفع الدعوى الواردة ولا يصلح لإثبات دعوى حادثة ابتداءً ، فالمفقود مثلاً بقاؤه حياً هو الأصل لكنه يصلح حجة لإبقاء ما كان فلا يورث ماله لكن لا يصلح لإثبات أمر لم يكن فلا يرث من أقاربه .

    القول الرابع : أنه حجة في حق المجتهد فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى ، وليس حجة في المناظرة مع الخصوم وهو قول الباقلاني .

    أدلة الأقوال :
    أدلة القول الأول
    : استدل من يرى حجية الاستصحاب مطلقاً بأدلة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والمعقول :

    أولاً :أدلة الكتاب :
    1 – قوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، وقوله تعالى : وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون
    وجه الاستدلال : أن الله بين في هاتين الآيتين أنه أباح لنا كل ما خلق في السماوات والأرض إلا ما ورد به النص .
    2 – قوله تعالى : قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرماً على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجسٌ ، وقوله تعالى : وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ، وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم .
    وجه الاستدلال : أن الله بين في هذه الآيات أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما نصَّ على تحريمه وفصله وبينه في كتابه أو على لسان رسوله ، ونهى عن السؤال عن ذلك حتى لا يحرم ما لم يحرم من قبل .

    ثانياً : أدلة السنة :
    1 – حديث أبي سعيد الخدري ررر قال : قال رسول الله : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كانت ترغيماً للشيطان " أخرجه مسلم
    وجه الاستدلال : أن الحديث فيه بيان أنه متى شك المرء في صلاته هل صلى ثلاثا أم أربعاً لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو فهو صريح في وجوب البناء على اليقين فالأصل بقاء الصلاة في ذمته وهذا هو الاستصحاب .
    2 – حديث عباد بن تيم عن عمه ررر أنه شكا إلى رسول الله الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ؟ فقال : " لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " متفق عليه ، وأخرج مسلم نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
    وجه الاستدلال :أن هذا يدل على أن الأصل بقاء المتطهر على طهارته فالنبي لم يأمره بالوضوء مع ورود الشك ، وهذا هو معنى الاستصحاب .
    ولذا قال النووي _ رحمه الله _ : ( هذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها )
    3 - عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أن رجلاً سأل النبي : ما يلبس المحرم ؟ فقال : " لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوباً مسَّه الورس أو الزعفران فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين " متفق عليه
    وجه الاستدلال : أن النبي أجاب السائل بما يحرم عليه لبسه ؛ لأنه ينحصر وأعرض عما يباح له لبسه ؛ لأنه لا ينحصر فهذا يبين أن ما سوى المذكورات يباح لبسه ، وهذا يدل على أن الأصل هو الإباحة .
    4 – عن سعد بن أبي وقاص ررر قال : قال رسول الله : " إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " متفق عليه .
    وجه الاستدلال : أن هذا الحديث يدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة وأن التحريم عارض حيث ربط التحريم بالمسألة وهذا يعني أن المسؤول عنه كان مباحاً قبل ذلك .

    ثالثاً : عمل الصحابة والتابعين بالاستصحاب :1 - عن الحسن قال : قال عمر ررر : " إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه انقطاع .
    وعن مسلم بن صبيح قال قال رجل لابن عباس _ رضي الله عنهما _ أرأيت إذا شككت في الفجر وأنا أريد الصيام قال كل ما شككت حتى لا تشك " أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما والبيهقي في السنن الكبرى .
    وجه الاستدلال : أن عمر وابن عباس رضي الله عنهما استصحبا الأصل وهو بقاء الليل إلى أن يتيقن طلوع الفجر ولم يعتدا بالشك في طلوع الفجر .
    2 - عن علي ررر قال : " إذا طفت بالبيت فلم تدر أتممت أم لم تتمم فأتم ما شككت فإن الله لا يعذب على الزيادة " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه الحارث كذاب .
    وجه الاستدلال : أن علياً استصحب الأصل وهو اليقين وهو الأقل فأمر بالإتمام .
    3 - عن علي ررر قال : " إذا فقدت زوجها لم تزوج حتى يصل أن يموت " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفي رواية عنه عند البيهقي قال : " ليس الذي قال عمر ررر شيء يعني في امرأة المفقود هي امرأة الغائب حتى يأتيها يقين موته أو طلاقها ولها الصداق من هذا بما استحل من فرجها ونكاحه باطل " وروي مثل هذا عن ابن سيرين والنخعي وأبي قلابة والحكم بن عتيبة وجابر بن زيد والشعبي وغيرهم ( أخرج الآثار ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه وسعيد بن منصور في سننه ).
    وجه الاستدلال : أن علياً ررر ومن وافقه في حكم زوجة المفقود استصحبوا الأصل وهو بقاء الزوج حياً وعليه فالأصل بقاء حكم الزوجية حتى يرد ما يرفعه .
    4 - أن عثمان بن عفان ررر ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف بعد انقضاء العدة وكان طلقها مريضاً " أخرجه مالك في الموطأ وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما والبيهقي في السنن الكبرى ، وبهذا أفتى أبي بن كعب وشريح والحسن البصري وابن سيرين أن من طلق زوجته في مرض موته ترثه .
    وجه الاستدلال : أن عثمان ررر ومن وافقه في قوله بتوريث المطلقة في مرض الموت استصحبوا حكم النكاح وبقاء عقد الزوجية ، وورثوا الزوجة بعد انقضاء عدتها وعاملوه بنقيض قصده ؛ لأنه إنما أراد الإضرار بها في الظاهر .
    5 - كتب عمر بن الخطاب ررر إلى شريح : " أن لا تورثوا حميلاً إلا ببينة " أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في سننهما وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما ، وروي مثله عن عثمان _ رضي الله عنه _ أخرجه البيهقي في سننه ثم قال : ( وهذه الأسانيد عن عمر وعثمان _ رضي الله عنهما _ كلها ضعيفة ) ، وقد أفتى بهذا أيضاً الحسن البصري وابن سيرين وغيرهما .
    وجه الاستدلال : أن عمر ررر لم يورث الحميل _ وهو من يحمل من بلاده صغيراً إلى بلاد الإسلام وقيل : هو محمول النسب وذلك بأن يقول الرجل لآخر : هو ابني ليزوي ميراثه عن مواليه _ استصحاباً لعدم إسلامه حتى يأتي ببينة أو استصحاباً لجهالة النسب والأصل أنه لا يتوارث أهل ملتين وأنه لا يثبت نسب إلا ببينة فلا يثبت إلا بيقين .

    رابعاً : المعقول : وهو من وجوه :
    1 – أنه يلزم من نفي الاستصحاب أن لا تثبت المعجزة ؛ لأنها خلاف المستصحب عادةً ، ولا تثبت الأحكام الثابتة في عهده ؛ لأنه يمكن نسخها، ولتساوي الشك في الطلاق والنكاح مع الاتفاق على عدم التساوي ، ولتساوى ايضاً الشك في وجود الطهارة ابتداءً والشك في بقائها .
    2 - أن العقلاء وأهل العرف إذا تحققوا وجود شيء أو عدمه وله أحكام خاصة به فإنهم يسوغون القضاء والحكم بها في المستقبل من زمان ذلك الوجود أو العدم حتى إنهم يجيزون مراسلة من عرفوا وجوده قبل ذلك بمدد متطاولة وإنفاذ الودائع إليه ويشهدون في الحالة الراهنة بالدين على من أقر به قبل تلك الحالة ولولا أن الأصل بقاء ما كان على على ما كان لما ساغ لهم ذلك .
    3 - أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير ؛ لأنه يتوقف على أمرين هما : وجود الزمان المستقبل ومقابل ذلك الباقي له كان وجوداً أو عدماً ، وأما ظن التغير فيتوقف على ثلاثة أمور : وجود الزمان المستقبل وتبدل الوجود بالعدم أو العدم بالوجود ومقارنة ذلك الوجود أو العدم لذلك الزمان ، وما كان يتوقف على أمرين فقط فهو أولى مما يتوقف على ثلاثة أمور .
    4 – أن بقاء الحكم الأول مظنون وراجح، والعمل بالظن والراجح واجبٌ في الأمور العملية بالإجماع .
    5 – أن أكثر المجتهدين والقضاة يبنون أحكامهم على الاستصحاب .

    أدلة القول الثاني : استدل النافون لحجية الاستصحاب بما بلي :1 – أن الاستدلال بالاستصحاب استدلال بغير دليل وهو باطلٌ شرعاً .
    وأجيب عنه بأن الاستصحاب مبنيٌ على العلم بعدم وجود الدليل وليس هو عدم العلم بالدليل فإن عدم العلم بالدليل ليس بحجة وأما العلم بعدم الدليل فهو حجة .

    2 – أن العمل بالاستصحاب يؤدي إلى تعارض الأدلة واختلاف الأقوال ؛ إذ يجوز لكل من الخصمين أن يحتج بالاستصحاب ولهذا أمثلة منها : مسألة الشك في الوضوء يرى الجمهور أن الشاك في الوضوء يجوز له أن يصلي بذلك الوضوء واستصحبوا الأصل وهو الطهارة ، بينما ذهب المالكية إلى عدم جواز الصلاة بهذا الوضوء ؛ لأنه مشكوك فيه والأصل المستصحب أن لا يدخل في الصلاة إلا بطهارة متيقنة .
    وأجيب عنه بجوابين :
    الأول : بأن تعارض الأقوال والأدلة لا يمنع من حجيته ؛ لأن كثيراً من الأدلة يقع بينها تعارض في نظر المجتهدين مع حجيتها فيقع التعارض بين آيتين وحديثين وقياسين .
    الثاني : أن الاختلاف في المثال المذكور إنما هو اختلاف في تحديد جهة اليقين وإلا فالكل متفقٌ على الاحتجاج باليقين والاعتماد عليه ولذا ذكر القرطبي صاحب المفهم أن سبب الخلاف تقابل يقيني الطهارة والصلاة .

    أدلة القول الثالث : استدل جمهور الحنفية المتأخرين لكون الاستصحاب حجة في الدفع وليس بحجة في الإثبات بما يلي :
    1 - أن الاستصحاب مبنيٌ على عدم وجود الدليل المغير وعدم الدليل حجة قاصرة تكفي للحكم ببقاء الشيء واستمراره لكن لا يقوى على إثبات حكمٍ ابتداء لاحتمال وجود الدليل المزيل وهذا الاحتمال يفيد أن الدليل المغير منفيٌ ظناً لا يقيناً وما كان بهذه الصفة لا يصلح أن يثبت حكماً ابتداءً .
    وأجيب عنه بجوابين :
    الأول : سلمنا أن الاحتمال وارد في التغيير لكن الاحتمال المعتبر هو الاحتمال الراجح أو المساوي و المقارب وإلا لو قدم الاحتمال لتعطلت معاملات الناس وتعذرت العلاقة بينهم وهذا خلاف العادة .
    الثاني : أن ظن البقاء مبنيٌ على العلم أو الظن بعدم الدليل المغير وهذا الظن يصلح للنفي والإيجاب والدفع والإثبات .
    2 - أن استصحاب الحال كاسمه وهو التمسك بالحكم الذي كان ثابتاً إلى أن يقوم الدليل المزيل ، وفي إثبات الحكم ابتداء لا يوجد هذا المعنى ، ولا عمل لاستصحاب الحال فيه صورة ولا معنى .
    وأجيب عنه بأن الحكم بالاستصحاب ليس إثباتاً لحكمٍ ابتداءً وإنما هو البقاء والاستمرار على الحكم السابق ما لم يرد ما يزيله ويغيره فلا فرق .

    أدلة القول الرابع :
    استدل من يرى أن الاستصحاب حجة في حق المجتهد فيما بينه وبين الله ، وليس بحجة في المناظرة بأن الأحكام الشرعية العملية يجوز أن تبنى على الظن لكن في المناظرات لا يحتج به لوجود احتمال الدليل المغير وما كان كذلك فإنه لا يحتج به فللخصم أن يقول : الدليل عندي بخلافه .

    الترجيح : الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الاستصحاب حجة مطلقاً في الإثبات والنفي في الدفع والابتداء وهو أمرٌ لا بد منه في الدين والشرع والعرف والله أعلم .

    رابعاً : مكانة الاستصحاب وقوته :
    ينبغي أن يعلم أن الاستصحاب مبني على العلم أو الظن بعدم وجود الدليل المغير ، وعليه فهو آخر الأدلة ، وآخر مدار الفتوى وأضعف الأدلة فلا يصار إليه إلا بعد أن لا يوجد دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو قول الصحابي كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، و مما يدل على ضعفه أمران :
    1 – أن أدنى دليل مغير يمكن أن يرجح عليه .
    2 – أنه مبنيٌ على العلم أو الظن بعدم وجود الدليل المغير وهذا ينبني على قوة المجتهد وسعة علمه وكثرة البحث والطلب في أدلة الشريعة وهذا لا يتأتى لكل مجتهد فقد خفيت كثير من الأدلة على كبار المجتهدين من الصحابة ومن بعدهم ولم يطلعوا عليها .

    يتبع

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    162

    افتراضي رد: دليل الاستصحاب

    خامساً : أنواع الاستصحاب :
    سبق أن ذكرنا أن المتقدمين يذكرون للاستصحاب قسمين فقط هما :
    استصحاب الحال واستصحاب الإجماع ، ثم زاد المتأخرون أنواعاً أخرى فهذا بيان أنواع الاستصحاب وحكم كل نوع :

    النوع الأول : استصحاب حكم العدم الأصلي المعلوم بدليل العقل ولم يثبته الشرع ، ويعبر عنه بعضهم بقوله ( العدم العقلي )، وهذا مثل نفي وجوب صلاة سادسة ، ونفي وجوب صوم شهر غير شهر رمضان .
    ويندرج في هذا النوع البراءة الأصلية وهي ما يعبر عنها في القواعد الفقهية بقولهم ( الأصل براءة الذمة ) وهو يشمل براءة الذمة من الإلزام بالعبادات أو المعاملات أو حقوق الآدميين إلا بدليل ، وبراءة الذمة جزء من العدم الأصلي العقلي والذي يعبر عنه في القواعد الفقهية بقولهم ( الأصل العدم ) وهي تشمل الإنسان والحيوانات والجمادات وغيرها بينما الأصل براءة الذمة تخص الإنسان .
    حكمه : هذا النوع حجة باتفاق أهل العلم .

    النوع الثاني : استصحاب حكم الأصل وهو الإباحة :
    وهذا ما يعبر عنه الأصوليون بقولهم : ( الأصل في المنافع الإذن ) أو ( الأصل في الأشياء الإباحة ) .
    وهذا النوع حجة عند الأكثر من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة خلافاً لمن يرى أن الأصل في الأشياء الحظر كالأبهري من المالكية وبعض الشافعية ، وذهب آخرون إلى الوقف كما هو قول الشيرازي من الشافعية والباجي من المالكية .
    ويستثنى من هذه القاعدة الأبضاع والذبائح فالأصل فيهما التحريم لثبوت الدليل الشرعي بذلك .

    النوع الثالث : استصحاب الدليل الشرعي وهو نوعان :
    1 – استصحاب الثبوت حتى يرد الناسخ .
    2 – استصحاب العموم حتى يرد المخصص .

    حكمه : هذا النوع حجة باتفاق ، لكن الأصوليين يختلفون في تسميته استصحاباً فالجمهور يسمونه استصحاباً ، وذهب بعض الأصوليين كالجويني وتلميذه إلكيا الطبري والسمعاني في القواطع إلى عدم تسميته استصحاباً لكون الحكم ثبت له من جهة اللفظ في العموم أو طبيعة النص في المحكم لا من جهة الاستصحاب ، والذي يظهر أن المسألة لفظية اصطلاحية لا يترتب عليها حكم كما أشار إلى ذلك الجويني في نهاية المسألة فلا مشاحة .

    النوع الرابع : استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه حتى يرد ما يغيره :
    وهذا ما يسميه ابن القيم _ رحمه الله _ بـ( استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي )
    مثاله : استصحاب الملك الثابت بالبيع أو الهبة أو الإرث حتى يرد ما يزيله من بيع أو هبة أو إرث أو نحوها ، واستصحاب حكم الزوجية الثابت بالعقد حتى يرد ما يغيره من طلاق أو فسخ أو خلع ، واستصحاب شغل الذمة بالقرض أو الضمان أو الكفالة الثابتة لسبب حتى يرد ما يزيلها ، واستصحاب حكم الوضوء بعد الوضوء حتى يرد ما ينقضه ، ويلتحق بهذا الحكم بتكرار اللزوم مع تكرر الأسباب الموجبة له كتكرر شهر رمضان وأوقات الصلوات ووجوب النفقة على الأقارب عند تكرر الحاجات .
    حكمه : هذا النوع حجة عند الأكثر وحكي فيه الاتفاق لكن الأظهر أنه داخل في الخلاف السابق مع الحنفية .

    النوع الخامس : استصحاب الحكم الثابت بالإجماع في محل النزاع :
    إذا ثبت حكم في مسألة في حالةٍ معينة واتفق أهل العلم عليه ثم اختلفت الحالة وتغيرت صفتها فهل يستمر الحكم المجمع عليه ويستصحب إلى الحالة الثانية أو لا ؟
    أمثلة :
    1 - أجمع أهل العلم على أن المرء إذا فقد الماء أن له أن يتيمم ويصلي بهذا التيمم لكن إن وجد الماء بعد شروعه في الصلاة فما الحكم ؟
    هل يقطع الصلاة ويتوضأ ويستأنف صلاته أو يتم الصلاة ويستصحب الحكم السابق المجمع عليه ؟ قولان :
    الأول : تبطل صلاته ويتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد وهو قول أبي حنيفة وأحمد .
    الثاني : لا تبطل الصلاة بل يستمر فيها استصحاباً لصحة الصلاة قبل الشروع فيها وهو قول مالك والشافعي .
    2 – مسألة جواز بيع أم الولد حيث انعقد الإجماع على جواز بيع الأمة قبل أن تلد فهل يستصحب هذا الحكم فيجوز بيعها بعد أن تلد أولا ؟ قولان :
    الأول : أنه لا يجوز بيعها بعد أن تلد وهو قول الجمهور .
    الثاني : يجوز بيعها بعد أن تلد وهو قول الظاهرية .
    3 – مسألة وجوب زكاة الحلي حيث انعقد الإجماع على وجوب الزكاة في الذهب قبل أن يصاغ حلياً إذا بلغ النصاب فهل إذا صيغ الذهب حلياً يستصحب حكم الوجوب أولا ؟ قولان :
    الأول : أنه لا تجب فيه الزكاة وهو قول الجمهور وأكثر أهل العلم وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد .
    الثاني : أنه تجب فيه الزكاة وهو قول أبي حنيفة والظاهرية .

    وقد اختلف في هذا النوع من الاستصحاب على قولين :
    القول الأول : أن استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع حجة وبه قال المزني وأبو ثور والصيرفي والفخر الرازي والآمدي من الشافعية ، وابن الحاجب من المالكية ، وابن شاقلا وابن حامد في أحد قوليه وابن القيم من الحنابلة ، وهو قول الظاهرية ورجحه الشوكاني .

    القول الثاني : أن استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع ليس بحجة وهو قول الأكثر من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة ، ونسبه الأسنوي للشافعي وبه قال الباجي وأبو بكر بن العربي من المالكية والغزالي وأبو الطيب الطبري والشيرازي وابن السبكي والسمعاني والزركشي من الشافعية ، وابن قدامة وابن حامد في القول الثاني والقاضي أبو يعلى وأبو الخطاب وابن عقيل والحلواني وابن الزاغوني من الحنابلة ، ورجحه الشنقيطي .

    أدلة القولين :
    أدلة القول الأول
    : استدل من يرى حجية استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع بما يلي :
    1 – أن الإجماع يحرم الخلاف وإذا كان كذلك وجب استصحابه وامتنع ارتفاعه بالخلاف .
    وأجيب بأن الإجماع إنما انعقد على حالة مخالفة لحالة الخلاف فليس الخلاف محرماً في هذه الحالة .
    2 – أن الإجماع منعقد على ثبوت الحكم الذي يراد استصحابه والأصل في المتحقق وجوده الدوام حتى يوجد ما يزيله والأصل عدمه فمن ادعى ما سوى الأصل يلزمه الدليل .
    وأجيب عنه بأن ادعاء دوامه مع تغير الحال إنما يصح إذا كان دليل ثبوته العموم من النص أو العقل الذي يشمل الحالتين أما دليل الإجماع فإنه مشروط بحالة وهي العدم في مسألة التيمم فلا يكون الإجماع دليلا في حال وجود الماء .
    3 – أن المصلي مثلا في مسألة التيمم مأمور بالشروع في الصلاة مع الإتمام وعليه فاستصحابه حجة .
    وأجيب بعدم التسليم بل هو مأمور بالشروع في الصلاة مع عدم الماء ومأمور بإتمامها مع عدمه أيضاً ، ومن ادعى أنه مأمور بالإتمام مع وجود الماء فعليه الدليل .
    4 – أنا لو ألزمنا المصلي في مسألة التيمم بالوضوء عند وجود الماء بعد الشروع في الصلاة للزم من هذا إبطال العمل وهو منهي عنه .
    وأجيب عنه بأن الاستمرار في العمل في هذه الحالة لا يصح فالعمل الصحيح هو ما وافق الشرع .
    5 – أنا لو ألزمنا المصلي بالوضوء عند وجود الماء فهذا يعني بطلان العمل وقد اتفق على صحته .
    وأجيب عنه بأنه إن أردتم بإبطال العمل إبطال ثوابه فلا يسلم ، وإن أردتم بإبطال العمل وجوب القضاء فهذا مبني على أن الصحة تعني سقوط القضاء وهذا لا يصح بل الصحة ما وافق الشرع .
    6 – أن الشروع في الصلاة بالتيمم أمر متيقن ، ووجوب استئناف الصلاة عند وجود الماء مشكوك فيه ، واليقين لا يرتفع بالشك .
    وأجيب عنه بأن وجوب براءة الذمة أمرٌ متيقن والمضي في الصلاة بعد وجود الماء مشكوكٌ فيه ، واليقين لا يرتفع بالشك فتعارض عندنا الشك في وجوب الاستئناف ، ووجوب المضي وبقي تيقن براءة الذمة فلا ترتفع إلا بيقين .

    أدلة القول الثاني : استدل من يرى أن استصحاب الإجماع في محل النزاع ليس بحجة بما يلي :
    1 – أن من يرى حجية استصحاب الإجماع في محل النزاع كما في مسألة التيمم فإما أن يكون لدليل أو بدون دليل ، الثاني باطل بالإجماع فالكل متفق على وجود دليل إما مثبت أو نافي ، وأما الأول وهو أنه بدليل فهو إما أن يكون نصاً أو قياساً أو إجماعاً ، فإن كان نصاً أو قياساً وجب إظهاره فإن ظهر فهو الدليل وليس الاستصحاب ، وإن كان الدليل إجماعاً فلا يسلم حصول الإجماع هنا ؛ لأن الخلاف واقع فيها .
    2 – أن الإجماع منعقد على صحة الصلاة في حال عدم وجود الماء فانتفى الإجماع عند وجوده كما أن البراءة الأصلية تنتفي عند وجود الدليل الشرعي ، وهذا يعني أن الإجماع يضاده نفس الخلاف فيستحيل حصول الإجماع .

    الترجيح : الراجح هو قول الأكثر وهو أن استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع ليس بحجة والله أعلم .

    النوع السادس : استصحاب الحكم العقلي :
    وهذا النوع انفرد به المعتزلة بناء على أن العقل يحكم عندهم في بعض الأحكام الشرعية إلى أن يرد الدليل السمعي .
    حكمه : لا خلاف بين أهل السنة في أنه لا يجوز العمل به .

    النوع السابع : الاستصحاب المقلوب :
    ويسميه الزركشي بـ ( استصحاب الحاضر في الماضي ) ويسميه بعضهم بـ ( استصحاب القهقرى ) أو ( الاستصحاب المعكوس ) ، وهو عكس الاستصحاب المعروف وهو أن يثبت حكماً للزمن الماضي لثبوته في الزمان الحاضر فيحتج بثبوته في الحاضر على ثبوته في الماضي .


    سادسا : هل النافي للحكم يلزمه الدليل ؟
    هذه المسألة من أهل العلم من ربطها بالاستصحاب فقال من قال بحجية الاستصحاب فليس عليه دليل ومن قال بعدم حجيته لزمه الدليل ، لكن الطوفي ضعف هذا الأمر وبين أن كل واحدة من المسألتين أصلٌ بنفسها .
    تحرير محل النزاع :
    أولا : اتفقوا على أن المثبت للحكم يلزمه الدليل كأن يقول : أوجب الله كذا ، أو حرم كذا .
    ثانياً : اتفقوا على أن النافي للحكم إن كانت دعواه مركبة من نفي وإثبات أنه يلزمه الدليل كقوله تعالى : ﴿ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾

    وإنما وقع الخلاف في النفي المجرد كأن يقول : ليس على الصبي زكاة ونحو ذلك ، فهذا اختلف فيه على أقوال :
    القول الأول :
    أنه يلزمه الدليل وهو قول الأكثر من الفقهاء والأصوليين والمتكلمين وقد اختاره الباقلاني والشيرازي والسبكي من الشافعية والباجي من المالكية وابن قدامة والقاضي أبو يعلى وأبو الخطاب وابن تيمية من الحنابلة وهو قول ابن حزم .
    القول الثاني : أنه لا يلزمه الدليل وهو قول بعض الظاهرية وبعض الشافعية .
    القول الثالث : أنه يلزمه الدليل في العقليات دون الشرعيات .
    القول الرابع : أنه يلزمه الدليل فيما ليس بضروري ولا يلزمه في الضروري وهو قول الغزالي والعبادي والآمدي .
    القول الخامس : أن النفي نوعان : نفي يستلزم إثبات ضد المنفي فهذا يلزم النافي فيه الدليل كمن نفى الإباحة فإنه يطالب بالدليل قطعاً ، والثاني نفي لا يستلزم ثبوتاً كنفي صحة عقد من العقود أو شرط و عبادة في الشرعيات ونفي إمكان شيء ما من الأشياء في العقليات فالنافي إن نفي العلم به لم يلزمه دليل وإن نفى المعلوم نفسه وادعى أنه منتف في نفس الأمر فلا بد له من دليل ، وهذا اختيار ابن القيم ، وبنحوه قال ابن برهان أن النافي يلزمه الدليل إلا إذا كان ينفي العلم عن نفسه .

    أدلة الأقوال :أدلة القول الأول : استدل أصحاب القول الأول بما يلي :
    1 – قوله تعالى : بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه .
    وجه الاستدلال : أن الله أنكر على من قطع بالنفي بدون دليل فدل على وجوب الدليل عليه .
    2 – قوله تعالى : وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
    وجه الاستدلال : أن الله طالب من زعم أنه لا يدخل الجنه إلا اليهود والنصارى بالبرهان والدليل وهذا دليل على وجوبه .
    لكن قد يجاب عن هذا بأن المطالبة هنا لأن الدعوى فيها نفي دخول غير اليهود والنصارى وإثبات دخول اليهود والنصارى فهي مركبة من نفي وإثبات فاحتاجت إلى دليل كما سبق في تحرير محل النزاع فهي خارجة عن محل النزاع .
    3 – قوله تعالى : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون .
    وجه الاستدلال : أن الله حرم أن يقول أحدٌ عليه شيئاً بلا علم ولا دليل وهذا عام في النفي والإثبات .
    4 – القياس على الإثبات فكما يجب الدليل في القطع في الإثبات فكذا في النفي .
    5 – أن النفي بذاته لا يكون دليلاً فيحتاج إلى دليل فقوله : ( لا زكاة على الصبي ) نفي مجرد كقوله : (لا زيد ولا عمرو ) ، وهذا عدم ، والعدم لا يكون دليلاً فلا يكفي في باب الأحكام .
    6 – أن القول بعدم مطالبة النافي بالدليل يلزم عليه لوازم باطلة منها :
    أ – أن من نفى وجود الخالق أو صفاته أو حدوث العالم أو نحو ذلك لا يطالب بالدليل وهذا باطل .
    ب – أنه يجوز للمثبت أن يقلب إثباته فيسدل عن طريق النفي ولا يحتاج عندئذٍ لدليل ، وفي هذا خبط وجهل وضلال إذ تبقى الأحكام بدون أدلة .

    أدلة القول الثاني : استدل أصحاب القول الثاني بما يلي :
    1 – قول النبي : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " أخرجه البيهقي في السنن الكبرى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
    وجه الاستدلال : أن البينة حجة ، وقد جعلها النبي على مدعي الثبوت لا مدعي النفي فدل على أن النافي لا يلزمه الدليل .
    وأجيب عنه بجوابين :
    الأول : لا نسلم أنه لم يطلب حجة من النافي وهو المدعى عليه بل طلب منه اليمين وهو الحجة على إنكاره تقوم مقام البينة واكتفي به لأنه جانبه هو الأقوى فهو الأصل وقد تقوى باليد والنفي .
    الثاني : أن المدعى عليه قد يكون مثبتاً في بعض الأحيان ومع هذا طلب منه اليمين ومثاله أن يدعي رجل على آخر داراً هي في يد المدعى عليه فيقول المدعى عليه هي ملكي أو هي لي وليست له فهنا أثبت فيلزمكم أن تقولوا إن هذا إثبات بدون دليل ، وإلا تقروا بأن اليمين حجة .
    2 – أن الإجماع انعقد على أن من نفى وجوب صلاة سادسة أو صوم شهر غير شهر رمضان أنه لا يطالب بالدليل ؛ لأنه لا دليل .
    وأجيب عنه بأنا لا نسلم أنه لا دليل هنا بل نفي ذلك ثابت بدليل الإجماع والاستصحاب ولولا ذلك لما صح النفي .
    3 – أن من أنكر النبوة لا يلزمه الدليل على نفيها وإنما يجب ذلك على مدعيها .
    وأجيب عنه بأن منكر النبوة إن قطع بنفي النبوة لزمه الدليل وهو المطالبة بما يثبت صدق النبوة من الآيات فيقول لو كنت نبياً حقاً لكان معك آية أو دليلٌ على ذلك وحيث لم يوجد فلست بنبي ، وأما إذا لم يقطع بنفي النبوة بأن قال لا أعلم أنك نبي فهذا شاك والشاك لا دليل عليه .

    أدلة القول الثالث : استدل من يرى أن النافي يلزمه الدليل في العقليات دون الشرعيات بأن مدعي الإثبات والنفي في العقليات يدعي حقية الوجود او العدم وكلاهما حقيقة ومدعي الحقيقة مطالب بالدليل ، أما النافي في الشرعيات فمنكر وجوده والنفي ليس بحكم شرعي فلا يلزمه الدليل .
    وأجيب عنه بأنه قبل ورود الشرع لا حكم في حقنا لا نفياً ولا إثباتاً ، وأما بعد ورود الشرع فهناك أحكام مثبتة وأحكام منفية في الشرع وكلها ورد بها الدليل فإذا نفى أحد حكماً فيلزمه الدليل .

    أدلة القول الرابع : استدل من يرى أن النافي في غير الضروري يلزمه الدليل بأن الضروري يشترك في إدراكه الناس جميعاً بخلاف ما ليس بضروري فأمره يختلف من شخصٍ لآخر فلا يسلم به الجميع فاحتاج النافي فيه إلى دليل .
    وأجيب بأن الضروري والبدهي خارج عن محل النزاع فلا وجه لهذا القول ، وإنما الخلاف في غير الضروري ، ولذا فهذا القول يعود إلى قول الجمهور ( القول الأول ) .

    أدلة القول الخامس : عند التحقيق نجد هذا القول يعود إلى قول الجمهور ؛ إذ الجمهور يرون أن النافي يلزمه الدليل إذا نفى المعلوم نفسه لا علمه به ،ولا يوجبون الدليل على من نفى العلم عن نفسه أو شك وهذا قول أهل النظر عامة .

    الترجيح : الراجح هو قول الجمهور لما ذكروه من أدلة علماً أن بعض الأصوليين ذكر أن الخلاف في المسألة لفظي ولا ثمرة له والله أعلم .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي رد: دليل الاستصحاب

    الأخ أبوحازم .. وفقه الله
    جزاك الله خيرا ،وبارك في علمك وعملك
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    359

    افتراضي رد: دليل الاستصحاب

    جزاكم الله خيراً
    وأجزل عليكم الرحمن من عنده
    وآفر من العلم والرفعة
    اللهم آميين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •