مَحَبَّة الْوَالِد لِلْوَلَد مَحَبَّّة فِطْرِيَّة ، وَمَحَبَّة الْوَلَد لِلْوَالِد مَحَبَّة مُكْتَسَبَة.
أَوَّلا: لَو سقي الْوَلَد أَبْنَاءَه قَبْل أَبَوَيْه حَرَام عَلَيْه ؟ أَبَدا ، بِالْعَكْس أَنَا مَازِلْت مُسْتَغْرَباً مِن جَسَارَة قَلْب هَذَا الْوَلَد ، لِأَن الْأَب مَنَنَّا لَا يَكَاد يَحْتَمِل بُكَاء وَلَدِه ، لِأَن مَحَبَّة الْوَالِد لِلْوَلَد مَحَبَّّة فِطْرِيَّة ، وَمَحَبَّة الْوَلَد لِلْوَالِد مَحَبَّة مُكْتَسَبَة ، وَالْفَرْق بَيْنَهُمَا كالْفِرَق بَيْن الْسَّمَاوَات وَالْأَرْض الْأَب يُحِب ابْنَه محبة فِطْرِيَّة أَي مَغْلُوْب عَلَي مَحَبََّّة ابْنَه تَجِد الْوَلَد فَاسِد وَيَمْشِي غَلَط ، ويأتي بِالْفَضَائِح لِأَبِيْه ، كُل يَوْم قَسَم الْشُّرْطَة يُرْسِل لِأَبِيْه ، الْوَلَد سَرَق ، الْوَلَد عَمل ، الْوَلَد شَرِب بِانْجُو ، الْوَلَد كَذَا وَأَبُوْه مُمَكِّن أَن يَكُوْن إِنْسَان مُحْتَرَم ، وَلَه مَرْكَز اجْتِمَاعِي وَغَيْر ذَلِك
وَمَع ذَلِك يَأْتِينِي مَثَلا يَقُوْل: وَاللَّه يَا عَم الْشَّيْخ الْوَلَد كُل يَوْم تَعِبْنِي وَقَسَم الْشُّرْطَة يُرْسِل لِي ، مَاذَا أَفْعَل فِيْه ؟ أَقُوْل لَه: اطْرُدُه ، يَقُوْل: لَا أَقْدِر اطْرُدُه أَيْن أَرْسَلَه ؟ قَلْبِي لَا يُطِيْعُنِي ، لَا أَسْتَطِيْع أَن اطْرُد الْوَلَد وَهُو يُتْعِبُه جِداً ، يَمْرَض الْوَلَد فَيُنْفِق وَالِده كُل أَمْوَالِه عَلَيْه حَتَّى وَلَو كَان مِلْيُوْنِيْر ، مِلْيَارْدِير ، تَجِدْه يَطُوْف الْأَرْض ، قَارّات الْأَرْض كُلِّهَا يَقُوْلُوْا لَه: الدُّكْتُوْر فُلَان فِي اسْتُرَالِيَا ، الدُّكْتُوْر فُلَان فِي أَمْرِيْكَا الدُّكْتُوْر فُلَان فِي أُوْرُوبَّا ، فِي رُوْسِيَا ، يَأْخُذ وَيُسَافِر ، وَفَنَادِق وَإِيْجَار وَغَيْر ذَلِك ، وَبَعْد ذَلِك أَطْبِاء الْأَرْض كُلُّهُم يَقُوْلُوْا لَه: يَا فُلَان ابْنِك لَا أَمَل فِي شِفَائه ارْجِع بِه وَأَنْتَظِر الْمَوْت .
الْأَب لا يُسَلِّم أَبَداً ، يَقُوْل: لَا ، كُل هَؤُلَاء بَشر لَا يَعْرِفُوْن الْحَيَاة مَن الْمَوْت ، الْأَعْمَار بِيَد الْلَّه وَيُنْفِق مَاله ، وَيُفَلِّس أَيْضاً ، وَيَسْتَدِيْن الْأَمْوَال مِن الْنَّاس ، وَالْأَطِبَّاء كُلُّهُم قَالُوْا لَه: الْوَلَد لَا أَمَل فِيْه سَيَمُوْت كُل هَذَا وَهُو انْفِق مَالَه ، وَاقْتَرَض مِن الْنَّاس ، وَبَعْد ذَلِك يَمُوْت الْوَلَد لم يَنْدَم أَبُوْه لِأَنَّه لَم يَسْتَمِع إِلَي نَصِيْحَة الْأَطِبَّاء وَهُو يَدْفِنُه يَبْكِي عَلَيْه الْدَّمْع الْهَتُون ، لَا يَقُوْل: يَا لَيْتَنِي سَمِعْت كَلَام الْأَطِبَّاء ، وَأَرَحْت نَفْسِي وَوُفرَت فْلُوسِي ، وَ لم أقترض مِن الْنَّاس ، مَا يَنْدَم الْوَالِد أَبَداً أَنَّه أَنْفَق مَالَه ، وَيَدْفِنَه وَيَبْكِي عَلَيْه .
اعْكِس الْصُّوَرَة: الْأَب مِلْيُوْنِيْر ، وَالْابْن يَرْعَى فِي مَال أَبِيْه ، الْأَب مَرِض ، الْابْن بَدَأ يَطَّوف عَلَى الْدُّنْيَا بِأَمْوَال أَبِيْه وَلَيْس بِمَالِه هُو فَيُقَابِلَه وَاحِد وَيَقُوْل لَه: مَا أَخْبَار أَبِيَك ؟ يَقُوْل يَا أَخِي أَدْعُوْ لَه رَبِّنَا يُرِيْحُه مَا مَعْنَى يُرِيْحُه ؟ أَي يَمُوْت ، طَالَمَا هِي كَلِمَة خَرَجَت مِنْك فَقُل أَدْعُو الْلَّه أَن يَشْفِيَه ، وَلِذَلِك لا تَجِد وَالِداً يَقْتُل وَلَدَه إِلَا إِذَا جُن ، إِنَّمَا الْابْن مُمْكِن يقْتَل أَبُوْه لِيَرِث،أَبُوْه يُهَوِّن عَلَيْه ، إِنَّمَا الْأَب لَا يَهُوْن عَلَيْه الْوَلَد أَبَداً ، لِأَن مَحَبَّتَه فِطْرِيَّة .
لِذَلِك قَال الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" لَا يُقَاد لِلْوَالِد مِن وَلَدِه "
الشاهد من الحديث: أَي أَن الْأَب لَو قَتَل الْابْن لَا يُقْتَل الْأَب بِه لِأَنَّه فِي هَذِه الْلَّحْظَة يُكَوِّن قَد جُن ،إِنَّمَا الْوَلَد يُمْكِن أن يقْتَل أَبِيْه .
يَعَرِّض الْشَّيْخ_حَفِظ ه الْلَّه_مُشْكِل ة مِن صُوَر عُقُوْق الْأَبْنَاء لِلْآَبَاء.
وَأَنَا جَاءَت لِي مُشْكِلَة ، وَاحِد مِن أَصْحَاب المَلَايِيْن كَان رَأْس مَالُِه حَوَالَي سَبْعِيْن مِلْيُوْن دُوَلَار أَو مِثْل ذَلِك ، وَلَه وَلَد وَحَيْد ، وَهَذَا الْرَّجُل كَان يَعْمَل فِي الْبِتْرُوْل ، عِنْدَه حَفَّارَات بِتْرُول عِمْلَاقَة تسْتَخْرَج الْبِتْرُوْل مِن بَاطِن الْأَرْض ، وَهَذَا الْرَّجُل رَزْقَه الْلَّه بِامْرَأَة سُوَء ، وَأَخَس الْرِّجَال مِن تُؤَدِّبُه امْرَأَة ، الْمَرْأَة عَيْنُهَا فَارِغَة ، وَعِنْدَهَا كُل مَا تِتْصَوره تَذْهَب وَتَشْتَرِي فَخَّارَة وَيَقُوْلُوْن هَذِه مِن أيَّام خُوِّفَو ، كَم ثَمَن هَذِه الْفَخَّارَة عَشْرَة أَلَاف دُوَلار ، فَتَأْتِي بِهَذِه الْفَخَّارَة لِأَن خَوْفُو كَان يَرْكَن عَلَيْهَا ، أَو أَي حَاجَة ، تَضَعُهَا كَتُحْفَة .
الْبَيْت كُلِّه تُحَف ، وَالسَّجَّادَة مَثَلا بِمِائَة أَلْف وَهَذَا الْكَلَام ، وَمَع ذَلِك عَيْنُهَا فَارِغَة لَا تَرْضَى ، أَنْت تَعْرِف الزوجة عِنْدَمَا تَكُوُن غَاضِبَة مِن زَوْجِهَا تَجْلِس تَبْكِي لِلْأَوْلَاد ، وَأَبُوْك عَمِل فِيْه كَذَا وَكَذَا وَاللَّه لَوْلَاك مَا كُنْت جَلَسَت مَعَه ثَانِيَة وَاحِدَة كُنْت طَلَّقْت مِنْه وَاسْتَرَحْت لَكُن الَّذِي جَعَلَنِي أَصْبِر عَلَي الْمُر أَنْت ، فَيَشب الْوَلَد شَارِباً مِن أُمِّه كُل فِتْرَة تَبْكِي ،شبَّ الْوَلَد كَارِهاً لِأَبِيْه , هذا الْوَلَد الْوَحِيد لَو مات الْأَب هُو الَّذِي سيرث , لكنه اسْتَعْجَل ، وَرَفَع عَلَي أَبِيْه قَضَيَّة حَجَر أنه مَجْنُوْن وَلَا يَجُوْز لَه أَن يَتَصَرَّف فِي الْأَمْوَال , اسْتَعْجَل وَذَهَب لِلْقُضَاة وأعْطِي هَذَا عَشَرَة مْلْيُوْن ، وَهَذَا ثَلَاثَة مْلْيُوْن ، وَهَذَا أَرْبَعَة مْلْيُوْن وَعَملُوْا قَضِيَّة حَجر عَلَي الْوَالِد ، الْوَالِد وَجَد نَفْسَه بَعْد المَلَايِيْن هَذِه كُلَّهَا وَلَا ملِيْم ، فَكَان لَه دِيْن عِنْد رَجُل آخَر مَن الْعُمَلَاء إِحْدَى عَشَر مَلْيُوْن جِنِيْة ، قَال: أَفْضَل ، أَطَّلِع بِهِم مِّن الْدُّنْيَا بَدَل مِن أَن أَتَسَول لِأَن هُو عَيْنُه فَارِغَة هُو أَيْضاً، لَا يَأْكُل إِلَّا فِي أَفْخَم الْمَطَاعِم وَالْكَلَام هَذَا ، فَإِحْدَى عَشَر مَلْيُوْن هَذِه قَال: حَاجَة قَلِيْلَة أَتَبَلَّغ بِهَا ,فَوَضَع الْإِحْدَى عَشَر مَلْيُوْن فِي حِسَاب أَخِيْه ، الَّذِي هُو عَم الْوَلَد ، بِحَيْث لَا يَكُوْن لَه أَي حِسَاب بِاسْمِه فِي أَي بَنّك ، الْوَلَد يَعْرِف أَن وَالِدِه وضِع هَذِه الْأَمْوَال الْقَلِيْلَة فِي حِسَاب عَمِّه ، فَأَخَذ المُسَدس وَذَهَب إِلَي عَمِّه قَال لَه: الْإِحْدَى عَشَر مَلْيُوْن أُرِيْدُهُم حَالِاً ، فأَتَوْا لِي يَسْتَفْتُوْنِي فِي مَسْأَلَة الْعَم هَل الْعَم يُعْطِيْه أَم لَا وَغَيْر ذَلِك ؟ أَنَا سَمِعْت الْقِصَّة وَأَنَا مَّذْهِوْل ، نعْم الْابْن يفْعَل فِي أَبِيْه هَكَذَا لَكِن الْأَب لَا ، لِذَلِك كَان نَوْعاً مِن الْبِر لَا يَكَاد يَفْعَلَه أَحَد مِن بَنِي آَدَم ، لِذَلِك تحَرِّك الْحَجَر
هَل عَنْدَمَا انْطَبَقَت الْصَّخْرَة هَل هَذَا الْوَلَد جَلَس يَبْحَث وَنَوَى نِيَّة وَغَيْر ذَلِك أَم قَالَهَا بِطَرِيْقَة عَفَوِيَّة ؟ قَالَهَا بِطَرِيْقَة عَفَوِيَّة ، اخْتَار مِن أَعْمَالِه عَمَلاً خَلْفِه نِية أَنَّنِي عَمِلَت كَذَا وَكَذَا يَوْم كَذَا وَكَذَا ، هَذَا حَرَّك الْحَجَر .
الْثَّانِي: هَذَا فِعْل شَيْء لَّا يَكَاد يَفْعَلُهَا إِلَا مُجَاهِد ، قَال: الْلَّهُم إِنَّه كَان لِي ابْنَة عَم ، وَكُل هَذَا يَا إِخْوَانَنَا تَحْقِيْق لِمَعْنَي ، عُبُوْدِيَّة بِر الْوَالِدَيْن لِأَننا نُعَانِي مِن الْعُقُوق ، أَوْلَاد لَا يَعْرِفُوْن فَضْل أبائهم وَالْأَيَّام دُوَل رَبَّنَا سَيَرْزُقُه بِوَلَد لَا يفْعَل بِه مَا فَعَل فِي أَبِيْه أطُم مِن هَذَا لِذَلِك أَنَا أَقُوْل لِلْأَبْنَاء الَّذِي وَالِدِه لَا يَزَال حياً ، وَأُمَّه مَازَالَت حَيَّة يُقْبَل قَدَمَيْهِمَا أَذْهَب وَقَبْل رِجْلَه ، وَأَطْلُب رِضَاه .
" الْلَّهُم إِن كُنْت تَعْلَم أَنَّه كَان لِي ابْنَة عَم ، وَكُنْت أُحِبُّهَا كَأَشَد مَا يُحِب الْرِّجَال الْنِّسَاء"_عَاشِق أَصَابَتْهَا سنة مَجَاعَة ، احْتَاجَت إِلَي مَال جَاءَتْنِي تَطْلُب مَالا رَاوَدْتُهَا عَن نَفْسِهَا ، لَئِيْم هَذِه ابْنَة عَمِّك يَعْنِي لَحْمُك ، كَيْف تُرَاوِدُها عَن نَّفْسِهَا وَهِي ابنة عَمِّك وَهِي لَحْمُك ؟ الْمَفْرُوْض أَنْت الَّذِي تُقَاتِل عَن عَرْضِهَا فَأَبَت _ قَال:" ثُم جَاءَتْنِي تَطْلُب ثُم هَذِه لَا تُفِيْد التَّرْتِيْب ، إِنَّمَا تُفِيْد التَّرَاخِي ، كَلِمَة:( ثُم ) هَذِه كَأَنَّهَا ذَهَبَت إِلَي أُنَاس آُخَرِيْن"تَطْلُب مَالا فَلَم تَجِد عِنْدَهُم فَرَجَعْت إِلَي ابْن عَمِّهَا مَرَّة أُخْرَي تَطْلُب مَالا ، قَال:" فَرَاوَدْتُهَا عَن نَفْسِهَا فَرَضِيَت وَأَعْطَيْتُهَا سِتِّيْن دِيْنَاراً ، قَال: فَلَمَّا قَعَدْت مِنْهَا مَقْعَد الْرَّجُل مِن امْرَأَتِه ، قَالَت: يَا عَبْد الْلَّه اتَّق الْلَّه وَلَا تَفُض الْخَاتَم إِلَّا بِحَقِّه _ فِي رِوَايَة أُخْرَي الْحَدِيْث هَذَا رَوَاه بْن عُمَر ، وَالْنُّعْمَان بْن بَشِيْر ، وَعَلِي بْن أَبِي طَالِب رَضِي الْلَّه عَن الْجَمِيْع ، وَجَمَاعَة مِن الْصَّحَابَة _ قَال: فَقُمْت عَنْهَا وَهِي أَحَب الْنَّاس إِلَي ، و تَرَكَت لَهَا الْمَال ".
وَفِي الْرِّوَايَة الْأُخْرَى: قَال: "فَلَمَّا قَعَدْت مِنْهَا مَقْعَد الْرَّجُل مِن امْرَأَتِه ارْتَجَفَت ، فَقُلْت لَهَا: مَالَك ؟ فَقَالَت: إِنِّي أَخَاف الْلَّه ، فَقَال لَها: أَنَا أَحَق أَن أَخْشَاه ، خِفَّتِي الْلَّه فِي الْشِّدَّة ، وَلَم أَخَفْه فِي الْرَّخَاء ، فَقُمْت عَنْهَا وَهِي أَحَب الْنَّاس إِلَي ، الْلَّهُم إِن كُنْت فَعَلْت هَذَا ابْتِغَاء مَرْضَاتِك فَفَرَّج عَنا مَا نَحْن فِيْه ، قَال: فَانْفَرَجَت الْصَّخْرَة قَلِيْلا ، وَلَكِنَّهُم لَا يَسْتَطِيْعُوْن الْخُرُوْج " هَذَا مُجَاهِد .
أَكْبَر عقْبَة فِي طَرِيْق الْرَّجُل هِي الْمَرْأَة.
لأن أَكْبَر عَقْبَة فِي حَيَاتِه هِي الْمَرْأَة ، قَال- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- الْكَلَام هَذَا لَيْس كَلَامِي طَبْعا ، كَلَام الْنَّبِي- عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام- كَمَا فِي حَدِيْث أُسَامَة بْن زَيْد- رَضِي الْلَّه عَنْه- ، قَال: " مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَة أَضَر عَلَي الْرِّجَال مِن الْنِّسَاء " ، الَّذِي يَقُوْل لَك: أَنَا بَطَل وَوَاحِد آخَر امْرَأَتَه تَعْمَل مَع الْرِّجَال فِي وَظَائِف ، وَيَقُوْل لَك: أَنَا امْرَأَتَي لَو زَرَعْتُهَا فِي فَدَّان رِجَالُه هِي رجِل ، لِمَاذَا هَل هِي مِلْك كَرِيْم ، أَو مَعْصُوْمَة مِن الْخَطَأ ؟
أَنَا عِنْدِي حِكَايَات لَو قُلْتَهَا تَضْرِب كَفاً بِكَف ، أَكْبَر عَقْبَة هِي عقْبَة الْمَرْأَة فِي طَرِيْق الْرَّجُل ، لِذَلِك لَابُد أَن تَحْتَاط لِنَفْسِك بِمِائَة سَد لَيْس سَد وَاحِد ، وَلَا اثْنَيْن ، وَلَا ثَلَاثَة ، وَلَا أَرْبَعَة ، بِمِائَة سَد ، نَحْن مَازِلْنَا نَقُوُل قِصَّة الْرَّجُل الَّذِي عَبَد الْلَّه سَبْعِيْن سَنَة وَقَع ، فَلَا أَحَد فِيْنَا شُجَاع إِلَا إِذَا عَصَمَه الْلَّه- سُبْحَانَه وَتَعَالَي- .
الْرَّجُل الْثَّالِث: قَال:" الْلَّهُم إِن كُنْت تَعْلَم أَنَّه كَان لِي أُجَرَاء ، وَبَعْد ذَلِك اشْتَرَط عَلَي الْأُجَرَاء كُل وَاحِد يَعْمَل بِأُجْرَة مِن أَوَّل الْنَّهَار إِلَي آَخِرِه مَثَلا ، فَجَاء رَجُل عَمِل بِأُجْرَة لَكِن عَمَل عَمِل رَجُلَيْن ، كَان عِنْدَه هِمَّة وَنَشَاط وَهَذَا الْكَلَام ، عَمِل عَمَل رَجُلَيْن ، فَعِنْدَمَا وُزِّع عَلَيْهِم الْأُجُور فَرَق مِن أَرْز ، أَو ذَرَّة أَو غَيَّر ذَلِك فَسَخِط أَجْرُه ، قَال: عَمِلَت عَمَل رَجُلَيْن وَتُعْطِيْنِي أَجْر رَجُل وَاحِد ؟ قَال: أَنَا أُعْطِيَك مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْه ، أَنَا قُلْت لَك: اعْمَل بِفَرَق مِن أَرْز ، أَنْت عَمِلْت عَمَل رَجُلَيْن ، ثَلَاثَة ، أَرْبَعَة ، هَذِه قُصَّتِك أَنْت لَيْسَت قِصَّتِي ، وَلَيْس مَوْضُوُعِي ، فَتَرَك الْفَرَق الْأَرْز غَاضِبا وَمَشْي .
فَعِنْدَمَا أَفَلَس هَذَا الْرَّجُل ، جَلَس يَبْحَث فِي دَفَاتِرِه الْقَدِيْمَة ، أَنَا لِي فْلُوس عِنْد مَن ؟ قَال: لِي فَرَق مِن أَرْز ، سَأَذْهَب لِلْرَّجُل وَأَخَذ مِنْه الْمَال ، فَذَهَب إِلَيْه فَقَال لَه: يَا عَبْد الْلَّه اتَّق الْلَّه وَلَا تَجَحَدْنِي حَقِّي أَنَا لِي عِنْدَك فَرَق مِن أَرُز أَو ذَرَّة أُعْطِيَه لِي ، قَال لَه: تَعَالَي أَصْعَد مَعِي فَوْق هَذَا الْبَيْت ، صَعِد فَوْق الْبَيْت وَإِذَا الْرَّجُل يَجِد وَادِي مِن الْأَبْقَار وَالأَغَنَام ، وَالْإِبِل ، وَغَيْر ذَلِك ، قَال: مَاذَا تَرَي ؟ قَال لَه: أرِي أَبْقَار وَإِبِل ، قَال: كُل هَذَا لَك هَذَا هُو أُجْرَتَك عِنْدِي
قَال: يَا عَبْد الْلَّه اتَّق الْلَّه وَلَا تَسْتَهْزِئ بِي ، أَنَا لَم آتِي لَأَمْزَح ، أَنَا أُرِيْد فَرّق مِن أَرْز ، لَا تَلْعَب بِي وَتَقُوْل الْوَادِي ، وَالْإِبِل ، وَالْغَنَم وَالْبَقَر وَغَيْر ذَلِك ، اتَّق الْلَّه وَلَا تَسْتَهْزِئ بِي ، قَال: هُو مَا أَقُوْل لَك مَاذَا فَعَل الْرَّجُل هَذَا ؟ بَاع الْفَرَق مِن أَرْز ، وَاشْتُرِي بِه غَنَم ، وَالْغَنَم يُوْلَد ، وَيَبِيْع الْغَنَم وَيَأْتِي بِبَقَر ، وَيَأْتِي بِإِبِل وَغَيْر ذَلِك ، فَلَمََّّا عَلِم الْرَّجُل أَن كُل هَذَا مُلْكِه أَخَذَه كُلَه ، أَنْت يَا أَخِي اسْتِحِي وَأُعْطِي لَه نِصْف الْحَاجَة عَلَي أَسَاس أَنَّه تَعِب فِيْهَا ، وَرَبَّاهَا ، وَنَمَاهَا ، لَا ، مَا تَرَك لَه غُنْمُه وَاحِدَة .
الْلَّه- عَز وَجَل- عِنْدَمَا وَصَف الْإِنْسَان قَال:﴿ وَإِنَّه لِحُب الْخَيْر لَشَدِيْد ﴾ (الْعَادِيَات: 8) ، كُلُّنَا نُحِب وَسُفْيَان الْثَّوْرِي عَلَي وَرَعُِه وَزُهْدِه ، وَعِبَادَتِه ، رَأَوْه مُرَّة فِي الْسُّوْق يَشْتَرِي مَعَه دَنَانِيِر ، فَقَالُوَا: يَا أَبَا عَبْد الْلَّه أَلَدَيْك هَذَا وَأَنْت زَاهِد ، عَابِد وَغَيْر ذَلِك ، أَنْت أَيْضا مِّثْلْنا مَعَك فْلُوس وَتَذْهَب لِلْسُّوْق وَتَشْتَرِي ، وَتَأْكُل الَّذِي فِي نَفْسِك وَهَذَا الْكَلَام ، فَقَال لَه: اسْكُت لَوْلَاهَا ، أَي لَوْلَا الْمَال لَتَمَنْدَل بِنَا الْمُلُوْك ، كَانُوْا يُعَامِلُونَنا مِثْل الْمَنَادِيْل ، الْمِنْدِيْل بَعْدمَا تَنْشَف وَتَمْسَح بِه أَيْن تَضَعُه ؟ تَضَعُه عَلَي الْرَف فِي الدُّوَلاب أَم تَرْمِيْه فِي الزُّبَالَة ؟ تَرْمِيْه فِي الزُّبَالَة ,فَلَوْلَا هَذَا الْمَال الَّذِي حَفِظ الْلَّه بِه مَاء وُجُوْهَنَا لَتَمَنْدَل بِنَا الْمُلُوْك كُلُّنَا نُحِب الْمَال .
كَيْف تَغَلَّب هَذَا الْرَّجُل عَلِي هَذِه الْأَثَرَة وَحُب الْمَال؟
وَأَعْطَاه الْمَال كُلِّه وَلَم يَأْخُذ مِنْه شَيْئا ؟ هَذَا عَبْد حَقَّق عُبُوْدِيَّة الْإِيْثَار كَمَا حقق الْعَبْد الَّذِي قَبْلَه عُبُوْدِيَّة الْعِفَّة فَهَذَا نَوْع مِن الْبَشَر أَنَا فِي فَهْمِي لَا أَظُن أَن الْوَاحِد مِنْهُم تَعِب كَثْيِرا فِي الْبَحْث عَن عَمَل يَقُوْل أَنَا عَمِلْتُه هَكَذَا وَأَخَذ يَبْحَث ، إِنَّمَا قَال عَلَى سَجِيَّتِه .
هَذَا الْكَلَام كُلُّه أَنَا أُرْجِعَه إِلَي قَوْلِي لَا تَحْقِرَن مِن الْمَعْرُوْف شَيْئا غُصْن شَوْك مُمْكِن يَكُوْن سَبَب فِي نَجَاتِك ، تَرَى أَنَّنَا كُلُّنَا أَصْحَاب ذُنُوْب ، قُل أَي شَيْء مُفِيْد ، مُر بِأَي مَعْرُوْف وَإِن كَان قَلِيْلاً ، إِنَّه عَن أَي مُنْكَر وَإِن كَان قَلِيْلاً ، لَا تَتْرُك شَيْئاً إِلَّا وَتَضْرِب فِيْه بِسَهْم ، إِمَّا أَن تَقِف عَلَى حُدُوْد رَبُّك فَلَا تَتَجَاوَزُهَا ، وَإِمَّا أَن تَفْعَل مَعْرُوْفاً .
فَنَحْن نَكُوْن بِذَلِك حَقَّقْنَا مَنْزِلَة الْتَّوْبَة ، وَالْتَّوْبَة تَحْتَاج كَمَا قُلْت لَكُم دَائِما إِلَى عَمَل مُسْتَمِر سَوَاء كَان صَغِيْراً أَم كَبِيْراً ، فَأَنْت لَا تَدْرِي أَيُقَبِّل الْلَّه عَمَلُك أَم لَا ,وَلَا تَنْظُر إِلَى عَمَلِك أَبَدا ، عَلَى أَسَاس أَنَّك تَأَنَّقَت وَعَمِلَت ، وَفِيْه حَدِيْث مَشْهُوْر وَلَكِنَّه ضَعِيْف ، أَنَا لَا أْسَوْقُه عَلَى أَنَّه حَدِيْث وَبِه.
ختام الكلام ( نَمُوْذَج لِلْعِز وَالاسْتِكْبَار الَّذِي جَاء بِسَبَب الْطَّاعَة)
أَخْتِم الْكَلَام ، وَلَكِن أْسَوْقُه كَحِكايَة مَقْرِبه ، وَهَذَا الْحَدِيْث رَوَاه الْحَاكِم وَغَيْرِه ، أَن رَجُلاً عَبَد الْلَّه فِي جَزِيْرَة فِي الْبَحْر سِتّمِائَة عَام أَنَبْت الله لَه مِن الْصَّخْر قَحْفاً مِن الْرُّمَّان ، شَجَرَة رُمََّّان طَلَعَت فِي الصَّخْر ، وَأَخْرَج لَه مِن الْمَاء الْمَالِح بِمِقْدَار الْأُصْبُع مَاء عَذْباً ، كَان يَأْكُل الْرُّمَّان وَيَشْرَب الْمَاء وَيُصَلِّي ، وَسَأَل الْلَّه أَن يَقْبِضَه وَهُو سَاجِد وَتَحَقَّقَت أُمْنِيَّتِه وَقَبْض وَهُو سَاجِد .
فَقَال الْلَّه- عَز وَجَل-: أَدْخِلُوَا عَبْدِي الْجَنَّة بِرَحْمَتِي ، قَال: لَا بِعَمَلِي أَدْخِلُوَا عَبْدِي الْجَنَّة بِرَحْمَتِي ، قَال: لَا بِعَمَلِي ، بِرَحْمَتِي ، لا بِعَمَلِي طَالَمَا أَنَّك تُرِيْد أَن تَدْخُل الْجَنة بِعَمَلِك ، قَايِّسُوْا نِعَمِي عَلَى عَبْدِي الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة مُوَازِيِن ، ضَعُوا نعْمِي عَلَى عَبْدِي فِي كِفَّة وَهَّاتُوْا عِبَادَتِه وَضَعُوْهَا فِي كِفَّة ، فبدئوا بِنِعْمَة الْبَصَر ، وَضَعُوْهَا فِي كِفَّة وَوَضَعُوَا عِبَادَة سِتَّمِائَة سَنَة فِي كِفَّة أخري لَم يَهْتَز الْمِيْزَان ، وَلَو قَلِيْل فَطَاشَت عِبَادَة سِتّمِائَة عَام فِي مُقَابِل نِعْمَة الْبَصَر فَقَط ، فَسَحِبُوه إِلَى الْنَّار ،فَجَعَل يَقُوْل يَا رَب بِرَحْمَتِك ، لَيْس بِعَمَلِي,قَال: أَرْجَعُوه ، قَال: عَبْدِي مِن خَلْقَك وَلَم تَك شَيْئا بِرَحْمَتِي أَم بِعَمَلِك ؟ قَال: بِرَحْمَتِك يَارَب ، قَال: مَن أَخْرَج لَك قحْف رُمَّان مِن الْصَّخْر ؟ بِرَحْمَتِي أَم بِعَمَلِك ؟ قَال: بِرَحْمَتِك يَارَب ، قَال: مَن أَخْرَج لَك الْمَاء الْعَذْب مِن الْمَاء الْمَالِح بِرَحْمَتِي أَم بِعَمَلِك ؟ قَال: بِرَحْمَتِك يَارَب قَال مَن قَوَّاك عَلَى عبَادَة سِتّمِائَة عَام بِرَحْمَتِي أَم بِعَمَلِك ؟ قَال: بِرَحْمَتِك يَارَب قَال: فَبِرَحْمَتِي أَدْخَل الْجَنَّة يَا عَبْدِي كُنْت نِعْم الْعَبْد
فَلَا يَفْتَخِرَن أَحَد بِعَمَلِه ، كَمَا قُلْت قَبْل ذَلِك( رُبَّ طَاعَةٍ أَوْرَثَت عِزاً وَاسْتِكْبَاراً )، وَهَذَا نَمُوْذَج لِلْعِز وَالاسْتِكْبَار الَّذِي جَاء بِسَبَب الْطَّاعَة
وَالْكَلَام عَن مَنْزِلَة الْتَّوْبَة ، وَالْكَلَام عَن عَدَم احْتِقَار الْعَمَل ، سَوَاء كَان رَدِيْئاً أَو كَان جَيِّداً كَلَام طَوِيْل ، إِنَّمَا أَرَدْت أَن أَكُوْن تَذْكِرَة لِنَفْسِي أَوَّلا ، ثُم تَذْكِرَة لِإِخْوَانِي .
وَأَسْأَل الْلَّه- تَبَارَك وَتَعَالَى- أَن يَنْفَعُنِي وَإِيَّاكُم بِمَا عَلِمْنَا ، وَأَن يُعَلِّمُنَا مَا جَهِلْنَا ، وَأَن يَجْعَل مَا قُلْتُه لَكُم زَاداً إِلَى حُسْن الْمَصِيْر إِلَيْه وَعْتَادّاً إِلَى يَمُن الْقُدُوْم عَلَيْه ، إِنَّه بِكُل جَمِيْل كَفِيْل وَهُو حَسْبُنَا وَنِعْم الْكَفِيْل ، وَصَلَّى الْلَّه وَسَلَّم وَبَارَك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد ، وَالْحَمْد لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن .
تمت بحمد الله نسألكم الدعاء بالإخلاص والقبول.(أختكم أم محمد الظن)