إثارة مسائل الخلاف والحرص على نَثَّها ، والقول بالمرجوح منها :
لماذا تثار هذه المسائل الشاذة وتقويتها في هذا الوقت بالذات ؟!
وممن ؟
من الذين ليس لهم قدم راسخة في العلم - حتى عرفوا به – مع التقوى والصلاح والفضل والدعوة إلى الله .
فيتصدر الكلام في قضايا شرعية وهو غير مؤهل ، وينشغل عن إصلاح نفسه وتزكيتها وترقيتها وتدارك ما فاتها من خير .
إنها أقوال شاذة ، وفتاوى مغتصبة ، ليست بأقوال ملزمة بإظهارها .
لو أخذ أحدنا بهذه المسائل الشاذة ، أو الفتاوى المغتصبة ، ماذا يمكن أن يقال عن هويته ؟
هل هي هوية المسلم الذي يدين بكتاب الله ، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنهج السلف الصالح للأمة ؟
خذوا مثلاً :
1 ـ الصلاة في المسجد غير واجية .
2 ـ الصلاة لا يكفر تاركها .
3 ـ اللحية وجواز حلقها .
4 ـ إسبال الثوب لغير المخيلة .
5 ـ سماع الأغاني حلال بجميع أنواع المعازف .
6 ـ حجاب المرأة والكشف عنه .
7 ـ جواز الاختلاط .
8 ـ التعامل مع الفوائد الربوية ، وجواز ذلك .
9 ـ التقارب مع الروافض وزيارتهم والتودد لهم .
10 ـ و غير ذلك ..
تصوروا رجلاً ، لا يصلي ، وقد حلق لحيته ، وأسبل ثيابه ، ويستمع للأغاني ، ويختلط بالنساء دون حياء ، ويتعامل بالفوائد الربوية ، وامرأته لا حجاب عليها ، و.... ، و..... ، و....
أليست هذه هي الغربة الحقيقية للدين ؟
بلى ، والله .
فيا أيها الناس :
ذكر مسائل الدين ذكر رعاية ، لا ذكر رواية ؛ فإن رواة العلوم كثير ، ورعاتها قليل .
إنها الدعوة إلى تطوير الإسلام لكي يوافق الأمر الواقع في حياتنا العصرية من خلال : فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ؛ حتى دخل منه القادر وغير القادر ، وصاحب الورع وأصحاب الهوى ؛ فظهرت الفتاوى الشاذة من جراء ذلك و أصبح الناس الآن في فوضى حقيقية من الفتاوى الشاذة التي يطلقها من ليس من أهل العلم الراسخين ، أو ممن يقوم بفعلها ، ممن لا يقتدى بفعله .
وصدق أبو الطيب المتنبي :
وَوَضْعُ النَّدى في مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلى *** مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضعِ النَّدى
« ولم يفلح من جعل هذا النوع من الخلاف سبيلاً إلى النيل من هذا الدِّين وإلى علمائه المجتهدين .
ولم يفلح من جعل من هذا الخلاف سبيلاً إلى تتبع رخص المذاهب ، ونادر الخلاف ، وندرة المخالف ، والتقاط الشواذ ، وتبني الآراء المهجورة ، والغلط على الأَئمة ونصبها للناس ديناً وشرعاً ..
ومنها : إصدار الفتاوى الشاذة الفاسدة ، مثل : الفتوى بجواز الفوائد الربوية ، وشهادات الاستثمار وسندات الخزينة ، وفتوى إباحة
التأمين ، وفتوى إِباحة السفور، وفتوى إِباحة الاختلاط .
وكلها فتاوى شاذة فاسدة تُمالئ الرغبات ، وبعض التوجهات ، وقد رفضها المسلمون ، وبقيت في دفاتر مصدريها يحملون مسؤليتها ، نسأل الله السلامة والعافية ، وهي حقيقة أَن تُلقب باسم : " الفتاوى المغتصبة " ، و للشاطبي- رحمه الله تعالى- في : " الموافقات (4/ 259- 260 ) كلام نفيس في أَن تتبع الخلاف ، والقول الشاذ؛ من اتباع الهوى . والله أعلم.
وكل هذه أذايا يُحَارِبُ بها المسلمون أَنفسهم ، ويَصْدَعُوْنَ بها صَفَّهم، ويَسْتَعْدُوْنَ بها الكافرين عليهم !! » .
المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب (1/107) ، للعلامة بكر بن عبد الله أبو زيد المتوفى : 1429هـ ـ رحمه الله ـ
فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ووا أسفاء على غربة الدين وأهله في طلاب العلم خاصة - والذي ينبغي أن يكونوا أبعد الناس عما يخالف شريعة الإسلام - ، وإفشاء البدع والجهالات بين الناس عامة .
وهذا زمان الصبر من لك بالتي *** كقبض على جمر فتنجو من البلا
ولو أن عيناً ساعدت فتأكفت *** سحائبها بالدمع ديما وهطّلا
ولكنها لقسوة القلب أقحطت *** فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا
فهذه نصيحة مني لكل إنسان ، دعاني إليها غربة الدين - مع أن الأمر أجل وأكبر من الغربة - ، وقلة المعرفة ، وقلة الأنصار .
أقول : مع أن الأمر أجل وأكبر من الغربة ؛ لأن أكثر أصول الدين وشعبه معدومة في الخواص ، فكيف بعامة الناس ، ومن لا علم لهم في معرفة ما جاءت به الرسل ،كالغيرة لله ولحرماته ، وتعظيم أوامره ، ومجاهدة أعداء دينه ، والبراءة من موالاة المشركين ، وأعداء رب العالمين ، والتحيز إلى أهل الإيمان ، وموالاتهم ونصرهم ، ولزوم جماعة المسلمين ، وغير ذلك من حقائق الدين ، وشعب الإيمان .
وهذه أوشكت أن تكون معدومة في الناس إلا من رحم الله ، نسأل الله الثبات على دينه، والتمسك به عند فساد الزمان.
فأي غربة توازي هذه الغربة ؟ !
ومرارة الغربة في حبّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، والإسلام .
فإن الغربة لا تكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم ، وذلك حين يصير المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، وتصير السنة بدعة ، والبدعة سنة ، فيقام على أهل السنة بالتثريب والتعنيف .
فيا من وضعت يدك في يد الرافضي أقول لك ، ماذا تقول غداً لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما يقول لك : كيف تضع يدك فيمن يتهم زوجتي بالزنا ، ويلعنها ويلعن أباها ، ويلعن صاحبي عمر ، ويلعن أصحابي ، ويترضى على أعدائي ؟!!
رحماك ربي رحماك .
وأخيراً :
قال الإمام العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ في مدارج السالكين ( 3/196-197) .
« غربة أهل الله ، وأهل سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين هذا الخلق ، وهي الغربة التي مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهلها .. هذه الغربة لا وَحشة على صاحبها ، بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس ، وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا ، فوليه الله ورسوله والذين آمنوا ، وإن عاداه أكثر الناس وجفوه » .
أرجو عدم المؤاخذة في شدة اللفظة ، وأسلوب العبارة ؛ فإنها غيرة مصدور رضي بالله رباً ، وبمحمد نبياً ورسولاً ، وبالإسلام ديناً .