بسم الله الرحمن الرحيم.
إنَّ الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينُ به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهدى اللهُ تعالى فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله.
أما بعــــــدِ
فإن أصدق الحديثِ كتاب الله تعالي وأحسنَ الهدي هدي محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدَثةٍ بدعه وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار ، اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد
درسنا هذا المساء بعنوان:( اللحظة الفارقة ) .
توضيح لعنوان المحاضرة.
واللحظة: هي طائفةٌ قصيرةٌ من الزمن قد تكون كلمح البصر وقد تزيد قليلًا ولأن الإنسان لا يمتلك إلا اللحظة التي يعيش فيها ، فإن أيام الإنسان ثلاثة يومٌ مضى ، ويومٌ يأتي ، واليوم الذي يعيش فيه .
فأما اليوم الذي مضى فلا يملكه ، وأما اليوم الذي يأتي فلا يملكه أيضًا لأنه قد يكون من جملة الأموات ، وأما اليوم الذي يعيشه فهو لا يملك منه إلا اللحظة التي يتنفس فيها ، لأنه قد يموت بعد دقيقة أو بعد دقيقتين .
إذًا فحياة المرء هي اللحظة التي يعيش فيها .
كما نقول مثلًا ما مدة استمتاعك بالطعام ، قد يشتهي المرء نوعًا معينًا من الأكل ، وله ثمن غالٍ نفترض رجل يريد أن يأكل أكلة بمائة يورو مثلًا ، فبدأ يدخر يورو مع يورو حتى جمع المال ، ثم دخل إلى المطعم وجلس يأكل ، المائة يورو لو أنا ترجمتها إلى ساعات عمل ربما يكون هذا الرجل يكون قد أنفق يوم أو يومين أو ثلاثة بما يساوي مائة يورو علي حسب ساعات العمل .
ثم جلس يأكل الطعام الذي يشتهيه ، مدة استمتاعه بالطعام هي مدة بقاء اللقمة في فمه فقط ، أي ثلاثون ثانية مثلًا ، لأن الإنسان إذا مضغ الطعام ، ثم مضغ الطعام وينعم الطعام في الفم ، إما أن يبلعه أو يطرحه في خارج فمه ، لا يستطيع أن يبقيه ، فتكون مدة استمتاعه الحقيقي بالطعام ثلاثون ثانية ، هذه الثلاثون ثانية كم قابلها كم ساعة التي هي المائة يورو، كم ساعة ؟ ممكن يكون ثمانية وأربعون ساعة ، ممكن يكون خمسون ساعة أو أكثر .
ينفق من جهده وعرقه خمسين ساعة لثلاثين ثانية وهي مدة بقاء الطعام في فمه ، لأن هذا هو الاستمتاع فقط بالطعام ، بعد بلع الإنسان الطعام انتهت المسألة .
الحياة كلها لحظة وهذه قد تكون فارقة.
إذن حتى استمتاعه بالطعام لحظة ، إذن حياتنا كلها لحظة ، وهذه اللحظة قد تكون فارقة بين الهدى والضلال ، بين السعادة والشقاء وقديمًا حدث شيئُا من هذا ونزلت سورة بسبب هذا الحدث ، ألا وهي سورة البروج ، قصة أصحاب الأخدود ، وقصة أصحاب الأخدود كما رواها الإمام مسلم في صحيحه من حديث صُهيبٍ الرومي- رضي الله عنه- ، أن ملكًا من الملوك كان له ساحر ، وهذا الساحر لما كبر قال للملك: إني كبرت فأريد غلامًا نجيبًا أعلمه السحر ، لأن السحر قديمًا كان يشبه المخابرات العامة الآن .
الملك إذا أراد أن يفعل شيئًا في الخفاء كان يستخدم السحرة ، كما تفعل الدول إذا أرادت أن تبث شيئًا أو أن تفعل شيئًا ، فالمخابرات هي التي تتدخل في هذه المسألة .
قال: إني أريد غلامًا نجيبًا أعلمه السحر فإني أخشى أن أموت وليس فيكم من يتعلمه ، وبالفعل اختاروا له غلامًا نجيبًا وذكيًا لماحًا ، فهذا الغلام وهو يذهب إلى الساحر كان في الطريق صومعة راهب ، وكان الرهبان آنذاك كانوا مسلمين ، لأنهم كانوا على دين عيسى– عليه السلام- ولم يكن بعث النبي- صلى الله عليه وسلم- .
بيان مكانة كلام الله _عز وجل_.
في مرة من المرات مر هذا الغلام على صومعة الراهب فسمع كلامه فأعجبه الكلام وهذا هو الفرق بين كلام الله- عز وجل- وبين كلام البشر ، تجد لكلام الله- عز وجل- طريقًا إلى القلب ، حتى ولو لم تفهمه تشعر أن عليه طلاوة وفخامة وجلالة ، ويدخل إلى القلب كالسحر حتى وإن لم تفهمه .
بدأ الغلام يميل إلى الراهب ويسمع الكلام ويعجبه الكلام ، ويذهب إلى الساحر يسمع طلاسم ولا يفهم شيئاً ، سحر معقد مركب ، المهم أنه بدأ يتأخر عند الراهب وينسى نفسه ، وينسى أنه ذاهب إلى الساحر ، فينسى نفسه ، وإذا ذهب متأخرًا إلى الساحر ضربه الساحر وإذا رجع إلى أهله ضربه أهله لأنه يتأخر أيضًا عن الموعد .
فشكا ذلك إلى الراهب ، قال إذا ضربك الساحر فقل حبسني أهلي وإذا ضربك أهلك فقل حبسني الساحر ، يقول للساحر أهلي أخروني وعند أهله يقول الساحر هو الذي أخرني .
حتى جاء يوم خرج فيه أسد ، دابة عظيمة ، في سنن الترمذي هذه الدابة كانت أسدًا ، هذا الأسد وقف على طريق الناس وكل الناس خافوا أن يمشوا في هذا الطريق ، فالملك يستخدم الساحر في هذه المسألة ، لابد أن يمشي الأسد ،حني يعيش الناس ويمارسون حياتهم فالساحر لأنه كبير أرسل الغلام ، فقال له: عليك بهذا الأسد أقتله أو أعمل له سحر ، المهم يترك طريق الناس ، الغلام أمسك بحجر ، ثم قال اليوم أعلم ، وهذه هي اللحظات الفارقة ، وهذا هو الشاهد من الحديث كله .
قال:" الْيَوْم أَعْلَم أُأْمُر الْرَّاهِب أَحَب إِلَى الْلَّه أَم أَمْر الْسَّاحِر ، الْلَّهُم إِن كَان أَمْر الْرَّاهِب أَحَب إِلَيْك فَاقْتُل هَذِه الْدَّابَّة "، ثم رماها بحجر فقتلها ومات الأسد .
لما قُدِمَ أمر ُ الراهب في الذكر علي أمر الساحر؟
بدا للغلام في هذه اللحظة الفارقة التي أراد أن يعرف فيها الحق من الضلال ، أن يعرف الظلام من النور ، بدا له أن يعرف خط سيره وأن يعرف حياته فرجا ، ولذلك أنظر قدم أمر الراهب في الذكر على أمر الساحر ، قال: إِن كَان أَمْر الْرَّاهِب أَحَب إِلَيْك فَاقْتُل هَذِه الْدَّابَّة "، وهذا يوضح أنه كان يميل إلى الراهب ولذلك قدمه في الذكر .
المهم لما قتلت الدابة انتشر صيت الغلام وعُرف بين الناس ، وكان مغمورًا لأنه كان تلميذًا يتعلم ، المعروف كان الساحر الكبير ، فبدأ الناس يذكرون الغلام ، فلما دخل الغلام على الراهب المسلم ، قال له الراهب:" أَي بُنَي إِنَّك الْيَوْم صِرْت أَفْضَل مِنِّي ،وَإِنَّك سَتَبْتُلي ، فَإِن ابْتُلِيْت فَلَا تَدُل عَلَي "، لا أعرفك ولا تعرفني ، إذا قبض عليك وقيل من علمك ؟ فنحن لا نعرف بعض ، وبدأ يتوافد الناس علي الغلام وصار مشهورًا .
فكان يداوي الناس من سائر الأدواء ، يأتي الأعمى ويقرأ عليه أي حاجة يبصر ، والعاجز عن المشي ، والأصم يسمع ، كل واحد عنده عاهة مستديمة كان يأتي لهذا الغلام ، فكان هذا الملك له جليس جليس نبيل يحبه الملك ويقربه ، وأنت تعرف في التاريخ يقول مهرج الملك رجل صاحب كوميديا ، الملك الرعية يتعبونه في حياته ويريدون كذا وكذا وكذا ، فيريد أن يضحك ويبتسم أحيانًا ، فلا بد أن يكون هناك واحد مهرج للمك ، يأتي له بالنكت وغير ذلك وقعد الملك يضحك ويبتسم لكي يستطيع أن يمارس حياته ، فهذا كان نديمًا للملك .
نديم: أي من أخص الناس به ، أي يحبه ، وهذا الرجل كان قد عمي فلما سمع بأمر الغلام فذهب إلى الغلام وقال له:" اشْفِنِي "وهنا بدأ الغلام يبث عقيدته التي يعتقدها ، فقال له:" أَنَا لَا أَشْفِي أَحَدا وَلَكِن يَشْفِي الْلَّه تَعَالَي ، فَإِن آَمَنْت بِه دَعْوَتِه فَشَفَاك ،"
هنا درس لكل من يبلغ كلام الله أن يكون دقيقًا في الكلام ، حتى لا ينسب شيئًا يجب لله ينسب للبشر .
الرسول- عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أنس في الصحيحين "بَيْنَمَا هُو يَخْطُب الْجُمُعَة إِذ وَقَف أَعْرَابِي عَلَى بَاب الْمَسْجِد ، فَقَال يَا رَسُوْل الْلَّه: هَلَك الزَّرْع وَالْضَّرْع وَنَفَقَت الْمَاشِيَة_ أَي مَاتَت_ فَادْعُوا الْلَّه أَن يَسْقِيَنَا "،
ماحكم رفع الإمام يديه وهو علي المنبر مع الدليل؟
كان النبي- صلي الله عليه وسلم- يقف على المنبر فرفع أصبعه السبابة وهو على المنبر ، لأن الإمام على المنبر لا يجوز له أن يرفع يديه أبدًا ، الذي يرفع يديه المأموم إنما الإمام لا .
الدليل:كما في صحيح مسلم من حديث عمارة بن روبية- رضي الله عنه- أنه رأى بعض خلفاء بني أمية يرفع يديه على المنبر ، فقال:" قَبَّح الْلَّه هَاتَيْن الْيَدَيْن ، مَا كَان الْنَّبِي- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- يَرْفَع يَدَيْه إِنَّمَا كَان يُشِيْر بِالسَّبَّابَة إِشَارَة إِلَى الْتَّوْحِيْد "
لما قال له: الأعرابي:" هَلَك الزَّرْع وَالْضَّرْع وَنَفَقَت الْمَاشِيَة ، فَادْعُو الْلَّه أَن يَسْقِيَنَا فَرَفَع أُصْبُعَه السَّبَّابَة- عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام وَقَال الْلَّهُم اسْقِنَا ، الْلَّهُم اسْقِنَا ، الْلَّهم اسْقِنَا."
قال أنس:" فَمَا نَزَل مِن عَلَى الْمُنْبَر إِلَا وَالْمَطَر يَتَحَدَّر مِن عَلَى لِحْيَتِه- عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام- وَخَرَجْنَا إِلَى بُيُوَتِنَا نَخُوْض فِي الْمَاء ، وَظَلَّت تُمْطِر جُمُعَة كَامِلَة "
في الجمعة التي تليها جاء الأعرابي نفسه ووقف على باب المسجد وقال:" يَا رَسُوْل الْلَّه هَلَك الزَّرْع وَالْضَّرْع وَنَفَقَت الْمَاشِيَة فَادْعُو الْلَّه أَن يَحْبِس عَنَّا الْمَاء ،_ أَي مَاتُوْا فِي الْأَوَّل مِن قِلَّة الْمَاء ، وَالْآن يَمُوْتُوْن مِن كَثْرَة الْمَاء _، فَهُنَا تَبَسَّم الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ثُم قَال: أَشْهَد أَنِّي عَبْد الْلَّه وَرَسُوْلُه " .