بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .

وبعد :

فقد أخبر تعالى في كتابه ، ورسوله في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك ، دجال ضال مضل، ولو تخرق وشعبذ ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنَيرجيَّات ، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب ، كما أجرى الله، سبحانه وتعالى، على يد الأسود العَنْسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة ،من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ، ما علم كل ذي لب وفهم وحِجى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما الله.

وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال ، [ فكل واحد من هؤلاء الكذابين ] يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب مَنْ جاء بها. وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه، فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره ، ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم ، كما قال تعالى: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ * تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ }(1).

وهذا بخلاف الأنبياء، عليهم السلام، فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة[والعدل] فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه ، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات ، والأدلة الواضحات، والبراهين الباهرات ، فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسموات.

أما الآيات الدالة على ختم النبوة :

(1) قال تعالى :
{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}(2) .

قال بن كثير فى التفسير (2/66) ط دار طيبة :

أي: ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب والحُكْم والنبوة أن يقول للناس : اعبدوني من دون الله. أي: مع الله ، فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الحسن البصري: لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته .

كونوا رَبَّانيين. قال ابن عباس وأبو رَزِين وغير واحد، أي: حكماء علماء حلماء. وقال الحسن وغير واحد: فقهاء، وكذا رُوِي عن ابن عباس، وسعيد بن جُبير، وقتادة، وعطاء الخراساني ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس. وعن الحسن أيضا: يعني أهل عبادة وأهل تقوى .

(2) قال تعالى :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }(3) .

قال بن كثير فى التفسير (3/301،302) ط دار طيبة :

يقول تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله،فادعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يكن أرسله؛ولهذا قال تعالى: { أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } .

وقال السعدى رحمه الله فى " تيسير الكريم الرحمن " (ص264) ط الرسالة :

يقول تعالى : لا أحد أعظم ظلما, ولا أصبر جرما , ممن كذب على الله ، بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه ، وإنما كان هذا أظلم الخلق , لأن فيه من الكذب, وتغيير الأديان أصولها, وفروعها , ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد ، ويدخل في ذلك, ادعاء النبوة , وأن الله يوحي إليه وهو كاذب في ذلك .

فإنه - مع كذبه على الله , وجرأته على عظمته وسلطانه - يوجب على الخلق أن يتبعوه , ويجاهدهم على ذلك , ويستحل دماء من خالفه وأموالهم ، ويدخل في هذه الآية , كل من ادعى النبوة , كمسيلمة الكذاب , والأسود العنسي , والمختار , وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف .

(3) قال تعالى :{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(4) .

فلا نبوة بعده إلى يوم القيامة ، قال الزجاج : من نصبه ، فالمعنى : ولكن كان رسولَ الله ، وكان خاتم النبيِّين؛ ومن رفعه ، فالمعنى : ولكنْ هو رسولُ الله؛ ومن قرأ : { خاتِمَ } بكسر التاء ، فمعناه : وختم النبيِّين؛ ومن فتحها ، فالمعنى : آخِر النبيِّين . قال ابن عباس : يريد : لو لم أَختِم به النبيِّين ،لَجَعلتُ له ولداً يكون بعده نبيّاً .

وقرأ الجمهور : { خاتم } ، بكسر التاء ، بمعنى أنه ختمهم ، أي جاء آخرهم . وروي عنه أنه قال : أنا خاتم نبي ، وعنه : أنا خاتم النبيين في حديث واللبنة . وروي عنه ، عليه السلام ، ألفاظ تقتضي نصاً أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أن لا يتنبأ أحد بعده ، ولا يرد نزول عيسى آخر الزمان ، لأنه ممن نبىء قبله ، وينزل عاملاً على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته .

{وخاتم النبيين} : أي لم يجئ نبي بعده إذ لو جاء نبي بعده لكان ولده أهلا للنبوة كما كان أولاد إبراهيم ويعقوب ، وداود مثلا .

ولابد ان تعلم يا من ادعيت النبوة انك داخل فى قوله تعالى { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ }(5).

وتعلم ان الايمان بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل وسيدهم وأفضلهم عند الله ، وأعلاهم منزلة هو من اسس العقيدة ، جاحد هذا الاساس كافر خارج من الملة ولاحول ولا قوة الا بالله .

اما الأحاديث الدالة على ختم النبوة :

(1) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« إِنَّ لِى أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِى الَّذِى يَمْحُو اللَّهُ بِىَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَىَّ وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِى لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ »(6) وفى لفظ عند الترمذى وأحمد وغيرهم:« الْعَاقِبُ الَّذِى لَيْسَ بَعْدَه ُنَبِيٌّ ».

(2) عن سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِىٍّ « أَنْتَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِىَّ بَعْدِى »(7).

(3) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ »(8).

(4) عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ - قَالَ - فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ »(9).

(5) عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ »(10).

(6)عن ثوبان رضي لله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « سَيَكُونُ فِى أُمَّتِى كَذَّابُونَ ثَلاَثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِىَّ بَعْدِى »(11).

(7) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ فَلاَ رَسُولَ بَعْدِى وَلاَ نَبِىَّ »(12).

(8) عن عرباض بن سارية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنِّي عَبْدُ اللهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ ، وَسَأُنَبِّئُكُ مْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ »(13).

ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

ــــــــــ

(1) الآية (221، 222) سورة الشعراء .

(2) الآية (79) سورة آل عمران .

(3) الآية (93) سورة الأنعام .

(4) الآية (40) سورة الأحزاب .

(5) الآية (25) سورة النحل.

(6) متفق عليه .

(7) متفق عليه .

(8) متفق عليه .

(9) أخرجه مسلم (ح6101/7/65) ط دار الجيل .

(10) أخرجه مسلم (ح 1195/2/64) ط دار الجيل .

(11)صحيح ، أخرجه أحمد فى " المسند " (ح22395/37/78) ط الرسالة ، وابو دواد فى " السنن " (ح4254/4/157) ط دار الكتاب العربى كلاهما بنفس اللفظ السابق.

(12) صحيح ، أخرجه الترمذى فى السنن وصححه (ح2272/4/103) ط دار الغرب ، وأحمد فى المسند (ح13824/21/326) ط الرسالة ،والحاكم فى المستدرك (ح8178/4/391) ط دار الكتب العلمية وابن أبي شيبة فى المصنف (11/53) وغيرهم وله شواهد فى الصحيحين والله أعلم .

(13) أخرجه أحمد فى " المسند " (ح17150،17151/28/379) ط الرسالة ، وابن حبان فى " الصحيح بترتيب بن بلبان " (ح6404/14/314) ط الرسالة ، والطبرانى فى " المعجم الكبير " (ح15033،15032/13/171) ، وفى " مسند الشاميين " (ح1939/3/133) ط الرسالة ، والحاكم في مستدركه (ح3566/2/454) ط دار الكتب العلمية وغيرهم ، قال الهيثمى فى " المجمع " (8/226) : « أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان ‏» أ.هـ ، وله شاهد سنده جيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ : « وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ » ، أخرجه تمام بن محمد الرازي فى (الفوائد/1/240) ط مكتبة الرشد .