أين الله؟
أبو حاتم سعيد القاضي
أين اللهُ؟ هل في السماء على العرش استوى أم هو في كل مكان؟ وما معنى: وهو معكم أينما كنتم؟
اللهُ سبحانهُ وتعالى في السماءِ في جهة العُلُوِّ، على العرش استوى، بائِنٌ من خلقه، في كل مكانٍ بعلمه وإحاطته.
ومن الأدلة على ذلك:
1 - قال اللهُ تعالى: { {الرَّحمنُ عَلَى العَرشِ استَوى} } [طه: 5]، وقال سبحانه: { {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ} } [الأعراف: 54]، في أكثرَ من آيةٍ من كتاب الله تعالى.
فهو سبحانَهُ وتعالى فوقَ العرش، في جهة العُلُوّ، فوقَ جميع الخلق.
2 - قال سبحانهُ: {{أَم أَمِنتُم مَن فِي السَّماءِ أَن يُرسِلَ عَلَيكُم حاصِبًا فَسَتَعلَمونَ كَيفَ نَذيرِ}} [الملك: 17].
3 - عن معاويةَ بنِ الحكمِ قال: بينا أنا أصلي مع رسولِ الله، إذ عطَس رجلٌ من القومِ، فقلتُ: يرحمَك اللهُ، فَرَماني القومُ بأبصارِهم. فقلتُ: واثُكلَ أُمِّيَاهُ، ما شأنُكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضرِبون بأيديهم على أفخاذِهم، فلمّا رأيتُهم يُصَمّتونني لكني سكتُّ.
فلما صلى رسولُ الله ?، فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ معلمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرَني ولا ضَربني ولا شتمني، قال: «(إن هذه الصلاةَ لا يصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناسِ، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآن)» .
قلتُ: يا رسولَ الله، إني حديثُ عهدٍ بجاهليةٍ، وقد جاءَ اللهُ بالإسلام، وإنّ منّا رجالًا يأتون الكُهّان. قال: « (فلا تأتِهم)» .
«قال: ومنا رجالٌ يتطيرون. قال: (ذاك شيء يجدونَه في صدورهم، فلا يصُدَّنَّهم). قال: قلتُ: ومنا رجالٌ يخُطُّون. قال: (كان نبيٌ من الأنبياءِ يخُطُّ، فمن وافق خَطَّه فذاك). قال: وكانت لي جاريةٌ ترعى غنمًا لي قبل أُحُدٍ والجَوَّانيَّة، فاطّلعت ذاتَ يومٍ، فإذا الذيبُ قد ذهب بشاةٍ من غنمِها، وأنا رجلٌ من بني آدم آسَفُ كما يأسَفون، لكني صكَكتُها صكّةً، فأتيتُ رسولَ الله، فعَظَّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله، أفلا أعتِقُها؟ قال: (ائتني بها). فأتيته بها. فقال لها: (أين اللهُ؟) قالت: في السماءِ. قال: (من أنا؟) قالت: أنت رسولُ الله. قال: (أعتِقْها، فإنها مؤمنةٌ)» . [أخرجه مسلم].
وبعض الناس يقولون: الله ليس في جهةٍ، وهذا الكلام بعضُه صوابٌ، وبعضُه خطأٌ، وذلك أنهم إن أرادوا أنّ الله ليس في جهةٍ مخلوقةٍ، وأنه ليس بداخل السماوات، وليس بداخل الأرض، فهذا صحيحٌ.
وأمّا إذا أرادوا أنه ليس في العُلُوّ فهذا باطلٌ، ومخالِفٌ لما دلّ عليه كتابُ اللهِ وسنةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
ومن قال: إنّ اللهَ في الأرضِ، وإنّ اللهَ في كلِّ مكان كالجَهْمية والمعتزِلة ونحوِهم؛ فهُو كافرٌ عند أهل السنةِ والجماعةِ؛ لأنه مكذِّب لله ولرسوله في إخبارِهِما بأنه سبحانه في السماء فوق العرش.
و (في السماء) فيها معنيان صحيحان:
1 - (في) للظرفية، أي أنّ اللهَ في جهةِ العُلُوّ، فهو سبحانه في جهة العُلُو فوق جميع الخلق.
2 - (في) بمعنى على، كما في قوله تعالى: {{سِيرُواْ فِي الأَرْضِ}} [سورة الأنعام: آية 11] يعني: على الأرض.
وكما في قوله: {{وَلأُصَلِّبَنّ َكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}} [سورة طه: آية 71] يعني: على جذوع النخل.
و (في السماء) يطلق على معنيين:
1 - السماوات المبنية يقال لها سماء.
2 - العُلُوّ يقال له سماء.
وإذا أريدَ: السماءُ المبنيةُ فالمعنى أنه سبحانه وتعالى على السماءِ وفوقَها، كما قال اللهُ سبحانه: {{سِيرُواْ فِي الأَرْضِ}} [سورة الأنعام: آية 11] يعني: على الأرضِ وفوقَها.
فلا منافاةَ بين قولِ من قال: في السماءِ: يعني على السماء، وبين من قال: إنه في العُلُوّ، والله أعلم.