(افعل خير.. تجد خير)
انسحبت في هدوء من مجلسها وذهبت على غير عادتها إلى الركن البعيد من المنزل.. أخذت موضعها بعيدة عن الأعين وكأنها على موعد شخصي مع الماضي ..جلست تحدث نفسها حديثا هامسا على ضوء القمر وكأنها تقص قصة من وحي الخيال.. فهل حقا ما كنت تحدث به نفسها ليس إلا من نسج الخيال بعيدا عن الواقع ؟؟!!
أخذت تتذكر الأيام الماضية ..
فأبت ذكريات السنين أن تعرض أمام عينها إلا وكأنه شريط لفيلم وثائقي..فها هو شريط الفيلم يعرض وهاهي تقص:
عندما عبد الله كان غرسا صغيرا كانت ترسله أمه قبل وقت الإفطار إلى المسجد المجاور لمنزلهم يحمل ما تيسر من الطعام والشراب ليقوم بتوزيعه على فطرة المسجد
كان يحمل طعاما الإفطار في حياء وخجل.. يذهب إلى المسجد مع الحارس والسائق ويعود مسرعا إلى البيت والخجل يعتريه..
لا يعلم حينها أن ما يقوم به هو خير ..
فقد كان في مخيلته وإدراكه المتواضع بأنه يقوم بعمل غير طبيعي ولكن ما هو مردوده لا يعلم..!!!
ففي ذلك الوقت كانت تنظر إليه أعين الصبية بنظرات غريبة أحس منها وكأنه يفعل أمرا مشين!!!..
على عكس نظرات كبار السن التي كانت تدخل في قلبه الغبطة والسرور فتشجعه على ذلك العمل!!
استمرت الحالة على هذا المنوال في رمضان أعوام وأعوام
وبتشجيع من الجميع.
ولم يمضي كثير من الزمن فعلم واستدرك بأمر ما كان يقوم به وأجره العظيم ..
علم أنه كان يقوم بإطعام الصائمين، وكبر ذلك الفرع واشتد ساعده.. فأخذ يحث اخوته الصغار في السعي على ذلك الخير وشاء الله وقدر له أن يحصل ويكمل تعليمه الجامعي خارج ديار المسلمين ..
حقا أمرا غريب!
وما الغريب في ذلك..؟؟؟
الغريب في ذلك أنه شاب مسلم يدرس في الخارج لا حول له ولا قوة وهاهو رمضان االرابع يقضيه عن الوطن والأهل بعيد.. صوم .. دراسة ومشقة نفسية وبدنية تحيط به من جميع الاتجاهات ..
وقلب الأم يتنغص في اليوم أربعة وعشرون ساعة وأكثر..!!
كيف لا وفلذة كبدها غائب عن أحلى أيام العمر كلها..
أيام رمضان كيف لا... وأبنها ليس معها في عمرتها الرمضانية؟
كيف لا.. وهي تفكر في مشربه ومأكله..وكيف هو حاله؟
والذي برد على قلبها وهون عليها أمرها وحزنها
أن الله يسر له في إقامته بالصحبة الطيبة.. فتعرف هناك على مسلمين من بني جنسه ومن أخوان له من مختلف البلاد العربية.. يجتمعون قبل وقت الإفطار ويذهبون إلى مسجد الجالية القريب من مسكنهم وهناك يجدوا الرعاية التامة والضيافة الكاملة من قبل المشرفين على هذا المسجد من متطوعين مسلمين مقيمين.. أصبحت هذه السنة الرابعة التي يفطر فيها مع الصائمين في مسجد الولاية التي يقطنها والتي يشرف على إعداد الإفطار فيها عائلات الجاليات المسلمة هناك فكل عائلة تأتي بما يتيسر لها من الأطعمة..
(جزاء هم ربي عنا وعن أبنائنا خيرالجزاء..)
إفطار جماعي
يومي في آخر قارات العالم السبع!!
سبحان الله.
تذكرت الأم حوار عبر القارات دار بينها وبين ابنها ومن بين ذلك الحوار كانت تلك المحادثة ::
- قال الابن محدثا أمه:
إيش أخبار المسجد ؟ والفطور؟
قالت الأم :
المسجد بخير.. وأهل الخير كثير ولله الحمد
- قال في صوت ونبرات الحمد تكتسيه ..
والله يا أمي ما راح تصدقي أن أبنك يفطر في المسجد!!!!
من كان يصدق هذا الشيء؟؟؟
(قالها وكأنه يتذكر العمل الذي كان يقوم به في خدمة فاطرين مسجده)
قالها والأم تتخيل ما كان في السابق والوجوه الفطرة البشوشة حين كان يقدم لهم الإفطار.. وحال لسانهم يدعو له..
- قال مسترسلا:
والله يا أمي جميع أصناف الطعام متواجد .. وبجميع الأشكال والألوان.... ورغم كثرة الفاطرين يا أمي يخيل لنا بأن الطعام قد لا يكفي ولكنه يشبعنا ويزيد!!
سبحان الله يا أمي .. ربنا يحط فيه البركة!!!
انتهى.
سبحان الله..الحمد لله .. الله أكبر
فلنتذكر معا:
وليعلم الجميع .. أن تفطير المساجد ليس حكرا على الفقير أو المسكين..
بل هو أيضا للمحتاج وعابر السبيل.. وأعرف الكثير ممن يتركون بيوتهم ويأتون بالطعام ويساعدون في إعداد سفرة الفطور في ساحات المساجد، يشرفون بأنفسهم ويشاركون خدمهم وسائقيهم اللقمة الهنيئة.. تلك والله روح الإخاء والتواضع في الإسلام .. ..
فلنجرب ذلك يا أخوان .. إن في ذلك والله لذة تضاهي لذة قطرات الماء التي تدخل الجوف الظمآن ولذة تضاهي مجرى الماء البارد الذي تبتل به العروق من شدة العطش..
رمضان قادم ولم يبقى عليه كثير ؛ من هنا أدعو الجميع ..
بأن يقدموا الخير في جميع صوره وأن لا يبخلوا ولا يتكاسلوا أبدا في تقديم يد العون إلى المحتاج والمسكين
فحتما خيره إليك مردود وأن كنت في غنى عنه..
عمل الخير ثوابه مردود عاجلا في الدنيا أو آجلا في الآخرة ..
فمن يفعل الخير يجزيه الله به خير ومن حيث لا يعلم ..
ويأتيه في أي مكان يكون..
وربما يصل مردود هذا الخير إلى الأقربين إليك...
والمحيطون بك..
الخير لا يأتي إلا بخير
وجزاءه حتما مردود .. مردود .. مردود.
اللهم أحفظ أبناء المسلمين وشبابها في كل مكان وزمان اللهم يسر لهم أمرهم وبارك لهم في أعمارهم وأوقاتهم وأحفظ اللهم دينهم ودنياهم.. اللهم ووفقهم للصحبة الطيبة التي تعينهم على أمر دينهم.. اللهم آمين
ܔأم بدرܓ
2008