الإمام البويطي وصلاة الجمعة:
يذكرني هذا المبحث بما جري للإمام البويطي أحد تلامذة الإمام الشافعي رحمة الله عليهما ، لما سجنوه بسبب قضية خلق القرءان ، كان كل يوم جمعة الإمام البويطي رجمه الله يغتسل ويلبس أحسن ثيابه ويضرب للسجان على الباب فيقول له ماذا تريد ؟ يقول ألبي نداء ربي ، يقول حي على الصلاة ، أريد أن أصلي والبويطي يعلم أن السجان لن يخرجه والذي سجنه الخليفة , فيقول له السجان عافاك الله ، ماذا حدث لك هل جننت ، فيقول البويطي يارب أردت أن ألبي داعيك فمنعوني ويخلع ملابسه .
الجمعة التي تليها يغتسل ويلبس أحسن ثيابه ويضرب الباب على السجان ويقول نفس الكلام ، فيرد عليه السجان بما سبق ، ثم يخلع البويطي ملابسه فلماذا فعل البويطي هذا وهو يعلم سلفًا أن السجان لن يفتح له ، معذرة إلى ربكم ، أن سأعمل الذي علي.
لذلك نحن نقول لمن لم يتب تب قبل الموت :
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ، تب قبل أن تموت ، إن الأمر جد كله ليس فيه ذرة لعب ولا مثقال ذرة من اللعب ، الذي تاب ووفقه الله إلى مراضيه وكشف الغشاوة عن بصره ،يعمل مناشدة في الصحف أن يتقوا الله عز وجل وأن كل من يمتلك أي شيء يجب عليه وجوبًا أن يحرق كل هذا الكلام ، فإذا فعل ذلك فقد أعذر إلى الله تبارك وتعالي وفعل شيئًا يقدمه بين يدي هذه المعاصي .
س:هل يوجد تعارض بين الآية(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وحديث ابن مسعود في الصحيحين( لا تُقتلُ نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن ادم الأول كِفلٌ منها لأنه أول من سن القتل ) .؟
الإنسان يموت ويبقى ذنبه بعده وهذا معني في كتاب الله عز وجل وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم:( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) [ النحل:25 ] هذه الآية تفسر لنا قوله تعالى:{ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }[الأنعام : 164] ، لأن بعض الناس يحتج بهذه الآية إذا سمع مثلاً قوله _صلي الله عليه وسلم_ في حديث بن مسعود في الصحيحين( لا تُقتلُ نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن ادم الأول كِفلٌ منها لأنه أول من سن القتل ) .
هذا الكلام فعلاً بعض الناس رد هذا الحديث في الفوضى التي نعيش فيها يقول هذا حديث مكذوب لأنه يعارض القرءان ، ابن آدم الأول قتل أخاه الحديث يقول كل إنسان قتل أي إنسان من بعد ولدي آدم إلى أن تقوم الساعة ابن آدم القاتل يوضع على كتفه ذنب كأنه هو الذي قتل ، قال هذا الحديث باطل ، ما سر بطلانه ؟ قال قوله تعالي: { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ، هذا قتل أخاه فما ذنبي ؟ لماذا يوضع عليه ؟ { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }،{ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ }[الطور : 21] .
نحن نرد عليه بالقرءان نفسه أيضًا:
( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، عندما يضل إنسان آخر أليس هذا الإضلال من كسب هذا الشخص الذي أضل ، هذا من كسبه هو الذي أضله فصار من كسبه .
فلا ينفع أن تعارض الآية بالآية ، هذا فهم قاصر لمعني قوله تعالي:{ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، هذا من جملة أوزاره ، كما قال تعالى:{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِم ْوَلَيُسْأَلُنّ َ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [العنكبوت : 13] .
الإنسان إذا عمل العمل أو سن سنة سيئة كما في حديث جرير بن عبدالله البجلي وهو في صحيح مسلم وهو ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أجور هؤلاء شيء ، ولا ينقص من أوزار هؤلاء شيء ) .
لذلك العبد إذا مات ومات ذنبه معه كان خيرًا له بخلاف ما إذا ترك الذنب يسن سنة سيئة ، يأتي لنا بعيد من أعياد الكافرين ويظل يكتب ليزين هذه الأعياد ، بدأت الناس تنفعل وتعيد نفس هذه الأعياد فعليه وزر هذا ، كل عمل سيء يتركه العبد خلفه يتوارثه العباد في صحائفه السود ، وهذه اسمها السيئات الجارية ، فإياك والسيئات الجارية تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .
ثالثاَ من السيئات الجارية الغرور.
الأمر الثالث,التي ينبغي أن يحذر المرء منه الغرور ، إياك أن تغتر بعملك بل يجب أن تغسل يديك من هذا المعني لأن النبي _صلي الله عليه وسلم_ قال من حديث أبي هريرة ( لن يدخل أحدًا منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) .
وحديث ورد في مستدرك الحاكم وهو لا يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم ، لكن أنا أذكره لتبيين المعني ، لبيان المعنى فقط ، لكنه لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام .
هذا الخبر يقول أن عبدًا من عباد الله عز وجل عبد الله في جزيرة ستمائة عام، يعيش في الجزيرة فيها رمان وفيها عين ماء عذب بقدر الأصبع ، يأكل قحف الرمان ويشرب الماء ويصلي ، فسأل الله عز وجل من جملة ما سأل أن يقبضه إليه وهو ساجد ، وبالفعل قُبِضَ هذا العبد وهو ساجد ويشبه أن تكون هذه من أخبار أهل الكتاب ، فقال الله عز وجل أدخلوا العبد الجنة برحمتي ، قال يارب بعملي ، برحمتي ، بعملي ، برحمتي ، بعملي ، قال ردوه ، زنوا أعماله في مقابل نعمي عليه ، وضعوا في كفة نعمة البصر ، ووضعوا في الكفة الثانية عبادة ستمائة عام ، فطاشت عبادة ستمائة عام في مقابل نعمة البصر وحدها ، فجروه إلى النار فجعل يقول يارب برحمتك يارب ، برحمتك يارب . فقال الله عز وجل له: عبدي من خلقك ولم تك شيئا ، برحمتي أم بعملك ؟ قال: برحمتك يارب ، قال من أخرج لك قحف رمان من الصخر ؟ برحمتي أم بعملك ؟ قال: برحمتك يارب ، قال من أخرج لك الماء العذب من الماء المالح برحمتي أم بعملك ؟ قال: برحمتك يارب ، قال من قواك على عبادة ستمائة عام برحمتي أم بعملك ؟ قال: برحمتك يارب ، قال: فبرحمتي أدخل الجنة يا عبدي كنت نعم العبد .
فالمرء يغسل يده من هذه المسألة ، لكن يجب عليه أن يبذل السبب الصحيح .
مسألة الغرور بالعمل هذه من أكبر المشاكل ، يُعجب المرء بعمله لابد أن ينقطع العمل وهو يمشي ، وطبعًا هذا الغرور وهذا الإعجاب له حلول ، له أكثر من أربعة أو خمسة حلول الإنسان إذا سلكها يتجنب الوقوع في الغرور بالعمل ، وهذا الأمر فيه شيء من البسط ، وكثير من إخواننا يشتكون أنني لا أعطي فسحة من الوقت للذين يسألون ، وأنا رأيت أن أجعل نصف الوقت تقريبًا لإخواننا الذين يتساءلون .