...بَيْنـِيْ وبَـين طُفُوْلَتِي
العينُ تُسكب , والدمـوعُ بـحــار
واللـــيل طال, فهل يـجيء نهارُ ؟
والذكريات سفينةٌ فـي خـاطــري
تـجــري, وجَفــن شِراعها مِدرار
تـجري على دمعي , ودمعي مُـجمِـرٌ
فتـجـول بيــن جوانـحي أفـكارُ:
لله ! كيف سرت على جـمر الغَـضا ؟
وبها ـ عُجـابــاً ـ لم تشُبَّ النارُ !
...ورست على قلبٍ ترعرع في الأسى
ويـثــور بـيــن شَغافه إعصارُ
نـارٌ, وإعصـارٌ, وقلبـي مـرجـل
يغـلي, ويُـنثر من لظاه شَرارُ
والسِّـفر يـرثـي حالتي فقصائـدي
أَلَـمٌ يُـقَـفَّى . والـيراع يحارُ
ناحـت هـنا الكلماتُ, تندُب حظها
وتقول: مـاذا تنـفعُ الأشعارُ ؟
....فرحـلتُ لـلـزمن البعيد وطيفِه
ولَـكَم تـداعى للزمان جدارُ !
أبـحرتُ فـي لُـجَج الزمان هُنيهةً
لأرى الصِّبا, صدحت له الأطيارُ
أمي , أبي , وأخـي نَـجِـيُّ طفولتي
, هم فـي دجى ليل الصِّبا أقمارُ
عِشنا ببـيتٍ, والـحَـنانُ يـحُوطُنا
وبروضـهِ تـتـعـانَقُ الأزهارُ
وبـراءةُ الأطفال فـي ضَـحَكاتـها
والـحـبُّ يغمرنا, ونحنُ صغار
آهٍ, على زمـن الطـفولـة والصّـفا
ليلُ الطفولة فـي الصفاء نـهارُ
ما كنـت أعـرف فيه أهاتِ النَّـوى
أو أنَّـةً حـرّى ,لـهـا استعبارُ
أو مقـلـةً ثـكـلى, ودمـعَ مُعذَّبٍ
وأنيـنَ قـلـبِ مُلَـوّعٍ يَنهار
ما كنت أعـرف غـيـرَ بيتيَ عندما
تشدو الطيور,فترقصُ الأشـجارُ
ما كنت أسهر , والكَرى يَغْشى الورى
والـبدرُ والأفـلاكُ لـي سُمَّارُ
ما كنت أشعر فـي فــراق أحـبةٍ
ذهبت بـهم مـن بـيننا الأقدارُ
واليـوم أذكـرهُـم... فتهطل أدمُعي
عند الـمـساء كـأنـها أمطارُ
لا الـهمُّ في الـماضي يقضُّ مضاجعي
لم يبـكِـنِـي قلـمٌ ولا أسفارُ
كنـتُ الـخَـليَّ من السُّهاد وسُقمِه
والآن دمعي مـن جـوىً أنـهارُ
لكنما الـمـاضـي إليـه يـشدني
دوماً , وتعـزفُ لـحنَه الأوتارُ
يا أيها الـمـاضـي السحيقُ:إلى متى
ستظـل تُبْحِـرُ نحوكَ الأفكارُ ؟!
جُـرِّعـتُ فيكَ الـمُرَّ كأساً مُتْرَعاً
ومع ارتـشـافِ البؤس لي تَذكار
فـقـرٌ يذكرنـي الفقـيـرَ فعيشُـهُ
ضنْكٌ, وتبكي حالَه الأشـعـارُ
....أمضيت عمري فـوق ظـهر مطيتي
وتَـمَـلُّ مـنظرَ ناقتي الأسفارُ
واليوم أرنو نـحـو طيـفٍ قـد مضى
...وإذا الـزمان ورسْـمُهُ آثارُ
...سأظلُّ أسعى فـي الحياة بـهـمِّـة
حتـى تُصَـفَّفَ فوقيَ الأحجارُ
الشيخ الشاعر : مصطفى قاسم عباس منقول