أيـّهَا الدّعَاةُ إلى الله
نصيحةٌ من قلبي لنفسي قبلَ أنفسكم, ومن خافقي أودّ أن تـمـتزجَ بخوافقكم , ومن روحي إلى صميم أروحكم, وآملُ أن تسمعوها بأذنِ قلوبكم وإخلاصكم قبل السمع بالآذان المعهودةِ.....
إن قسوتُ في كلامي فإنني أقسو على نفسي لا عليكم...
وإن وجهتُ نصحاً أو إرشاداً, فإلى نفسي فبل أنفسكم, وليس من باب الإرشاد أو التوجيه,بل من باب التذكير والمناصحةِ في الدين , وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.....
تعلمون أن الدربَ طويلٌ , والليلَ ساجٍ, والظلامَ دامس, والخطبَ جَلل,والدياجيرَ مدلهمةٌ, والمهمة صعبة, لكني على يقين تام ـ بعونه تعالى ـ أن إخلاصَكم يقرّب الدربَ, وينير الليل , ويُطيح بالظلام, ويجعل الخطب الجلل ذلولاً , والعقبةَ الكؤودَ سهلاً لا أشواكَ فيها ولا عقبات....
أيها الدعاة إلى الله:
لا تغرنكم سحابةُ الصيف فإنها عن قريبٍ ستنقشع, ولا يغرنكم مطرُ الصيف فإنه سريعُ الجفاف, ولا يغرنكم طولُ سواد الليل, فبعدَ الليل فجرٌ يبزُغُ, وصبحٌ يتنفسُ و ....
ولا تيأسوا لكثرة الراكبين في فلكِ الغفلةِ, ولا تُغرقوا سفينتهم بخرقها حتى لا تكونوا قد جئتم شيئاً نكراً.....فالبحرُ خِضَمٌّ, والأمواجُ عاتيةٌ, والظلماتُ بعضُها فوق بعض,إذا أخرج الإنسان فيها يده لم يكدْ يراها, فتعاونوا على الإطاحةِ بالظلام, وخوضِ غِمار البحار, وركوبِ أمواج الهداية والمحبة والتآخي والتشاور..., فالشمعةُ إلى الشمعة, والسراجُ إلى السراج يصنعون نهاراً مشرقاً بالإيمان في دياجير الظلام....
تعلموا قبل أنْ تسودوا , وتيقنوا قبل أن تشكّوا , وأخلصوا فالإخلاص سرٌّ من أسرار الله, مكمنُهُ القلبُ , وملامـحُهُ باديةٌ على الوجه واللسان ......

عيشوا مع الماضي في الكتب والسيَر والتاريخ والأيام والوقائع, ومع الحاضرِ بقرآننا الصالح لكل زمان ومكان, وبسنة نبينا العدنانِ عليه الصلاة والسلام....
...ومع الحاضر بعلومه وأحداثه وأخبارِه وأفراحه وشجونه ومآسيه....
مع الحاضر في زرع البسمة في وجه المحزون, والهدايةِ في قلب الضال, والطمأنينةِ في فؤاد الخائف الوجِل, واليقينِ في فكر المتحيّر, والرضا في ضمير المفجوع, والأملِ في قلب اليائس, والشجاعةِ في قلب الجبان, والأمانِة فيمن تسوّل له نفسه بالخيانة.....
مع الحاضر بيدٍ حانية ,ونظرةِ عطفٍ ورحمةٍ وشفقةٍ , بلسان يداوم ذكر الله, وقلب يرحم أهل البلاء ,كما قال عيسى بنُ مريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ :لا تُكْثِرُوا الكلام بغيرِ ذِكْرِ الله ، فَتَقْسوَ قلوبُكم ، فإن القَلْبَ القاسيَ بعيد من الله ، ولكن لا تعلمون .
ولا تنظروا في ذُنُوب الناس كأنَّكم أرباب ، وانظروا في ذُنُوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناسُ مُبْتَلىً ومعافىً، فارحمُوا أهلَ البلاءِ ، واحْمَدوا الله على العافِيةِ.
وكونوا مع المستقبل بآماله وأمنياته , ونظرة المتفائل,فالخير في هذه الأمة على يوم القيامة....
لنحملْ معاً همومَ البائسينَ في قلوبنا, ولنمسحْ دموعَ اليتامى بعطفِ قلوبِنا وأياديْنا, ولندعُ إلى الله على بصيرة وهدىً وكتابٍ منير...
لتكنْ دعوتُنا بقلبٍ يحترق أسفاً على العصاة, ويعتصره الحزنُ والألم على أهل الغفلة, حتى نأخذَ بزمام سفينتهم إلى مراسي الحقيقة والخيرِ والنجاةِ...فليست النائحةُ كالثكلى, وليس الشَّجِيُّ كالخلي, ولنعلمْ أنه عما قريبٍ سيصبح يومُنا ماضياًسحيقاً,وغ اً طواه الزمنُ, وسنندم على كل لحظة لم ندعُ فيها إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة....
لا تنفروا الناس من الدين بأفكار ضالةٍ , أو بشطحاتٍ خيالية , أو بتصرفات فردية قد تؤثر سلباً على الجميع , وكنونوا كالشامة في أعين الناس......
لا تهتموا بصغارِ الأمور وسفاسفها , أو بالنقد الهدام الذي تتربع على عرشه الضغينةُ, وإياكم أن تتبعوا السقطاتِ والهفواتِ, وتتصيدوا الأخطاءَ ,وتفرحوا بالعثراتِ, وتدفِنوا الصالحاتِ , وتُـميتوا الحسناتِ, ولا تنتعشوا عندما يبتئس الآخرون , ولا تضحكوا عندما يبكي الباقون.....
أيها الدعاة إلى الله :
حياتُنا لا مكان للعب فيها, فالـجِدُّ رياضُه لا يتسكع في أفيائها الهازلون ,وقافلةُ الإيمان تمضي ولم يلحق بها الحالمون.....
حياتُنا تجد بنا المسيرَ , وسنواتُنا لحظات, وماضينا حلمٌ انقضى, وآجالنا مكتوبة وقدجف مِدادها, ووقتنا كنز نفيس, فما أشد احتياجَنا إلى علو الهمم, والوصول أعالي القمم , قبل المشيب والهرم...
عمرنا لا مُتسع فيه للخصام, وقلوبُنا لا ينبغي أن تشحنها البغضاء, وأعمالنا حذارِ أن يحبط ثوابَـها الرياءُ....
نحذّر من الغيبة ونأكلُ لحوم بعضنا البعض , ثم نتذرع بعلم الجرح والتعديل...
ونحسدُ بعضنا البعض وللحسد في لساننا تأويلٌ وألفُ دليل....
وبعضنا ثابتٌ لا تحركه عواصفُ الفتن, وبعضنا يميل مع الريح حيثُ تميل....
الأمر منا يتطلب جدةً في العمل , وإخلاصاً في القلوب , وحرقة على االشاردين, ونظرةَ عطف حانية على السادرين , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ الشاعر: مصطفى قاسم عباس