وفي خلال ذلك كانت الفتنة قائمة في الأقطار الحجازية بسبب ما فعله الوهابي بتلك الجهة، لأنه عاث فيها كالذئب في الغنم وقتل وسلب، وسبي ونهب، وهتك حرمة الحرمين الشريفين، ونال أهل البلدين من ضرره ما لا مزيد عليه حتى هاجر كثير منهم إلى مصر، والشام، وما جاورهما من البلاد، وتعطل الحج، وخيف الطريق، فكتب أهل الحجاز يستغيثون بالدولة، فكتبت لمحمد علي بإرسال العسكر لإخماد تلك الفتنة، وحثه على السرعة؛ فأخذ يجهز العسكر، واتخذ صناعة في بولاق لعمل المراكب، وأمر بقطع الأشجار البالغة في أنحاء القطر، وجلبها إليها، ففصلت منها عدة مراكب، وأرسلت على الجمال إلى السويس، فتركبت هناك، ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، فتوجه الباشا بنفسه إلى السويس، وأمر بضبط ما بها من المراكب، وكذا ما بغيرها من سواحل البحر الأحمر، وعاد إلى مصر وأخذ في تشهيل الجردة، وقلد ولده طوسون سر عسكرها، فخرج الجيش، وعسكر بقبة العزب، وكان نحو ألفي مقاتل، وحثَّ على إحضار اللوازم، فوقع ذلك لدى الدولة العلية موقع الاستحسان، ورأى السلطان أن فعله ذلك من أجل الخدم الدينية، وأرفع التقربات إلى الدولة العلية،....
(( الخطط التوفيقية، لعلي مبارك، ج1، 69، ط1. ببولاق مصر المحمية، سنة 1306هـ)).
أرأيت كيف يسب أهل الصلاح والورع، والتقى، ويمدح أهل الفسق، والفجور، والشر، أرأيت أمانة أهل التأريخ:
أرأيتَ أيَّ كرامة كانت لهمْ*-*-*-*واليوم كيف إلى الإهانة صاروا